خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": الموروث المعماري في فلسطين

16.10.2017 06:29 AM

"أنا مش ضد الاستثمار العقاري ... بس صدقوني هالبلد فيها عقول وقدرات خلاقة محتاجة فرصة للظهور وقادرة انها تلاقي حلول بحيث المستثمر ما يخسر استثماره ولا البيت القديم يخسر حياته".

تلك عبارة كتبتها زميلتي المهندسة دعد صيرفي تعبر من خلالها ومن خلال السياق العام لما كتبته، عن مدى الحسرة التي تعتمر النفوس وهي ترى كل يوم في هذه المدينة أو تلك الجرافات تقوم بهدم مبان قديمة بهدف انشاء مشاريع استثمارية.

ولا يقتصر الأمر على هدم المباني فقط بل واقتلاع الأشجار ومع أن البعض يقوم بنقلها الى موقع أخر لكننا لا نعلم ما هي شعور هذه الأشجار الحقيقي وقد اقتعلت من أرضها ومكأن نشأتها وترعرها.

بداية، نحن بحاجة الى منظومة تشريعية تحافظ على الموروث الثقافي ( وبضمنه المعماري).

ولا يخفى على أحد، كم يفرح الاحتلال الاسرائيلي لكل عملية هدم تتم، بل وقد يسارع الى شراء حجارة هذه البيوت لأنهم ببساطة لا يملكون تاريخا معماريا على أرضنا فيقوموا هم ببناءها مجددا بما يوحي أنها تعود لهم وفي ذلك قمة التزوير الذي للأسف سيصبح كما لو أنه حقيقة مع مضي السنين.

أولى استراتيجيات الحفاظ على هذا الموروث تتمثل في الاطار القانوني الناظم وما يتفرع عنه من أنظمة وتشريعات. ومما لا شك فيه، أن أي قانون يحتاج دوما الى آليات للتطبيق والمتابعة والى تحديث له باستمرار والاحتكام اليه عند التقاضي وتحريك الدعاوى الجزائية من قبل النيابة العامة باسم الحق العام عند انتهاكه. ومما لا شك فيه، أيضا أن أي قانون ينظم مسألة الحفاظ على الموروث المعماري يجب أن لا يتعارض معه قانون أخر يسمح بهدم المباني القديمة.

وفي هذا الصدد، يتوجب على الجهات ذات الاختصاص وبضمنها وزارة السياحة والآثار والهيئات المحلية أن تتعاون فيما بينها كي تحدد في كل مكان تلك المواقع التي يحظر احداث أي تغييرات فيها بالحجر والشجر، ورغم وجود مثل هذه التوصيفات في المخططات الهيكلية الا أنه يجري دوما تجاهلها.

ولا يتأتى تطوير المنظومة القانونية الا بما يرافق ذلك من ارتقاء في الوعي الفلسطيني الشعبي لأهمية الحفاظ على الموروث المعماري وتلك مهمة لمؤسسات المجتمع المدني والفعاليات الشعبية والوطنية وعلى وجه السرعة للحفاظ على ما تبقى في مدننا وقرانا الفلسطينية حتى ولو كانت تخضع للسيطرة الاحتلالية ضمن المناطق المصنفة (C) بموجب الاتفاقيات الفلسطينية – الاسرائيلية.

وعلى جانب آخر، هناك مسألة هامة جدا، تتعلق بالدور الذي يجب أن يلعبه المهندس المعماري بشكل خاص أولا في اقناع المالك الذي يتوجه اليه بامكانية ايجاد حل هندسي مبدع وخلاق كما قالت الزميلة المهندسة دعد الصيرفي لاستثمار المبنى بدلا من هدمه، ربما بتكلفة أقل وبدخل مادي يحقق الارتياح الاستثماري، ويلزم لذلك أيضا تشريعات فلسطينية تدعم هذا التوجه كالاعفاء من الرسوم مثلا، ومن الضرائب لعشرين عاما وغيرها من الحوافز التي تشجع المستثمر على عدم هدم المبنى بل استثمارة على الوجه السياحي الصحيح.

ومما لا شك فيه، أنه لو جرى تشكيل صندوق فلسطيني خاص من السلطة الوطنية الفلسطينية لشراء هذه المباني اذا ما رغب أصحابها ببيعها وذلك بغية الحفاظ عليها بدلا من هدمها وتحويل هذه المباني الى متاحف تروي تاريخها وتاريخ المنطقة المحيطة بها، بل وتشرح لكل من رغب في السياحة (الداخلية والخارجية) وللطلاب تاريخ العمارة لكل مبنى لشكل ذلك كله رافعة للسياحة وأيضا رافعة لتعميق الوعي الجماهيري بهذا الموروث.

ثمة امكانيات هندسة معمارية فلسطينية خلاقة قادرة حتى على انجاز تصاميم رائعة لعملية تداخل معماري مميز بين هذه المباني القديمة وبين أية عملية توسعة تتم فوقها وحولها بأمكانها أن تضفي جمالية للمكان ورهبة للزمان تعطينا ارتياحا بصريا ونفسيا في مواجهة الاضطراب النفسي الذي ينتابنا ونحن نرى الكتل الاسمنتية ترتفع في سماء بلادنا.

معركة الاحتلال معنا هي معركة زمن، يغيرون معالم أرضنا فتتحول بعد أعوام الى حقائق ترسخ في ذاكرة الاجيال القادمة. نحن بحاجة الى استراتيجية مناهضة ومقاومة للفعل الاسرائيلي، بحاجة الى أن يبقى معتقل الفارعة مثلا، معلما شاهدا على جرائم الاحتلال وعمليات التعذيب والتنكيل التي تعرض لها كل من أعتقل به، بدلا من هدم قسم التحقيق والزنازين الذي حصل قبل أيام.
نحن بحاجة ولو الى حجر تاريخ صغير في كل مكان سقط فوقه شهيدا .. على هذه الأرض، التي فيها كل الحياة، وليس "ما يتسحق الحياة" كما قال شاعرنا الراحل محمود درويش ... نعم كل الحياة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير