تجربة يتوجب تعميمها.. "خدّاش" معلم أبدع في تفجير طاقات طلابه

17.10.2017 02:21 PM

رام الله-وطن_كتبت: رنين خالدي

المعلم المتواضع هو من يخبرنا
المعلم الجيد هو من يشرح لنا
المعلم المتميز هو من بيرهن لنا
اما المعلم العظيم هو الملهم لنا..

وهذا هو الاستاذ "زياد خداش" المعلم الذي يجب وصفه بالعظيم الملهم.

الاستاذ زياد خداش، استاذ الكتابة الابداعية في مدرسة أمين الحسيني  في مدينة البيرة، يكسر الطرق التقليدية والتلقينية في التدريس، ويتبع طرقا ابداعية خلاقة ترسم آفاقا  جديدة للتخيل في ذهن الطالب.

فيقول خداش لـ "وطن للانباء" انه يبدأ حصته المسماه على البرنامج بـ"حصة المكتبة" في ترتيب الطلاب على شكل دائري وليس الشكل المألوف للصفوف، يطرح عليهم موضوع معين استلهمه من داخل غرفه الصف، عن الكتب، الحائط، اللوحة، القلم، واي شيء صغير في داخل غرفة الصف، لكي يكتبوا عنه.

مثلا ماذا تتكلم الكتب مع بعضها عندما نذهب الى بيوتنا؟، ماذا لو طار  سقف الصف؟ وماذا لو خرج الرجل هذا من اللوحة؟ ولماذا دخلت هذه الفراشه هنا؟..

و تكون اجابات الطلبه ممتعة ومعبرة، وتفكيرهم يتعدى حدود سور المدرسة، يكتبون ما يدور في خاطرهم ولوكان خيالاً.

تخطي صرامة التقاليد

ويوضح خداش، انه يحاول أن  يوفق بين الأدب والتعليم مع انهما حقلان متعارضان، فالتعليم له قوانين ورقابه والكاتب  في هذه الحالة ينفر من الرقابة والمسائلة. فزياد لا يحب رقابة المدير، المشرف، او حتى الجيران في حالة عمل فيديو في ساحة المدرسة، ورقابة البيئة المحلية ايضا، لانها بشكل عام لا تشجع التغير لانه يُحمّل مسؤوليه كبيرة، ولكن  بنظر زياد يجب ان يكون للناس هويات مختلفة، لكي يصبح هناك ثراءا ومتعه في الحياة.

ويتابع خداش ان فكرته نبعت منذ 15 عام، وكانت متعثرة، بسبب عدم قناعة المدير او عدم تفاعل الطلاب أو اعتراض الاهالي بعض الاحيان لانه اسلوب جديد، ولكن من حوالي 5 سنوات اصبحت الرؤيه واضحة، وهي ان "اجعل من المدرسة مكان صديق للطالب".

"بعض المعلمين يعتبروني استاذ غريب" يقول خداش، ويسمع تعليقات انه كيف يسمح لطلابه بالصراخ داخل الحصة؟ هم لا يعلمون ان هناك هدفا وهو كسر القيود.
وعن سؤالنا له اذا حاول ان يعمم منهجه الخاص في فلسطين؟ أجاب خداش انه حاول ذلك ولكن لا أحد قام  بالتعاون معه، مثلا عندما يُطلب الاستاذ خداش لاعطاء حصة كتابة في مدرسة اخرى، يجب عليه أخد اذن من وزاره التربية و التعليم، والرد دائما يكون بأنه "مسموح لك ولكن بعد الساعه الثانيه عشر والنصف" وبهذا الوقت يكون الدوام قد شارف على الانتهاء.

ويوضح خداش انه يقابل بالتأكيد طلابا لديهم   ضعفا في التعبير عن ذاتهم، ومن جهة اخرى ايضا يقابل طلابا لديهم القدرة العالية على التعبير،حيث يقول: "هم من استثمر فيهم طاقتي وأحضرهم من حصصهم احيانا او بالفرصة لاعلمهم اساليب جديدة، اسفرهم معي و آخدهم معي الى مدارس اخرى، هؤلاء الطلاب قد لمست فيهم نقلة نوعية هم الان يتنفسون الابداع في الرسم الموسيق، والفن".

و شرح خداش لـ"وطن" انه يمزج كل الفنون مع بعضها، اي وهم يكتبون يسمعهم موسيقى، وهم يرسمون يجعلهم يحولون الرسمة الى نص، و يرقصون رقصا تعبيريا، و يُخرجون نصا من الرقصه، وبالتالي هذه النصوص تكون غريبة وجديدة.

وعن سؤالنا عن العقاب الذي يتخده مع الطلاب؟  أجاب خداش بأنه لايعاقب طلابه، هو فقط يسمح للطالب الممتعض من الحصة بالخروج الى الساحة المدرسية لكي لا يؤثر على زملائه ويشوش عليهم، فهو ضد الضرب والتوبيخ والصوت عالي.

فيديو الهروب من المدرسة
فيديو الهروب من المدرسة، نشاط عفوي ليس مخططا له، كان خداش يتحدث مع طلابه في احدى حصصه، فأبدى بعضهم اعتراضه بانه لا يوجد حصص رياضة كما يجب، وبعض الحصص مملة، ولا نشعر بالسعادة في المدرسة، ووقتها اقترح عليهم خداش بوضع الحقائب على ظهرهم والنزول الى ساحة المدرسة ومن ثم القفز عن السور والهروب، وبالفعل نزل كل الصف وتسلقوا السور وخرجوا من المدرسة! وصار خداش يهتف لهم "لا للقوانين لا للسور، نعم للحرية"، وبعدها فتح الباب وقام بارجاع الطلاب الى المدرسة، وتحدثو مع المدير بكل ما يزعجهم.

الطلاب ينتظرون حصة خداش بفارغ الصبر

الطالب علي وصف حصة الاستاز زياد بانها حصة حرية، حصة انتقال من عالم الى اخر، حصة تفريغ من الضغط الدراسي، هي حصة واحده بالاسبوع ولكن تُغني عن كل الحصص السبعة، بقول علي: "انا بستنا هاي الحصة وبستمتع فيها ويا ريت يعملوها 7 سبع حصص بالاسبوع".
والطالب زيد عامر، قال انها حصة نُفرغ فيها طاقاتنا وكل شيء في نفسنا، ونُنمي فيها قدراتنا وبلاغتنا ولسانا ونتعلم فيها كتابة التعبير والقصائد والشعر، وهي حصة نكسر فيها القيود الي ممنوع منها بغير حصص، وتعطينا طاقه ايجابية لكي نكمل يومنا بسعادة.

مدير المدرسة كان الثغرة التي استطاع زياد الدخول منها

مدير المدرسة الاستاذ ياسر القصراوي قال ان "زياد حاول جاهداً ان يقتحم الاسوار، وكانت اسوار السلطة منيعة، وبصفتي مسؤوله المباشر ومدير المدرسة وممثل الوزارة، فأنا اتشرف ان اكون تلك الثغرة في ذلك السور المنيع الذي استطاع زياد ان ينفذ من خلاله".

واضاف قصراوي انه من أشد المشجعين للاستاذ زياد ويجب ان يستثمر وجوده بالمدرسة، لانه لا يوجد بكل مدرسة استاذ مثله، و يدعو جميع المعلمين في مدرسته ان يكونوا متأثرين بهذا النهج، والاستفاده من هذا التجربة.

ويقول قصراوي انه يطلق العنان لزياد مره ومره بحاول انو يكبح جمح الجنون والخيال لديه، يعني ان نضع الفكره ما بين طموحاته وخياله الواسع وجنونه وتمرده وما بين انو نبقى في اطار المؤسسه التربوية، ولا نكسره.

وعن سؤالنا بما رأي اهالي الطلبه في هذه الحصة؟ قال قصراوي ان الاهالي يشجعون ويشيدون بتجربة الاستاذ زياد، والقليل منهم المصنف بالمعترض فنحن نحاول ان نستوعبه ونفهم وجهة نظرو ونبدد مخاوفه، وأضاف زياد، ان بعض من الاهالي لاحظو تغير بتصرفات ابنائهم واصبحوا يبحثون على الانترنت عن مواضيع كبيرة يذكرها خداش بالصدفه في حصصه، ومن جانب اخر بالتاكيد هناك اهالي ممتعضين انو حصة الكتابه الابداعي تؤثر على حصص اخرى، وفي اهالي يعتقدون انها حصة تسلية، لا يخطر ببالهم ان يسألو كم كتاب قرا ابني؟

والمفارقة العجيبة ان مدير المدرسه قصراوي وخداش التقينا بنفس العام في المدرسة، اي ان العلاقه بينهما قائمة على الصداقة، علاقة منفتحة جدا، يعني الكثير من الافكار يتم مناقشتها مع بعض البعض والاصوب رأيا يقنع الاخر  .

تصادف خلال وجود وطن في المدرسة،  تواجد المشرفة من وزاره التربية ايناس زهران، التي سألناها عن تجربة خداش فقالت انها تؤيد  طريقة التعليم الابداعية، فالمعلم  يجب ان يتخذ وظيفته كمهنة يقوم اساسها على الايمان، اي يؤمن بنفسه ويؤمن بالاخر، والمعلم الذي لا يؤمن بنفسه يتسم بالنقص ، والاستاذ زياد من الاساتذة الذين آمنو بنفسهم وابدعو وطوروا مهاراتهم ووسائلهم بالتعرف على الطلاب وعلى اماكن الابداع عندهم، و شددت زهران على ان يمتد هذا الفكر لمعلمين اخرين في كل المواد.

تصميم وتطوير