ماذا بعد نهاية أوسلو؟

25.09.2017 09:43 AM

وطن -كتب- مصطفى البرغوثي: 

لم تكن صدفة أن يبدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطابه في الأمم المتحدة بذكر إتفاق اوسلو ، الذي وقع عام 1993 ونص على إنجاز الحل النهائي بحلول عام 1999، وإنتهى بعد أربعة وعشرين عاما إلى وضع خطير ينذر بغياب أي حل .

بل إن ما تحقق من أوسلو تشتت على مر الأعوام وتحولت الأراضي المحتلة إلى معازل وجيتوات منفصلة ومجزأه، وارتفع عدد المستعمرين الإسرائيليين من 111 ألفاً إلى ما يزيد عن 750 الف مستوطن.

وبعد 24 عاما من المفاوضات الفاشلة والمراهنة على دور وسيط أميركي منحاز لإسرائيل ،جاءت الإنتخابات الأمريكية بالإدارة الأكثر إنحيازا، وأصبح الاحتلال منظومة تجمع بين التطهير العرقي والاحتلال الكولونيالي ونظام الأبارتهايد الأسوأ في تاريخ البشرية .

وخلاصة الموقف التي لم يعد أحد قادرا على نفيها أن إتفاق اوسلو ،وبغض النظر عن دوافع ونوايا من قاموا بوضعه وإقراره، قد وصل الى ما توقعه كثيرون منا، أي الى الفشل وإلى نهاية تحمل أضرارا ومخاطر هائلة على الشعب الفلسطيني.

وأصبح ملزمًا للفلسطينيين أن يتبنوا  إستراتيجية وطنية بديلة لما فشل ، لا بد أن يكون عنوانها تغيير ميزان القوى مع إسرائيل، بما يعنيه ذلك من تبني شامل للمقاومة الشعبية ، ولحركة المقاطعة وفرض العقوبات، وبناء وحدة وطنية وقيادة وطنية وموحدة ، وإعادة صياغة كل السياسات الاقتصادية لتركز على دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه.

وفي ظل تعاظم نفوذ الحركة الصهيونية محليا وعالميا و اقليميا ، فلا بد أن تشمل الإستراتيجية الفلسطينية إعادة بناء حركة فلسطينية جامعة تعيد تجميع مكونات الشعب الفلسطيني التي تشتت وحدة هدفها بعد إتفاق أوسلو ، في مناطق 1948 وفي الأراضي المحتلة وفي كل مناطق اللجوء والمنافي.

فلا يمكن مواجهة حركة صهيونية موحدة ومنظمة بدقة، وتعمل بمثابرة على الامتداد بتحالفاتها وتأثيرها في كل العالم، الا بتطوير حركة فلسطينية منظمة أيضا بدقة وقادرة على بناء التحالفات على جميع المستويات ومنطلقها الأول والأخير تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني وحماية قضيته من التصفية .

لكن ما يبدو منطقيا من ضرورة تبني إستراتيجية وطنية جديدة

بعد فشل أوسلو ، لن يكون بالضرورة موقف الجميع فهو يتطلب تقديم تضحيات والتخلي عن مكاسب ذاتية قد يرفض اصحابها التخلي عنها.
ولن يمر تبني استراتيجية جديدة دون معارضة وضغوط من أطراف ودول تريد أن تشطب الموضوع الفلسطيني من كل الأجندات ، أو تريد التخلص مما يسببه من أرق وقلق دام عقودا.

واستمرار النضال الوطني الفلسطيني يعني لبعض الأطراف وجود عقبة عنيدة تقف في طريق مساعيها لفرض التطبيع الكامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلية.

ولكل ذلك فإن المؤسسة الرسمية الفلسطينية ستقف بعد خطاب الجمعية العامة للأمم المتحدة أمام مفترق طرق.

إما اختيار طريق الإستراتيجية الوطنية الجديدة وحسم أمورها بإجراءات فعلية وملموسة، أو الإستجابة للضغوط الخارجية وتلك التي تمارسها إسرائيل، ونتيجة تلك الضغوط معروفة، ولن تكون سوى مرحلة جديدة من المفاوضات العقيمة والاتفاقات الجزئية الهزيلة،

وأوهام تحسين الإقتصاد في ظل الاحتلال واستمرار الاستيطان وتكريس منظومة الأبارتهايد ، وسسيتخدم كل ذلك غطاءا لقلب المبادرة العربية على رأسها وفرض التطبيع الاقليمي الشامل مع إسرائيل، والحاق المزيد من الضعف بالقضية الفلسطينية تمهيدا لتصفيتها.

ولا أظن أن ما يسمى "بصفقة القرن" ستشمل قيام دولة فلسطينية مستقلة حقا وعاصمتها القدس ان كان مهندسوها يرفضون ذكر كلمة " حل الدولتين"، ويتقاعسوا عن معارضة الاستيطان الاسرائيلي ولا يتورع بعضهم عن وصف الاحتلال " بالمزعوم" .

في معركة القدس الأخيرة ، اختار الشعب الفلسطيني وأهل القدس البواسل طريق الإستراتجية الجديدة البديلة، وحققوا نصرا لم يتخيل كثيرون إمكانية تحقيقه .

ونشطاء المقاومة الشعبية وحركة المقاطعة إختاروا الأستراتجية الجديدة.

وأبناء وبنات الشعب الفلسطيني المنهمكون في بناء حركة التضامن مع فلسطين إختاروا هذه الإستراتيجية.

فهل نرى في الأيام القادمة حسما للخيارات في إتجاه جعل هذه الإستراتيجية إطارا جامعا لكل مكونات الشعب الفلسطيني بما في ذلك تفعيل دورمنظمة التحرير الفلسطينية؟  وهل ستترجم المقدمات الصحيحة في نقد ووصف الوضع القائم إلى إستنتاجات صحيحة ونهج جديد ؟

هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

(الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير