خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": نحن والشاشة العريضة

23.10.2017 06:25 AM

في يوم نشر هلوساتي هذه، تكون مؤسسة " فيلم لاب/ فلسطين" قد اختتمت فعالية سنوية لها هي الرابعة حتى تاريخه، تحمل عنوان " أيام سنمائية".

في الفترة ما بين 17 ولغاية 23 تشرين أول ( أكتوبر) لهذا العام شهدنا حالة استنهاض جديدة لثقافة الشاشة العريضة (السينما) بشقيها الوثائقي والدرامي. شهدنا تنقلا للافلام في مدن رام الله وبيت لحم ونابلس وغزة هاشم. شهدنا حفل افتتاح حاشد في هذه المدن، شهدنا هذا الشغف الكبير بالشاشة العريضة التي كانت وما زالت ملاذا للفقراء يحلقون معها عاليا. شهدنا أيضا برنامجا منظما مخصصا للاطفال.

وبين هذا وذاك، شهدنا حالة حراك حواري فكري يؤيد البعض من خلالها فكرة الارتقاء بلغة الجماهير اليومية الى المحفل السينمائي بينما يعارضها البعض، شهدنا أيضا حلقات نقاش حول " محو الأمية السينمائية" وكم نحن بحاجة اليها حيث يبدي الحضور (ومن بينهم مختصون في السينما) في الغالب رأيهم بمضمون الفيلم من ناحية الموضوع وليس من ناحية الشكل الاخراجي والصوت والاضاءة والمؤثرات الأخرى وقدرة الممثلين، كما وشهدنا ندوة تتعلق بمسألة نحن بحاجة اليها صلبها كيف نقوم بانتاج الافلام السينمائية ذات الميزانية المنخفضة، بالاضافة الى ندوة تتعلق باستراتيجيات توزيع الافلام للمبتدئين، وأخرى تستعرض بعض الأساليب السينمائية الجديدة خروجا عن المدارس التقليدية، وندوة هامة تختص بأسس ايجاد أو استطقاب الجمهور، بالاضافة الى استعراض بعض التجارب العالمية التي تقول لنا كيف يتم ارتشاف القبلة من حد السكاكين كما وصفها يوما الشاعر الراحل محمود درويش، ولكن في حالتنا كيف بامكاننا صناعة فيلم دون توفر بنية تحتية بتجربة شخصية من ربيكا كريمونا.

كما وسعت مؤسسة " فيلم لاب/ فلسطين" في خلق حالة حوارية تتعلق بالمسرح والسينما في فلسطين بالسعي لبلورة نماذج تمكن القطاعين السينائي والمسرحي في فلسطين من الازدهار ونحن نشهد حالة تراجع ربما يتثمل جزء منها في هدم بعض دور السينما لصالح عمليات الاعمار المتمثل في كتل الحجارة والاسمنت التي تخلو من روح الفكر والثقافة والفن.  

وتطرقت الندوات الأخرى الى صناعة السينما العربية والى مسألة تصميم الصوت تعزيزا لرواية القصة في الفيلم وكان لا بد أيضا من تكريس ندوة تتعلق بالتصوير وأبرز التقنيات الحديثة التي توسع مدارك المشاهد.

تم افتتاح الايام السينمائية بفيلم " واجب" المرشح الرسمي عن فلسطين في جوائز الأوسكار والذي أثار جدلا كبيرا، وكان من المفروض في الختام عرض فيلم "قضية رقم 23" وهو المرشح الرسمي عن لبنان في جوائز الاوسكار، لكنني سأخصص مقالة لاحقة للحديث حول تداعيات منع عرض الفيلم.

وبين فلسطين ولبنان والآوسكار كان هناك عروضا لافلام من مختلف اقطار العالم ( 64 فيلما) عززت لدينا القناعة بأن فلسطين قادرة على الارتقاء بعملها السينمائي الى العالمية، ليس من خلال الافلام الوثائقية فحسب، بل من خلال شتى تصنيفات الافلام وبضمنها الدراما، كما وتعززت لدينا القناعة بأن صناعة الافلام وان كانت تحتاج الى ميزانيات ليست متوفرة الا أنه بالامكان انتاج افلام بتكلفة بسيطة يبنى عليها للمستقبل، هذا بالاضافة الى أهمية وعي المستثمر الفلسطيني الى أن قطاع انتاج الافلام السينمائية هو قطاع يعود بدخل لا يستهان به، ما يستوجب التفكير بانشاء شركات لهذا الغرض، بالاضافة الى أهمية الدعم الرسمي الفلسطيني للفنون والآداب عموما ولصناعة السينما خصوصا.

ان مؤسسة " فيلم لاب/ فلسطين" التي تبني وتراكم تجربة كل عام لتستفيد منها للاعوام المقبلة مدعوة كما غيرها، لبلورة استراتيجيات طويلة الآمد، حول كل شىء يتعلق بالسينما، وأهم هذه الاستراتيجيات جذب الجمهور، بالتوجه اليهم والتركيز على الأطفال وخاصة في المناطق البعيدة، ربما نحن بحاجة الى مكتبة سينمائية متنقلة للأطفال واخرى أيضا للكبار تعمل على مدار العام، تعرض الافلام في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية، تركز على فتح الآفاق للمشاهد نحو الشاشة العريضة، تدخل السرور الى قلوب المشاهدين والاطفال منهم بشكل خاص، اذ ربما نري من بينهم ذات يوم مخرجون عالميون وممثلون أيضا.

لم يأت اختيار "فيلم لاب / فلسطين " لشعار أيام سينمائية لهذا العام (طائر الشمس) عبثيا، فهذا الطائر الصغير الذي لا يتجاوز طوله 12سم ، قليل الوزن لا يزيد عن 8 غرامات له منقار أسود طويل، لكنه يحلق عاليا، ولا نتفق مطلقا مع ذلك الشاعر الذي قال ذات يوم... ما طار طير وارتفع .. الا كما طار وقع. نحن نريد لأطفالنا أن يحلقوا عاليا، فهم المبدعون وفيلم " نادي غزة للتزلج" عكس نموذجا.

مؤسسة "فيلم لاب- فلسطين" تماما كطائر الشمس ... مؤسسة صغيرة جدا، ولا يزيد وزنها أيضا عن 8 غرامات في المحيط الفلسطيني وفي المحيط العربي والعالمي في عالم السينما .. لكنها أيضا تحلق عاليا.

طائر الشمس أيها الأحبة يحلق عاليا، ونحن نحلق عاليا معه في فضاء الشاشة العريضة. أمام تغول الاستثمار على الفنون .... نحلق عاليا ونتفق مع المقولة التي تقول "للكلمة فعل الرصاصة" ونضيف من عندنا " وللسينما شأنها شأن باقي الفنون فعل القذيفة من العيار الثقيل"، طالما أننا نتحدث بتوصيفات عسكرية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير