أسئلة الأعاصير الصعّبة

18.10.2017 07:25 AM

وطن- تقرير: عبد الباسط خلف

تفتح سلسلة الأعاصير التي ضربت المحيط الأطلسي: "هارفي"، و"إيرما"، و"جوزيه"، و"كاتيا"، وكانت الأعنف منذ نحو مئة عام، الباب أمام أسئلة عديدة، يبدو بعضها أقسى من الظاهرة الطبيعية المُدمرة ذاتها.

كاستهلال، تمضي وقتًا طويلاً في القراءة عن الظاهرة الطبيعية، وتشاهد عشرات الفيديوهات المصورة أثناء الأعاصير وبعد توقفها. تُشبه الكثير من مقاطع الأفلام الخيالية، التي تحاكي سيناريوهات التغير المناخي، ولعل الأكثر حضورًا في ذاكرتك، ما شاهدته قبل خمس سنوات من سلسلة افتراضية تشعل جرس إنذار حول الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، تحدثت عن غرق مدينة نيويورك، بالرغم من محاولة المهندسين بناء سد عملاق لمنع الموج الغاضب من الوصول إلى قلبها.

نكبة وطوفان

ثمة شبه ما بين إجلاء السكان المهددين قبل وصول الإعصار وبين نكبة شعبنا. أن تتخلى عن بيتك مجبرًا لعدو خارجي أو تهديد. وقئتذ، ستنهال عليك الأسئلة كالمطر: هل ستعود وترى بيتك ثانية؟ كيف سيكون حالك وأنت تذهب إلى المجهول؟ ما المقتنيات الأعز التي ستحملها معك؟ وماذا يعني لك أن تخسر بيتك؟ وعشرات الأسئلة.

الأعاصير عمومًا عواصف تتشكل في المحيطات الواقعة في المناطق المدارية من سطح الأرض. ويسمى الإعصار الذي يتكون في المحيط الهادئ، والذي يضرب مناطق جنوب شرق آسيا Typhoon، ويسمى الذي يتكون في المحيط الأطلسي ويضرب الولايات المتحدة الأميركيةHurricane ، بحسب موقع "weather questions".

تُقلّبُ عدة مراجعٍ ومشاهد، وتتوغل في البحث عن قطر الإعصار، الذي يبلغ عدة مئات من الكيلومترات، وينتقل بسرعة لا تزيد عن 30 كيلومترا في الساعة. ويقدرُّ قطر مركزه بعدة كيلومترات تحيط بها دائرة نشاطه، وهي منطقة تمتد عشرات الكيلومترات للخارج تتلبد في سمائها غيوم كثيفة وسميكة مشبعة ببخار الماء، وتهطل منها أمطار غزيرة متواصلة (قد تزيد عن 500 مليمتر، وهو المعدل السنوي الحالي للكثير من مناطقنا، وفي السنوات الأخيرة لم نعد نصل إليه.) مصحوبة بالبرق والرعد ورياح عاتية قد تزيد سرعتها عن 300 كيلومتر/ ساعة.

ووفق ما تظهر من نتائج، فإن "الرياح القوية تؤدي إلى هيجان البحر وتلاطم الأمواج العالية، التي قد يصل ارتفاعها 6 أمتار فتهدم المنازل وتدمر المنشآت وتقتلع الأشجار وأعمدة الهاتف والكهرباء، وتصل إلى قتل الناس وتعطيل أنشطة الحياة.

أسماء ورعب

أما أسماء الأعاصير فلا تثير الرعب، وبعضها يبدو ناعمًا بخلاف قوته التدميرية المصاحبة للظاهرة، ويطلق العلماء أسماء أعلام على الأعاصير لتسهيل التعرف عليها ومتابعتها. وهي "قوائم معدة سلفًا ومرتبة أبجديًا لأسماء ذكور وإناث بالتناوب، وعندما يبدأ تشكيل الإعصار يتم تسميته حسب الدور ويبقى هذا الاسم معه حتى يتلاشى، وتحتوي القائمة على حوالي 160 اسما. وإذا كان الإعصار مدمرًا لدرجة كبيرة وكان عدد الوفيات التي سببها عاليا يتم اعتبار اسم ذلك الإعصار مشؤوما فيتم شطبه من القائمة، واستبداله باسم آخر من الجنس نفسه، وبالحرف الأول للاسم المشطوب نفسه للحفاظ على التسلسل الأبجدي للقائمة، التي تشبه "قائمة الموت".

في "عين العاصفة" تشاهد أعمدة من الغيوم التي تشبه دوامات بالغة السرعة، تدمر كل ما يأتي في وجهها، وتدخل الرعب في النفس، وتدفع للتعمق في البحث عن سبب تشكل الأعاصير، وهل للبشر يد في إثارة الطبيعة أم لا؟

منبع الأعاصير

في أحدث تحليلات المواقع الإخبارية والمهتمة بالطقس، فإن مصدر أعاصير المحيط الأطلسي حسب مقطع فيديو نشرته قناة "تيك إنسايدر" على موقع "يوتيوب"، أن كل الأعاصير التي تضرب الولايات الأمريكية تأتي من مكان واحد، ومصدرها نقطة في ساحل غرب أفريقيا بالقرب من الرأس الأخضر.

وتبين أن الأعاصير الأربعة "إيرما، هارفي، خوسيه، كاتيا"، مصدرها واحد، وولدت على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، بالقرب من دولتي السنغال وموريتانيا.

فيما ذكر موقع "بيزنس إنسايدر" أن الهواء الساخن يجتمع من وسط أفريقيا من الصحراء الغربية، التي تقع فيها بعض الدول العربية، منها موريتانيا والمغرب، مع الهواء البارد من شمالها، مما يسبب حركة الرياح التي تولد أعاصير تتحرك غربا عبر المحيط الأطلسي باتجاه الولايات المتحدة.

"جنون" المناخ

ثمة رابط بين الأعاصير، وفق خبراء المناخ، وبين ما نشهده من تغييرات في مناخنا، ويبدو أننا ندفع ثمن ممارساتنا الخاطئة، التي تتعامل مع البيئة كعدو، أو تستخدمها لمرة واحدة، فيما يشبه "حرب استنزاف" غير متكافئة، تُشن ضدها، والهدف: إشباع المزيد من رغباتنا، وتمددنا العمراني المُفرط، والطفرة الصناعية وما معها من انبعاثات وسموم، واستهداف كل ما هو أخضر.

ويبدو أن أعاصير الأطلسي، ستعيد إلى الواجهة ملف انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية باريس للمناخ، الذي حدث في الخامس من آب الماضي، حين أصدرت إدارة الرئيس دونالد ترامب، أول إشعار مكتوب بخصوص عزم بلاده الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ الموقع عام 2015. وقال ترامب إن الاتفاق "يعاقب" الولايات المتحدة وسيؤدي إلى فقدان الملايين من الأمريكيين لوظائفهم".
ومما قاله البيان الأمريكي يوم إعلان الانسحاب:" أرسلت الولايات المتحدة خطابا إلى الأمم المتحدة بصفتها الطرف المودع لديه اتفاق باريس للمناخ في ما يتعلق بنية الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق بمجرد أن تمتلك الحق القانوني للقيام بذلك."

احترار عالمي

ويشير اصطلاح التغير المناخي أو ارتفاع درجة حرارة الأرض، إلى التأثيرات الضارة للغازات أو الانبعاثات التي تتسبب بها الصناعة والزراعة وتؤثر على الغلاف الجوي للأرض وتؤدي حسب ما يقول العلماء إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. وتُعنى اتفاقية باريس بتقليل ارتفاع درجة حرارة الأرض الناجم عن هذه الانبعاثات الغازية. واتفقت الدول الموقعة على الاحتفاظ بدرجات حرارة الأرض بمستوى "أقل بكثير" من مستوى 2 درجة مئوية فوق المستوى الذي كانت عليه في أزمنة ما قبل الثورة الصناعية "والسعي لتقليلها" حتى إلى مستوى أكثر من ذلك وهو 1.5 درجة مئوية. وتقليل كمية غازات الدفيئة المنبعثة من نشاطات الإنسان إلى المستويات ذاتها التي يمكن للأشجار والتربة والمحيطات امتصاصها بشكل طبيعي، بدءا من الفترة ما بين 2050 و2100. ومراجعة إسهام كل دولة في تقليل انبعاث الغازات كل خمس سنوات، مما يسمح بقياس حجم مواجهة تحدي التغير المناخي. إلزام الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة وتزويدها بالتمويل والمساعدة في التأقلم مع التغير المناخي والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.

وقال معهد غودارد للدراسات الفضائية التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) إن متوسط درجة الحرارة في العالم قد ارتفع بنحو 0.8 درجة مئوية منذ عام 1880. ويتوقع مركز أبحاث "كلايمت إنترأكتيف" الأمريكي للتغير المناخي أنه إذا التزمت جميع الدول بتعهدات باريس كاملة، سيزيد متوسط ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بحلول عام 2100 بنحو 3.3 درجة مئوية أو 3.6 درجة مئوية دون مشاركة الولايات المتحدة.

اختبارات عسيرة

غير أن الأسئلة التي تطرحها الأعاصير عسيرة: فماذا لو حدث ما حدث في دولة شبيه بحالنا؟ وكيف ستدير السلطات المحلية في بلادنا الأزمة؟ وما هو الوقت المتوقع لصمودنا في وجه إيرما وأخواتها؟ وكم من الوقت ستحتاج لإعادة ترميم ما تفسده الأعاصير من بنية تحتية لا تصمد في وجه 100 ملم من المطر المتواصل؟ وما هو حجم المساعدات التي سنحصل عليها من الأطراف التي سارعت إلى إعلان دعمها للمنكوبين، وخاصة في الولايات المتحدة؟ وكيف يمكن مقارنة تجربة كوبا الفقيرة وما حل بها بحالنا الذي لا يسر صديق؟ ومتى سنتوقف عن تدمير حقولنا وأشجارنا بزحف عمراني أسود؟ ولماذا نستمر في تلّويث بيئتنا بكل شيء تصل إليه أيدينا؟

تتمنى أن نتوقف عن قراءة تعليقات تربط بين ما حدث بسبب "عقوبات ربانية" على الولايات المتحدة، في محاولة يائسة لإيجاد تحليل ديني للأعاصير لا يحترم العقول ويتمنى "الانتصار على العدو" بالماء والرياح، دون أي فعل علمي أو اقتصادي!
 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير