المايسترو المصري ... و"العرائس" الفلسطينية

25.09.2017 12:16 PM

ترجمة (خاصة) وطن: ربما تكون حركة حماس قد حلت لجنتها الإدارية في قطاع غزة، لكنها لن تتخلى عن صلاحياتها، وستواصل إدارة القطاع بطريقة أو أخرى. وربما يكون إعلانها حل اللجنة بمثابة طعم من أجل جلب وفد السلطة الفلسطينية إلى القاهرة ليس إلا. وبالتالي، قد يفضي هذا الإعلان بعباس إلى رفع عقوباته عن القطاع، وإعادة تحويل المساعدات الاقتصادية إلى غزة. إذا تم هذا الأمر، فإن فيه مصلحة إسرائيلية أيضا.

لعل الجزء الأجمل في هذا "التحول الاستراتيجي" لحماس، هو مسرح الدمى. فالسهولة والسلاسة التي يقود بها مدير جهاز المخابرات العامة المصرية الجنرال خالد فوزي، "الدمى الخشبية" الفلسطينية واضحة غاية الوضوح. فباليد اليمنى، ُيسلي فوزي نفسه مع أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، وبيده اليسرى يسحب الأمور من بين يدي وفد السلطة الفلسطينية في القاهرة.

لا يعتبر الجنرال فوزي الوحيد المنشغل بهذا الموضوع. فهناك دائرة بكاملها في جهاز المخابرات العامة المصرية تتعامل مع موضوع المصالحة، وهي تتحمل الضجة والضغط والغضب الناتج من الدمى الفلسطينية بين الحين والاخر. كما وتقوم المخابرات المصرية بعزل أطراف المصالحة عن مراكز السلطة الأخرى في العالم العربي، كي تتأكد من أنها لن تعطل أو تتدخل في جهود المايسترو فوزي، الذي يريد الإبقاء على إدارة مسرح الدمى وفق رؤيته.

وقد تحمست أجواء الشرق الأوسط بعض الشيء الأسبوع الماضي، بعد أن قام المايسترو "بطبخ" إعلان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية حل "اللجنة الادارية"، والتي كانت حماس قد شكلتها من أجل إدارة الشؤون المدنية لقطاع غزة. ووفق زعم حماس، فإن حل اللجنة يعتبر بمثابة تنازل حمساوي غير عادي، على اعتبار أن اللجنة كانت بمثابة سكين في ظهر محمود عباس، لأنه المسؤول رسميا عن إدارة الشؤون المدنية للقطاع من خلال "حكومة التوافق الوطني".

وقد ذهبت وسائل الإعلام بعيدا في عناوينها إثر الإعلان الحمساوي. حيث تم تقديم حماس، عبر هذا الإعلام، على أنها قدمت تنازلات، وعلى أنها دعت إلى المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، حتى قبل أن يقوم عباس برفع عقوبة واحدة من تلك العقوبات التي فرضها على القطاع. وفي الوقت نفسه، وجه المصريون تعليمات إلى عباس بإرسال وفد إلى القاهرة لاستئناف محادثات المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية.

ولكن، وعلى الرغم من أن حماس قامت بحل اللجنة الإدارية، فإنها ستواصل إدارة القطاع بطريقة أو بأخرى. فمن المعتقد أن تخلّي حماس عن "حكومة الظل" ليس أكثر من طعم استخدمه فوزي لجلب وفد السلطة الفلسطينية إلى القاهرة. وأنا نفسي أشك في أن حماس نفسها تأخذ إعلانها على محمل الجد، وفق الكاتب.

وفي ضوء مبادرة حماس، لم يكن بوسع عباس أن يقول لا في وجه المصريين. وبالتالي، فقد أجبر على إرسال وفده إلى القاهرة لاستئناف حوارات المصالحة.

أما الآن، وفي محاولة لتكثيف الدراما، وجعل هذه الخطوة تبدو أكثر جدية، فإن جميع من في القاهرة ينتظرون قدوم قيادي حمساوي كبير من لبنان للمشاركة في النقاشات. والمقصود هنا صالح العاروري، الذي ينتظر أن يصل إلى القاهرة برفقة وزير خارجية حماس الجديد، موسى أبو مرزوق.

لا شك بأن هذا يعتبر بمثابة "تجربة مكررة". فهو بالضبط ما حدث من محادثات مصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية في العام 2011 والعام 2014. حيث تم حينها الإدلاء بالكثير من البيانات، وكتابة الكثير من الأخبار، وصياغة عدد من الاتفاقيات. ولكن، مثل حالها اليوم، لم تكن حماس في حقيقة الأمر مهتمة بالمصالحة وفق شروط السلطة الفلسطينية، والعكس صحيح أيضا. والتقدير أن هدف حماس من وراء هذه العملية هو هدف عملي يتمثل في إعادة المساعدات الاقتصادية من السلطة الفلسطينية إلى القطاع ليس أكثر.

في ذات الوقت، فإن المساعدات المصرية للقطاع متعثرة أيضا. وخلافا لالتزاماتها السابقة، فإن مصر تستمر بإغلاق معبر رفح لأنها لا تعتقد أن حماس ستقطع علاقاتها مع الدولة الإسلامية في سيناء. ويبدو وفق التقدير المصري، أن لدى "داعش" في سيناء المزيد من المجندين الأجانب هذه الأيام، بما في ذلك فلسطينيين من القطاع. وفي هذا السياق، لا يتوقع المصريون من حماس إغلاق الأنفاق بين غزة وسيناء فقط، بل إنهم يطالبونها بالتعاون الحقيقي مع مصر وتقديم معلومات تؤدي إلى إلقاء القبض على مقاتلي "داعش" المنطلقين من القطاع.

يقوم المصريون بفتح أنابيب الوقود على قطاع غزة وإغلاقها وفقا لمصالحهم الخاصة. ومؤخرا قتل (16) شرطيا مصريا في سيناء، وعلى إثر ذلك تم قطع إمدادات الوقود لمدة ثلاثة أيام. في مثل هذه الحالة، يبقى الوقود المرسل من إسرائيل - بتمويل السلطة الفلسطينية – بمثابة مصدر الأكسجين الوحيد في قطاع غزة.

من المتوقع أن تؤدي التنازلات التي قدمتها حماس بضغط من المصريين، الى تمكين محمود عباس من "النزول عن الشجرة"، ورفع العقوبات، والبدء بتحويل الأموال إلى القطاع مرة أخرى. وينبغي على إسرائيل، من جانبها، أن تشجع عملية المصالحة. لأن التحسن المفترض للحالة الاقتصادية في غزة بعد عملية المصالحة، سيقلل من احتمالات حدوث صراع عسكري جديد.

كما أن من المرجح أن يقوم الجنرال فوزي بالتنسيق والإشراف على نشر قوات السلطة الفلسطينية على معابر قطاع غزة، وتلقي تقارير حيال ذلك. كما سيشرف فوزي على إنشاء لجان مشتركة بين حماس والسلطة الفلسطينية. هذا مع العلم أن وفد السلطة الفلسطينية لم يلتقي بعد بوفد حركة حماس، ولا يوجد توافق حتى الان على الانتخابات البرلمانية والرئاسية وهي من أهم مطالب حماس. والأهم من ذلك كله، أن لدى عباس كل الحرص كي لا يصبح محمد دحلان لاعبا أساسيا في غزة بدعم من مصر.

عن: موقع واي نت - ترجمة: ناصر العيسة

تصميم وتطوير