"في ظلال الرجال لنادية حرحش" .. نادية حرحش تتحرش بالمسلمات

24.09.2017 02:41 PM

كتب الشاعر نزيه حسون: في رحاب  المحراب الادبي الذي طالما أتاحه نادي حيفا الثقافي للمعشوقة حيفا ان تعانق القدس ورام الله وجبل النار .

سنلج الليلة الى محراب اخر، محراب لا مكان للخشوع فيه الا خشوع الانسان لقناعاته الضميرية ومعتقداته الفكرية ... محراب لا تتسع ارجائه لأية طاعة عمياء تفرضها سلطة او مجتمع او تقاليد بالية، لكن ابوابه ونوافذه مشرعة على وسعها لرياح التمرد والابداع، ورفض كل القيم الموروثة والتي اورثتنا المرارة والتخلف والانطواء، سنلج الليلة لمحراب شاءت اديبتنا نادية حرحش ان تسميه "في ظلال الرجال "، ولن ادخل في مداخلتي هذه الى تلك الظلال التي يلقيها العنوان على وجدان القارئ منذ اللحظة الاولى، ولا يعنيني عدد صفحات هذه الرواية واين طبعت وان كان هناك اخطاء مطبعية او لغوية، وانما يعنيني بالدرجة القصوى ان اسبرَ اعماق هذا النص والامسَ نبضه وخفقات سطوره والتغلغل الى ذراته لندركَ ماذا اضاف وماذا اضاء لنا من شعاعات مضيئة، في زمن تزاد العتمةُ فيه حلكة حتى كدنا نصاب بالعمى، ولهذا اعترف من البداية ان الرواية تسربت الى شرايين وجداني بسرعة العطر وكنت وانا أقرا السطور وما ورائها  وفي لحظات معينة اشعر انني انا  الذي كتبت هذه السطور او ان الكاتبة عبرت عما يعتلج في صدري ويختمر في ذهني وكأنها الناطق الرسمي لمعتقداتي الفكرية وميولي الروحية ايضا، ولا اخفي عليكم سرا أنني قرات الرواية كرجل وقراتها ايضا بمشاعر كل انثى شرقية حكمت عليها التقاليد العمياء ان تعبث بمشاعرها وأحاسيسها وحتى بأنفاسها.

فحينما نقرا  نحن لا نقرأ حروف وكلمات وسطور، بقدر ما نقرأ فكر انسان، وفلسفة حياة، لا نقرأ لغة بقدر ما نقرأ لواعج روح وأنات نفس بشرية.

الملخص العاجل والسريع لاحداث الرواية يتجسد في امراة وجدت نفسها تعيش في ظلال رجل يحمل في راسه كل ما زرعه المجتمع من جهل وتخلف وذكورية تفرض سطوتها على الزوجة، وتريدها مطيعة له حد النخاع، رجل يحاول كتم انفاسها حد المسح.

هذا الواقع الاليم الذي يضجّ به مجتمعنا وتزخر به قرانا ومدننا في كافة ارجاء وطننا العربي، سيبقى يجثم على صدورنا ويحد من تحليقنا ما لم نؤمن ايمانا راسخا ان الانثى كائن جميل ابدعه الخالق في احسن تقويم، ليكون قُبلة من قُـبل الله على الارض، وليس عورة نخجل بها او ضلعا قاصرا لا يملك الا الرضوخ والطاعة،  وبطلة روايتنا مُطـلِـقة وليس مُطَلَقة وهذا يذكرني بمقطع ورد في كتاب امرأة في سجن النساء للكاتبة نوال السعداوي فحين سألها النائب العام هل انت مُطلقة فردت بالنفي  فقاطعها بقوله ان الاوراق والوثائق تثبت انك مُطلَقة، فاجابت بعنف وصلابة لا يا سيدي فانا مُطلِقة وليس مُطلَقة.

وبطلة روايتنا مُطلِقة بعنف واصرار، وتجسد نموذجا ناصعا لكل النساء اللواتي كسرن القيد ورفضن الذل والانصياع والاستسلام لموروثات المجتمع المريض وسطوة الزوج المتخلف، وقررت ان تخرج من هذا البئر الدامس لتعانق الشمس والحياة  والنور مهما كان ثمن هذا التحدي باهظا وأليم.

في الصفحة الأولى من الرواية تطلعنا  رسالة قصيرة أجد من الاهمية بمكان ان ارودهنا كما جاءت:

"اكتبي صرخت في اذني
ففي الكتابة ستكونين
كفاك بعثرة في اجزاء نفسك
كفاك اختباء في ظلال الاخرين
فانت الهة نفسك
لا تسمحي لاي انسان اخر ان يكون الاهك او ملهمك
ان الاله فيك فاتركي هذا الالهام يقودك
اكتببي فالكتابة حياة"

قد تكون هذه الرسالة من انسانة التقت بها الكاتبة صدفة "كان كتلك اللقاءات التي ترتبها الاقدار بحرفية عجيبة" على حد تعبيرها الى ان تخلص للقول التقيتها بين السطور ورايت نفسي فيها  احيانا وفي احيان لم اعد استطيع التمييز من منا هي ومن منا انا، كم تتشابه حكايات النساء في مجتمعنا ، وقد تكون قصة هذه الفتاة هي قصة الكاتبة نفسها ...الا انها بالتالي قصة كل أنثى ارادت ان تكون هي الطريق هي ألهة نفسها واستطاعت عبر نصها السردي ان تنبش كل الخطوط الحمراء والقضايا المسلمات وحدود المحرمات التي طالما اورثتنا الجهل والتخلف والمرارة، واذا كان هذا النص يفتقد الى بعض العناصر الفنية للرواية كالعقدة مثلا ، فان نادية حرحش تتحرش في كل القضايا المعقدة التي نعاني منها كمجتمع، تتحرش لتكسر كل المفاهيم المهترئة التي باتت تتخم ارواحنا وافكارنا، تتحرش بالدين وبالسلطة والمجتمع، وتكتب عن الله وعن الحرية وعن الجسد بصراحة مفرطة تنم عن جرأة وشجاعة وصدق يعطي للعمل كله عمقا رائعا وحقيقيا، وهذا يذكرني بالصدق الذي تميز به الكاتب المغربي محمد شكري في روايته المشهورة " الخبز الحافي".

ورغم انني لا استطيع هنا ان اتعرض بالتفصيل لكل هذة القضايا الهامة التي تطرحها الكاتبة الا انه لا بد لي من التعرض لبعضها ولو باختصار شديد.

قلت انها تكتب عن الله، فالله حاضرا في الرواية من البداية للنهاية، في صفحة (8) تقول انت الهة نفسك وفي صفحة(20) تكتب ما يلي " منذ سؤالي لامي وانا طفلة لم يتعد عمري السنوات الاربع عن جنس الله اذا ما كان ذكرا ام انثى، وانه لا بد ان يكون ذكرا  لانهم يفضلون الذكر على الانثى دائما . وهذا السؤال وان بدا للوهلة الاولى طفوليا الا انه ليس طفوليا بقدر ما هو سؤال فضولي بالمعني الفلسفي ايضا، ففضول الفلاسفةكثيرا ما يشبه فضول الاطفال بالنظر  الى الاشياء على حقيقتها وسجيتها.

وهذا السؤال يذكرني ببيت شعر جميل للشاعر القروي رشيد سليم الخوري يقول فيه "غلطنا حين صلينا  ابانا كما قالوا لنا فالله ام"

وكاتبتنا رغم الظروف المريرة التي مرت بها في حياتها الزوجية ورغم العواصف التي عصفت بها قبل وبعد الطلاق، الا انها ظلت تؤمن بالله ايمانا عميقا وراسخا تقول في صفحة (36): أمنت تماما ان يد الله فوق يد البشر ولكنني أمنت  ان للبشر قدرة على الظلم تفوق حتى تحمل الألهة، فالشر القابع في النفس البشرية يقهر الكون نفسه ويستبد تحت اسم الله بالبشر، وكأنَّ هنالك تلاحم  انساني في الحفاظ  على الذكورة مهما بطشت  ومهما بلغ  الظلم لطالما الرجل هو الاعلى ... الى ان تقول "كنت اصلي وتشهد سجادة الصلاة على دموعي وتضرعي  الى الله  كنت انتفض مخبئة لسجادة الصلاة والقران على وقع دخوله البيت او دخول امه لكي لا يقولو ان الدين مسح عقلي".

وحينما عقَدَتَ العزم على الطلاق وحينما سألها والدها ما الذي تريدنه اجابت: اريد رجلا يتقي الله في ان كان محل يبيع تقوى الله لهذا الرجل فاجلبوها كل ما اردته تقوى الله ولا ازال.

ولكن الجميل في في هذه التقوى او هذا الايمان انه لم يكن ايمانا اعمى او نتيجة احباط او جهل مطبق وانما كان نتيجة فكر وقناعاتـ فاننا نرى الكاتبة تناقش في امور دينية وتستشهد في ايات قرأنية  تدعيما لرايها وقناعاتها كما قرأنا في صفحة (150) حول فتوى لحسن الترابي  مفتي السودان تقول انه لا يوجد نص قرأني  يقول ان المرأة المسلمة لا يجوز لها الزواج من غير المسلم.

ومثلما كتبت اديبتنا عن الله والدين فقد كتبت باسهاب عن الزواج والذكورية والطلاق وعن الحب والحرية ولا نستطيع في هذه اللمامة ان ندخل الى حيثيات هذه القضايا الهامة الا انها تبقى جديرة بالقراءة لانها ترقى بنا عبرها الى معارج الجمال والالق والابداع، والرواية اضافة الى كونها تتطرق لكل هذه المسلمات ورغم افتقادها للعقدة الروائية الا انها لم تفتقد عنصر التشويق وهو عنصر هام من عناصر العمل الروائي، والرواية في رايي تصلح ان تكون رسالة تربويه للنساء المتزوجات والمطلقات على حد سواء.

واجد التلخيص الامثل للرواية ما ذكرته الكاتبة نفسها في نهاية الرواية حين تقول: يلزمني عمر كامل أخر  لاصل لذاتي لاستطيع مراودتها عن نفسي، لاحبها بصدق، لأتصالح معها لأخرجها من غيابات الدهر الذي عشته ولم اعشه، وحكايتي هذه قد تكون حكاية كل النساء وقد تكون في صعوبتها لا تشكل صعوبة في مفهوم الصعوبة  وقد تشكل في تعقيداتها خيطا بسيطا مما يعتبر معقد وقد تكون بجرأتها كارثية وقد تكون وتكون الا انها في النهاية حكاية انسانية تشكلني وتحررني ببوحها من تعقيدات لا ينفع معها الا التحرر.

اسعى إلى حرية متأكدة اني خلقت من اجلها
إبداع يكون فيه إعمار الكون
الانسان معجزة الله في هذه الارض
وأنا هذه الحالمة التائهة في هذا الملكوت
لن افتش بعد اليوم في الرجال عن سند او مدد
ستكون كلماتي هي سندي وامتدادي وسيبقى الرجال دائما ظلالا لتوجساتي

الى ان تقول
وكأنَّ هناك قوة خارقة تجرفني مني ، وتحملني في ثناياها الى مستقبل بافق جميل
كاتبتنا وضيفتنا العزيزة نادية حرحش نتمى لك افق جديد ونهنئك بهذه الباكورة الجميلة ونحن ندرك ان العمل الاول قد تعتريه بعض الهنات ولكنه كان عملا جميلا مشوقا ومؤطرا جعلنا نرنو بعد هذه الباكورة لقطوف دانية تروي ظمأنا الابدي الى الابداع ... الى الألق ... الى الحياة

تصميم وتطوير