نادية حرحش تكتب لـوطن: "لقد تحول الشرق الى حمار"

11.11.2017 07:41 AM

منذ استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري المفاجئة من على شاشة قناة العربية بالسعودية، والتي تلاها حجز أمراء سعوديين ووزراء في مشهد أعاد لقارئ التاريخ مشاهد سابقة لمؤامرات الأمراء والملوك على مر الزمان، وقد تكون حادثة محمد علي ودعوته للمماليك في القلعة ثم ذبحهم، الأقرب لذاكرتنا المحفورة من الكتب المدرسية، ثم استدعاء الرئيس عباس على عجل للسعودية ...

وان قرأنا في الماضي القريب، كان عبد الرحمن منيف مرآة الحقيقة لأصحاب هذه البادية وأصولها وما تقترفه من فظائع وما ستؤول اليه، وقد تكون مدن الملح وثيقة لا رواية، تحكي لنا تفاصيل ما كان وما ستصير اليه هذه المنطقة.

ولكن ، لأننا لا نتعلم من التاريخ، ولا نأخذ العبر، ونترك الأدب ليصير فنتازيا علمية، أسطورية، راجعة، لن ينفع الا ان نتأمل بالمشهد الحالي. فما يحدث أكبر من قدرتنا على الإستيعاب، ومجال تحليلنا لا يقف الا عند اللحظة. لحظة تملأ حياتنا كعرب بالتحمل وتلقي المزيد من الاحتمالات.

أن تتوارد الى تعبيراتنا عبارة "حرب ستحرق الأخضر واليابس في المنطقة" تؤكد أننا نعيش في غيبوبة، أو فقدان سريع للذاكرة. لا بد أننا شعوب شاخت وأصيبت بالزهايمر المبكر. فحرب سورية لم تنته ولا الحرب في العراق ولا تلك على اليمن. أفغانستان لا تزال مستباحة والحرب من أجل امتصاص النفط والغاز، وضخ الأسلحة لن تنتهي وستستمر طالما يتحكم بالعالم اولئك المنتفعون من صناعة الأسلحة وأربابها.

وبات الأمر واضحا في سبب خراب هذه المنطقة. السعودية وحربها الضروس ضد إيران.حرب على من يتحكم بالنفط من آباره للعالم. الفتنة التي تم إشعالها منذ عقود على غرار تلك الفتنة التي أشعلها الأمويون ضد علي بن ابي طالب. فتنة تحت اسم دين وهدفها سيطرة على خيرات البلاد واستعباد الشعوب.

كبرنا ونحن مصطفين وراء السعودية في حربها على إيران بذراع العراق. حرب استنفذت الأرواح والبلدان والخيرات وشتت ودمرت الملايين. وما انتهت تلك الحرب حتى بترت يد العراق، وبات العالم العربي عرضة للمزيد من عمليات البتر. كانت العراق ضحية تصديق فكرة أن الحرب حرب سنة وشيعة، وفي اللحظة التي ظن فيها صدام انه صار عقلا لا ذراعا في تلك المنظومة، بتر هو من الوجود وتقطعت أوصال العراق وانتشرت الغرغرينا في أجزاء الجسد العربي، ولا تزال العراق تجمع نفسها على أمل نهوض.

وبما أن الشعوب تساق بالأيديولوجيات العقائدية التي يستعد الإنسان فيها إلى التضحية بكل ما يملك حتى روحه، كان ولا يزال من السهل التحكم في تفرقة أصحاب الأرض الواحدة. وحرب السنة والشيعة هي الحرب الأسهل للإشعال دائما. فالأرضية مجهزة منذ ألفية ونصف. اختراع داعش لتكون فتيل الفتنة أدى مآربه، كما أدت القاعدة من قبله.

كل تلك الجماعات التي خرجت من قاع العتمة كالبراكين المتعطشة للإنفجار ليست إلا حفر تطمر نفسها بعد اشتعالها. فلقد أدرك الناس كم دمارها فتعلموا إما الإبتعاد عنها أو إخمادها. أو لربما لم يتبق من تلك الأرض ما لم يحرق. ولكن فتنة الشيعة والسنة هي البركان الحقيقي الذي يمكن دائما استفزازه وتفجيره فيحرق الأخضر واليابس. فالفكر الوهابي يملأ بكتبه مدارسنا وجامعاتنا وجوامعنا.

كبرت وأنا أكره إيران وأعتبرها العدو الفرسي للإسلام. متناسية أن ما قدمته إيران للإسلام ساهم في وضع الإسلام على عروش عصوره الذهبية، وقبلت منظومة إعلامية تغسل العقول تقول أن أولئك عبدة النار المجوس. وعندما تداركت أمري وفكرت في حروب المنطقة تيقنت تماما، أن إيران بريئة من الحروب الموجودة. فوجود إيران أبقى ما بقي من سورية، ووجود إيران لا يزال شوكة صلبة علقما في حلق إسرائيل من خلال حزب الله. ووجود ايران لا يزال يحافظ على ملايين الشيعة في الدول المجاورة. نسمع ما يقال لنا عن تدخل الشيعة في العراق والبحرين وغيرها، ونتناسى أن الشيعة جزء من هذه الشعوب، وكأن حظهم خارج إيران هو التبعية أوالإبادة اذا ما اعترضوا.

واليوم، بينما تجرنا السعودية إلى حرب جديدة، ولم تخمد نيران الحروب الحالية في المنطقة بعد، نرجع إلى اسطوانة الشيعة وايران وحربهم على الإسلام. وكأنهم ليسوا مسلمين، وكأن الاسلام حكر على ال سعود كما كان على ال أمية، والإسلام كما جاء براء منهم.

الحرب ليست من أجل دين ولا شريعة . الحرب من أجل استمرار ماكنة صناعة الأسلحة الأمريكية والصهيونية وغيرها بالوجود. فالشأن السعودي الداخلي نار تأكل نفسها، ولكن العنجهية في أخذ العالم العربي على حين غرة ،لا تلام السعودية عليه، فنحن من حج بالملايين اليها ابتغاء مرضاة رب لا يرضى بما تقوم به السعودية من فظائع.

لن يتغير هذا العالم في هذه المنطقة طالما يحج المسلمين بالملايين على مدار السنة لمرضاة رب، لا يمكن أن يكون في بيت يسكنه شياطين هذه الارض.

ما تقوم به السعودية باطل. باطل في عرف الإنسانية، وباطل في عرف الحضارات، وباطل سيحفره التاريخ لأجيال وشعوب قد تتعظ يوما. فالأوطان في عهدها صارت أجفى من المنفى .وأختم بعبارة كتبها عبد الرحمن منيف، قصد بها المنفى وأنا أرى فيها وصفا للأوطان اليوم :"مكان بارد موحش يشعرك دائما أنك غريب،زائد، وغير مرغوب فيه...المكان الذي تفترضه محطة او مؤقتا ..فيصبح لاصقا بك كالعلامة الفارقة...وربما لأنه مؤقت يصبح وحده الأبدي...كالقبر لا يمكن الهروب منه او مغادرته.."فاوطاننا صارت بغربة المنفى ولا نزال مع هذا كما قال منيف كذلك " نحن في الشرق لا نحتمل فقط وانما نهوى ان نعذب انفسنا! ...الشرق كله موطن الاحتمال...لقد تحول الشرق الى حمار...!"

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير