احتمالات "حزبلة" حماس في غزة

09.10.2017 03:05 PM

وطن - ترجمة خاصة: في الوقت الذي يستفيض فيه الفصيلان الفلسطينيان الرئيسيان بمناقشة جوانب المصالحة، تبقى هناك نقطة خلافية أساسية بينهما، وهي الرفض الواضح من حماس لنزع سلاحها.

وقد قام رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، يوم الاثنين 2 تشرين الأول 2017، بأول زيارة له إلى قطاع غزة منذ عام 2015. ومن المفترض أن تؤدي الجهود المبذولة منذ فترة طويلة إلى تحقيق مصالحة نهائية بين فتح وحماس، تؤدي بدورها إلى إجراء الانتخابات، وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية.

كانت حركة فتح برئاسة محمود عباس قد طردت من غزة من قبل منافستها الإسلامية حماس من خلال انقلاب دموي قبل أكثر من عقد من الزمن. وفي أعقاب ذلك، بقيت المنظمتان البارزتان على خلاف مرير رغم الكثير من المحاولات المتقطعة التي بذلت لإنهاء الخلاف بينهما دون جدوى. أبرز تلك المحاولات تمت في العام 2014، علما أن الاتفاقية في تلك السنة وقعت تحت رعاية قطر، غير أن المصالحة لم تتحقق أبدا.

غير أن العديد من المحللين يعتقدون أن كلا الطرفين جادان هذه المرة في إنهاء الانقسام، وذلك في وجود عباس قبيل انتهاء ولايته ، وبدافع شخصي منه أيضا وهو رغبته في توطيد حكمه، ولكي يحمل إرثا وطنيا يذكر به وهو أنه الرجل الذي وحد شعبه.

حماس بحاجة للمصالحة

من جانبها، فقد عانت حماس خلال السنوات الماضية من حالة ضعف في الحكم والإدارة، وبالتالي ربما تكون مستعدة للتخلي عن مسؤولياتها الإدارية والعودة إلى العمل الذي تقوم به بشكل أفضل، أي تطوير الصواريخ والأنفاق وبناء القوة المسلحة ضد إسرائيل.

غير أن عباس أوضح مسبقا وبشكل جلي، أن أي اتفاق للمصالحة مستقبلا يجب أن يقوم على تفكيك الجناح العسكري لحماس، في حين أعلن مسئولو غزة أنهم لن يتخلوا أبدا عن "سلاح المقاومة".

وفي حين أن القياديين الثلاثة الأكبر في حركة حماس -رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، ومسؤول الحركة في غزة يحيى السنوار، وقائد كتائب عزالدين القسام محمد ضيف -جميعهم يقولون بأنهم يؤيدون المصالحة، إلا أن السنوار والضيف هما على السواء من نتاج النضال المسلح ضد إسرائيل، وكليهما يحتفظ بنصيب الأسد من النفوذ في الحركة.

ولذلك، فإنه ووفقا للكثير من المراقبين، يعتبر نزع سلاح حماس أمرا غير واقعي، بغض النظر عما إذا كان هذا الشرط منصوص عليه في الاتفاق النهائي مع السلطة الفلسطينية. لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تحجيم الدور العسكري للحركة، وبالتالي التحييد الفعلي للاعبين الرئيسيين في الحركة (أي السنوار والضيف).

يطرح البعض أن حماس تنوي أن تدخل في لعبة طويلة الأمد، في حين أن عباس يبحث عن تسجيل نجاحات فورية. وبالنسبة له، فإن تولي السيطرة الإدارية على غزة سيعزز وضعه بوصفه "الممثل الشرعي الوحيد" للفلسطينيين.

وفي هذا السياق، قال داني ياتوم، رئيس جهاز الموساد السابق، إن "الهدف الأعلى لعباس هو أن يظهر لعامة الناس، وللعالم أجمع أنه لا يوجد سوى زعيم واحد للفلسطينيين، وصوت واحد يتكلم باسمهم، وهو صوت عباس". وحتى لو كان من الصعب على عباس فرض سيطرة فعلية على غزة، فإن ممارسته للحكم على مجمل الأراضي الفلسطينية من شأنه أن يمنحه بعض السيطرة والتمكن. كما يعتقد الرئيس الفلسطيني أن حكمه للقطاع سيؤدي على الأرجح إلى إزالة إحدى العقبات الرئيسية التي تحد حاليا من قدرته على التفاوض مع إسرائيل وعقد اتفاق سلام معها".

حماس تسعى لمكانة في غزة، كحزب الله في لبنان

أما بالنسبة لحركة حماس، التي لا تكترث كثيرا بالحالة الإنسانية في غزة، فإن هدفها يكمن ربما في "الحزبلة" وبشكل سريع (أي التحول إلى قوة قتالية أكثر شراسة، على غرار حزب الله اللبناني، إن صح هذا النحت اللغوي)، وهو هدف يبدو واقعيا بالنسبة لها وفي متناولها أكثر من أي وقت مضى.

وفي هذا السياق، فإن احتمال "حزبلة" حماس في غزة يشكل مصدر قلق كبير لإسرائيل، حيث سيحافظ حزب الله على عمله كوكيل لإيران في المنطقة، مثلما يواصل قبضة الموت التي يمارسها على لبنان. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تفوقه العسكري، وهو ما يتنافى مع قرار الأمم المتحدة رقم (1701) الذي حدد شروط نهاية حرب العام 2006 مع إسرائيل، بما يشمل نزع سلاح حزب الله بشكل كامل.

وبدلا من الانشغال في إدارة شؤون الحياة اليومية للسكان، ركز الحزب وبشكل حصري وملفت على توسيع ترسانته من الأسلحة، بمساعدة من سوريا وراعيته الرئيسية إيران. وبواسطة هذه القوة، تمكن حزب الله من تحصين نفسه من خلال الحصول على ما يشبه "حق النقض" على البرلمان اللبناني ذاته.

ومن هنا، فإن أي اتفاق وحدة يبقي على الجناح العسكري لحماس سيكون بمثابة مشكلة بالنسبة إلى عباس، وتحديدا من حيث مقدرة السلطة الفلسطينية على ضمان السيطرة على غزة على المدى الطويل، حيث أن ذلك سيمنح حماس القدرة الكامنة على تقويض أو تهديد الحكومة في أي وقت تشاء.

كما أن طريقة تنظيم وإخراج الأمور يمكن أن تكون عاملا إضافيا يؤدي إلى منع السلطة الفلسطينية من إحكام قبضتها الفعلية على حكم غزة (إذا ما فهم الشعب أن حماس تقوم في الواقع بإدارة الأمور من وراء الكواليس). وبناء على ذلك، رفض مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية في حديث إلى "هآرتس"، الأسبوع الماضي، حدوث مثل هذا السيناريو، محذرا أن عباس رفض بشدة ما يسمى "نموذج حزب الله".

وعلى النقيض من هذا الطرح، أوضح بيان صادر عن قائد حماس إسماعيل هنية، أن قرار المنظمة بالسعي إلى المصالحة قد أخذ بعين الاعتبار القوة السياسية، وبأهمية أكبر "القوة العسكرية". أما موسى أبو مرزوق، المسؤول الكبير في حماس، فقد أكد أن موضوع نزع السلاح "غير مطروح للنقاش" أبدا.

أما بالنسبة لإسرائيل، فإن احتفاظ حماس بأي شكل من أشكال السيطرة "الأمنية" على غزة، إلى جانب معبر رفح الحدودي مع مصر، يمكن أن يقلل مخاوف إسرائيل، ويمنعها بالتالي من تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة، في الوقت الذي يعاني فيه القطاع من نقص حاد في المياه والكهرباء وارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من (40%). ولا شك في أن هذا العامل هو شرط إسرائيلي مسبق على السلطة الفلسطينية، كي تمارس سيطرتها بدلا من سيطرة حماس.

ووفقا ل "ميري إيسين"، العقيد المتقاعد من استخبارات جيش الاحتلال، والمستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن الصمت الإسرائيلي النسبي حيال ما يجري بين السلطة الفلسطينية وحماس بشأن هذه المسألة لا يعكس بالضرورة موقفها الحقيقي. وأضاف إيسين أن من الواضح أن حماس ستشارك في أي "حكومة وحدة"، الأمر الذي سيخلق مشاكل بالنسبة لإسرائيل التي طالما قالت إنها تضع "الفيتو" على أي حكومة تشارك بها حماس. وبالتالي، فإنه إن بدى أن بعض الحلول تناسب الفلسطينيين، فليس من الضرورة أن تناسب إسرائيل".
وفي هذا الصدد، يرى إيسين أنه "لا توجد أية فرصة على الإطلاق بأن توافق حماس على نزع السلاح. بل إنها لن تسمح بمجرد تصور هذا الخيار أصلا، لأنه جزء من مبرر وجودها".

رسائل متناقضة من تل ابيب حول المصالحة

ومع ذلك، فإنه لا يمكن لإسرائيل أن تتخيل "حالة شبيهة بحزب الله" تنشأ في قطاع غزة. وأضاف إيسين: "يمتلك حزب الله بعض الأوراق التي لا تملكها حماس الان. فحزب الله كان دائما مؤيدا قويا لإيران وبشكل لا لبس فيه، وبالتالي فقد امتلك على الدوام ظهرا قويا في إيران، مما منحه دوما ورقة إضافية للمناورة. أما حماس، فتبدأ من نقطة ضعف، مع احتمال وجود أوجه تشابه مع حزب الله هنا أوهناك. إضافة إلى أنها لا تمتلك ديناميكية عمل حزب الله".

تبدو إدارة ترامب حتى الان عالقة في وسط الطريق، وقد تحبط كل جهودها الرامية إلى البدء في مفاوضات سلام في حال لم يتم دمج أعضاء حماس في حكومة وحدة وطنية، أو في حال بقيت حماس القوة العسكرية الرئيسية على الأرض في غزة. وعلاوة على ذلك، ومع تزايد احتمال صدور قانون "قوة تايلور" من الكونغرس، سيتوجب على واشنطن عدم تمويل أي كيان فلسطيني يشتبه في تمويله لأعمال عنف ضد "الدولة اليهودية"، على حد تعبير إيسين.

كما سيتعرض المجتمع الدولي إلى ضغوط شديدة للتعامل مع حماس ككل، حيث أنه سيتم إلغاء أي تمييز بين جناحيها "السياسي" و "العسكري"، وهي التقنية التي اعتاد حزب الله على استعمالها على الأراضي الأوروبية.

وأخيرا، إذا لم توافق إسرائيل على أي اتفاق بين الفلسطينيين مجتمعين هذه المرة، فإنه سيكون من الصعب للغاية على أي طرف إقناع إسرائيل لاحقا بتقديم تنازلات إلى كيان يمكن أن تتسلمه حماس لوحدها، وهي الحركة التي ما تزال ملتزمة إيديولوجيا بتدمير إسرائيل.

وفي هذا الصدد، يأتي ياتوم بوجهة نظر معاكسة. فهو يرى أن حكومة الوحدة الفلسطينية التي تضم حماس "يجب أن تتاح لها الفرصة من قبل إسرائيل، وذلك كي تتمكن من تعديل الوضع في غزة بحيث يصبح تحت سيطرة كيان أكثر اعتدالا بالنسبة إلى إسرائيل.

وعموما، فإن مشهد المصالحة الفلسطينية محفوف بالشكوك، حتى وإن أعرب الطرفان عن استعداد حقيقي لإنهاء الخلاف بينهما. كما أن النتائج المتوقعة كثيرة ومتنوعة، بما في ذلك احتمال فشل المحادثات مرة أخرى، وهو احتمال وارد جدا.

على الجانب الاخر، إذا تحققت المصالحة بالفعل، فسينعكس ذلك في سلام داخلي بين الفلسطينيين، وربما سلام مع الإسرائيليين، كما ان المصالحة قد تعرقل التوصل إلى حل للصراع مع إسرائيل.

عن: ذي جيروزالم بوست - ترجمة: ناصر العيسة

تصميم وتطوير