"ساتيا جراها" باب الاسباط

24.09.2017 07:37 PM

كتب: أحمد عياش

"الساتياغراها" و تعني حرفيا قوة الحقيقة ،هي كلمة سنسكريتية مكونه من مقطعين  "satya"، و تعني ألحقيقة و "Aagraha " و تعني طلب، ( طلب الحقيقة ) هي المبادئ التي اختارها المؤتمر الوطني الهندي في أوائل عام 1930، كطريقة مثلى نحو استقلال الهند عن الحكم البريطاني وعين غاندي لتنظيم تلك الحملة.

اختار غاندي قوانين الملح البريطانية لعام 1882 كهدف أول لـ "الساتياغراها".

ومسيرة الملح هي جزء أساسي من مسيرة كفاح سلمية كان غاندي قد بدأها قبل ذلك بسنوات من أجل تحرير بلاده من الاستعمار البريطاني العسكري والتبعية ألاقتصادية وهما هدفان احتلا نفس الاهمية في نضال غاندي. عبر رفض دفع ضريبة الملح التى فرضها والبريطانيون والسير نحو مصنع الملح في داندي تأكيدا لرفض الهنود احتكار البريطانيين لصناعة الملح في البلاد، وحق الهنود في القيام بتصنيع الملح بأنفسهم بل واستعادة السيطرة على كل الصناعات الوطنية التى تحتكرها بريطانيا.

كتب غاندي، و كان قد بلغ 61 سنة في ذلك الوقت في جريدة "ينگ إنديان" (الهندي الشاب) الأسبوعية التي كان أسسها قبل ذلك بسنة "ربما فكر البريطانيون في ظلم كل هندي بفرض ضريبة على ألماء ثم وجدوا أن ذلك مستحيلاً. ولهذا فرضوا ضريبة على ألملح وبدئوا  ظلما قاسيا لمئات الملايين من الجوعى والضعفاء" .

عندما اخترق غاندي قوانين الملح في الساعة 6.30 صباح 5 أبريل 1930، أدى هذا لقيام ملايين الهنود بأعمال عصيان مدني واسعة الناطق ضد ضرائب الملح في الراج البريطاني. كان للحملة تأثير بارز في تحدي العالم والموقف البريطاني تجاه استقلال الهند وتسببت في أن تنضم أعداد كبيرة من الهنود إلى القتال لأول مرة.

كان  لتلك الحملة تأثيراً كبيراً على تغيير الموقف العالمي  والموقف البريطاني نحو قضية استقلال الهند  كما شجعت أعداد كبيرة من الهنود على المشاركة النشطة في المعركة للمرة الأولى.

ومع ذلك، فإنها لم تسفر عن تقديم تنازلات كبيرة من جانب البريطانيين.  وكان تعرض مئات المحتجين سلميا للضرب على أيدي الشرطة البريطانية خلال "أحداث داراسانا"، اللتان تم تغطيتهما إخباريا في جميع أنحاء ألعالم، أكبر برهان على فعالية استخدام العصيان المدني كأسلوب لمحاربة الظلم الاجتماعي والسياسي .

باب الأسباط و باختلاف المكان و الزمان و بعض التسميات، إلا ان النمط الغاندي كان حاضرا في (الرباط) على ابواب المدينه العتيقة ، فقد تشابهت التجربتان  رغم الاختلاف الجوهري في البدايات، ففي التجربة  الهندية كان قرار النخبة السياسية والقيادية ببدء الحراك الشعبي و العصيان المدني اما في الحاله الفلسطينيه فكان قرار الشارع المقدسي برفض قرارات الاحتلال بفرض واقعا جديدا على المواطن الفلسطيني يزيد من همه هما و من حياته قسوه سابقا لمواقف القياده السياسيه و التنظيميه .

حاله التنظيم التي رافقت التطور اليومي و اللحظي في القدس ، كانت بخصوصيتها تشبه تلك التجربة الهندية في بدايات مسيره الملح ،عشوائية البداية ابدا لا تعني الحكم المسبق بفشل المحاولة بل هي اساس الدعوة للتنظيم و البناء، فقد تدارك المقدسيون هذه القضية سريعا و كانت وحده الموقف و الاصرار على المطالب  بوصله الحراك الشعبي اضافه الى خروج قيادة ميدانية متضامنة و وحدوية لم تنسلخ طوال فتره الحراك عن الشارع  والتركيز على حاله التناغم، فلم يكن هناك أي خيارات اخرى سوى كسب المعركه كما كسب الملح الهندي .

حالة التضامن و المشاركة المتنوعة من كل من استطاع الوصول الى أرض المعركة و تزايد اعداد (المرابطون) والمعتصمون على ابواب المسجد الاقصى في كل صلاة و سرعة الاستجابه للتجمع و التجمهر  كان لها الأثر الأكبر في الانتصار على عدد من الاجراءات التي كان من شأنها وأد الفكرة ،و الضغط من اجل رضوخ المقدسيون و كسر شوكتهم، هي كذلك في الهند فقد بدأ الحراك ب سبعون شخصا انطلقوا في مسيرة الملح ليصل عددهم في نهايه الرحله الى سبعين ألفًا ، كانت تزداد الأعداد كلما مروا بقرية أو تجمع سكاني ، فكانت بمثابه دعوة للحراك و شرح مبادئ و تصور حركه التحرر .

وللمتبتع لم يخلُ الوضع من محاوله المحتل التملص من قسوة الهزيمة و إن كانت معنوية، ففي كلا الحالتين تم طرح عدد من الحلول التي تحفظ ماء وجه المحتل أمام رأيه العام ، واضطر "اللورد اروين"، حاكم الهند، للتفاوض مع غاندي، واستقبله في يوم تاريخي في قصره الكبير، واتفقا على إلغاء ضريبة الملح، وعلى سفر غاندي الى لندن لحضور مؤتمر شامل عن مستقبل الهند.

وعندما أحضر الشاي، وسأل الحاكم غاندي إذا كان يريد سكرًا كثيرًا أو قليلًا، تندر غاندي وقال انه" يريد ملحا جائت هذه الخطوة بعد فشلهم في اتهام جهات خارجية بتوجيه الحراك الهندي كالاتحاد السوفييتي، وفي القدس لم يكن التفاوض علنيًا أو محدداً أو أقل خطوره فقد حاول الاحتلال العزف على وتر الخلافات العربيه العربيه و زج الحراك في ميمعة الخلافات الاقليمية و خاصة الخلاف الخليجي الخليجي، و خصوصية الوصاية الارنية على المسجد الأقصى ،إلا أن الشارع الفلسطيني عامةً و المقدسي خاصةً كانوا مصرين على الانتصار و التمترس على هدف وضع منذ البدايه و عزل قضيتهم عن أي خلاف داخلي كان او خارجي .

الانتصاران المتشابهان ، فالكلمة الاولى و الأخيرة كانت لـ (قوة الحق) الساتيا غراها  و الحق يعلو و لا يعلى عليه، خلق غاندي فكرا جديدا اعتمد فيه على الحراك الشعبي الواسع و العصيان المدني ، رفض كل الامتيازات في سبيل الحريه ، في القدس انتصرت قوه الحق ، طوال فترة الحراك لا تراجع و لا تخاذل وحدة الصف و المشاركه الواسعه ، حالة التضامن من الاهالي ، نساء و رجال فتيات و فتيان و حتى الاطفال . انتصر الشعب و انتصرت الارادة و انتصر الملح الهندي على باب حطة .

وحتى اللحظة الاخيرة تمسك المقدسيون بزمام المبادرة ، فعندما اراد الاحتلال الانتقام بالدم في جمعة النصر ، فوَت المصلون الفرصة على الاحتلال و في لحظه استعد الاحتلال فيها للانقضاض على المصلين عقب انتهاء صلاة الجمعة .

فرغت شوارع القدس من الناس في رسالة واضحة ، نحن أصحاب المبادرة و نحن من يمسك بزمام الأمور ، نحن من يقرر بدء المواجهة ، و نحن نقرر ايضٍا متى تنتهي ، فالمكان مكاننا و الزمان زماننا و للحق قوة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير