نادية حرحش تكتب لـوطن: شكرًا كامل الباشا

26.10.2017 03:31 PM

قبل البدء هذا ليس مقالا تهكميا. ولكنه محاولة لوضع الأمور في نصابها بعد انتهاء الزوبعة التي اثيرت بسبب عرض الفيلم الذي شارك كامل الباشا ببطولته وحاز على جائزة على دوره فيه.

ما جرى من ردة فعل أكد على ان هذا الشعب لا يزال ينبض حياة يستحقها. ليس بسبب الفيلم او غيره، ولكن لوقوفه امام قضية مهمة حاسمة بوجوده بما تبقى على اشلاء وطن. وبلا شك عرى الكثيرين بهذه القضية . قضية التطبيع ليست قضية اعتيادية ، وليست كذلك المفصل الذي يفك او يشد من هو خائن او وطني. ولكنها بلا شك قضية تفرز لنا انتماءاتنا الوطنية وحساباتنا وأولوياتنا الشخصية.

في ظل حياة يبدأ التطبيع فيها من وجود سلطة أتت بها أوسلو، والتنسيق الأمني هو شعارها المقدس، وحماية الإسرائيلي بها واجب،  والتصريح هو أقصى طموح للمواطن من جهة ، وفي ظل كساد اقتصادي واضمحلال الفرص، حيث صار المجتمع عبارة عن طبقتين احداهما فاحشة الغنى واُخرى معدمة ، ينظر المواطن حوله في الفساد وغياب الامن والعربدة والمحسوبية اسياد المواقف، من الطبيعي ان يقرر المواطن ان الوطن وهم تباع وتشترى عليه المصالح الكبرى ، وعليه تبقى مصلحته الخاصة من اجل وجوده هي الاجدى.

وليس هناك نقاش يغير من وجوب الوعي الحقيقي بخطوط ما هو التطبيع الممكن والتطبيع المستحيل ، تطبيع لا يمكن تجاوزه لانه لا يمكن الحياة بدون التعاملات التطبيعية الاساسية ، وبين ما هو علاقات تتراوح في وصفها وتعريفها واهميتها ، وبين تطبيع لا يمكن التغاضي عنه ، ذلك الذي يشكل طريقا مباشرة وسهلة لصهينة ما تبقى لنا من وجود . وما تبقى لنا من وجود ليس ارض ... ولكن انسان ... انسان لايزال قابضا على الحياة من خلال نبض فلسطيني انبتته هذه الارض منذ الازل . هذا الانسان التي تريد اسرائيل ضحده وانهاء وجوده.

ما يشبع جشع اسرائيل فقط فلسطيني ميت او فلسطيني مطوع، خانع، مكرس لخدماتها.

وعليه ، ليس غريبا ما قام به كامل الباشا ، وليس غريبا تبريره ودفاعه.

الكثير من اللغط حدث في هذه القضية خصوصا في مسألة منع عرض الفيلم . من أوقف العرض هو المطلب الشعبي وليس لجنة المقاطعة. وهنا لابد من الاشادة بموقف بلدية رام الله المسؤول والواعي بهذا الامر . وكذلك موقف الحملة من الموضوع كان مسؤولا بتراجعها عن موقفها السابق ، ولكن لابد من السؤال هنا : كيف تبنت لجنة المقاطعة الفيلم من الاساس ؟ وهنا يأتي السؤال لمنظمي مهرجان ايام السينما : ما هي معايير اختيار الافلام والتكريم ؟ هل شاهدوا الفيلم وقرروا انه منتج وطني يفتح به وعليه يجب عرضه وتكريمه ؟

وقد أبدو مجحفة وغير عقلانية عندما يأتي موضوع الفيلم الذي لم نشاهده، ولكن المعطيات كلها تشير الى ان الفيلم مسيء للقضية الوطنية بقدر ما اساء المخرج للقضية الفلسطينية في فيلمه الصهيوني التمويل والتنفيذ. فالامر أشبه لرائحة نتنة خارجة من قدر لحم فاسد. فهل نأكله امتنانا لليد التي اعدته ؟

صحيح ان كامل الباشا هو وجه الفيلم في هذا الصدد ، خصوصا انه تحمل مسؤولية الدفاع عن هذا الفيلم وعن المخرج في الفيلم السابق . ولكن تبعات موضوع عرض الفيلم وتكريمه لم يكن هو المسؤول عنه. وبلا شك يحسب لكامل موقفه بالدفاع عن عمله وعن المخرج من ناحية مبدئية ، الا ان موضوع الدفاع كان كالفرق بين الحق والباطل . وخلط الأمور بموضوع العرض وتحويله الى موضوع حرية تعبير وفكر كان لغطا وقع فيه كل من حاول دعم عرض الفيلم . لان الموضوع لا يتعرض للمنع ولا يقارن عدم عرضه في منبر رسمي كمنع كتاب وإيقاف بيعه . ففي حالة الكتاب كان القرار مجحفا وبه تعدي صلاحيات . فليس من شان النائب العام إصدار هكذا قرارات . الفيلم لم يمنع . ولكن منع عرضه في مهرجان ترعاه البلدية ووزارة الثقافة .

وموقفي تجاه منع الافلام او اي عمل فني او ادبي لا يختلف عن موقف اي انسان يريد للحريات ان تُمارس بشكلها الطبيعي.

اما كامل الباشا الذي خرج كالاضحية في كل هذا ، قد يكون اختار ما اختاره وقد يكون حرا وشجاعا بدفاعه عن موقفه من العمل .،فهو بهذا فلا اكثر مصداقية من كان يقف خلف التطبيع جَهْرًا ويمارسه بكل الأشكال بالخفاء .  وما جرى اسقط ورقة التوت عن كل الفئات الثقافية وغيرها التي تنادي وتنظر بهذه المواضيع وتفرز الوطني والعميل على هواها ، ورأينا كيف ان المواقف مهزوزة والعبارات الفلسفية تحولت الى هرطقات وكلمات فارغة لا يفهمها ولا يشتريها احد.

وختاما اشكر كامل الباشا لانه تحمل عناء الرد على المنتقدين والمستائين ، وبالفعل تحلى بالاخلاق العالية امام كل الهجوم الذي توجه ضده.

لا أشك انه استحق جائزة الفيلم عن أدائه ، ولكن لو ترك ذلك الإنجاز ليكون انجازه الشخصي بلا ترديد كلمة فلسطين لما دخلنا بكل هذه المتاهة.

اعرف اننا نعيش في بلاد لا تقدر مبدعيها بالعادة ، ولكن لرجل قضى عمره بالفن كنت أتمنى ان يكون ترويج إنجازه بعمل يرفع من شأن فلسطين والفلسطينيين ، لا عمل يزيد من الطين في بلائنا طينا .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير