خالد بطراوي يكتب لـوطن: اشاعات .. اشاعات

04.12.2017 07:41 AM

يكتب أحدهم على شبكات التواصل الاجتماعي عبارة بغض النظر عن مضمونها، فينبري ( عجبتني ينبري هذه) أخرون و"يفصعون" ويطلقون الأهات والزفرات ويتوجون أنفسهم عنوانا للنزاهة والطهارة والكرامة والشرف وغيرها من المفردات والصفات.

يطلق البعض اشاعة أو "يدبلجوا رسالة" أو تسجيلا صوتيا أو فيديو لهذا أو ذاك وحتى تسريبات عن اجتماعات من المفترض أن يحترم الحضور فيها خصوصية الاجتماعات وثقة المتواجدين بهم ليجري تعميمها على وسائل التواصل الاجتماعي ليس لآهداف بريئة تتعلق بالنزاهة أو الشفافية وانما بشكل أساسي لتصفية حسابات داخلية بين هذا وذاك.

هناك شخص يتجول في بلاد العم سام تصله معلومات حول هذا أو ذاك، وحول هذه الوزارة أو تلك أو ذلك الجهاز الآمني أو ذاك وتصله أدق التفاصيل الداخلية فيقوم بسردها مع ما يملكه من قاموس الشتائم البذيئة، فيطرب له كثيرون اذ " يحك لهم على جرب" ولا يتحري أحد صحة المعلومة أو ضرورتها أو الهدف منها فتحولنا بذلك الى قصة "ريّه وسكينة" ونتذكر معها أغنية وردت في المسرحية من أغاني الراحلة شادية والتي تقول " اشاعات .. اشاعات .. اشاعات .. اشاعات .. اشاعات .. بيقولوا في عصبات .. بتخطف بالنسوان .. اشاعات أشاعات ".

وهناك شاب حسن المظهر أوهم نفسه رغم ادعائه التواضع أنه "أبو الوطنية والنزاهة" يطل علينا بين الفينة والأخرى ( عجبتني هاي بين الفينة والأخرى تعلمناها في المدارس) فيروج لمعلومات تتعلق بالفساد ويحمل بيده " سيف أبو زيد الهلالي" معتبرا نفسه دون كيشوت فلسطين الذي سيأتي ليطيح برقاب الفاسدين.

ويزداد الطين بله ( تلعمنا المصطلح في المدرسة ) عندما نرى البعض يضع "لايك" لصفحة المنسق أي منسق ادارة الاحتلال التي يسعى فيها على صفحته اظهار وكأن الاحتلال يهتم بمصالح واحتياجات شعبنا لدرجة أن الكثير من بيننا " يترحمون " على أيام الاحتلال ويتغنون بها.

قلت ذات يوم لمورد خضار الى حسبة البيرة ( وليس حسبة رام الله كما يظن البعض فهي تقع في مدينة البيرة) اذا أردت أن تبيع شاحنة كبيرة محملة " بالبطاطا" فما عليك الا أن ترسل اثنين من الأطفال يروجوا لاشاعة أن جيش الاحتلال على أكناف ( عجبتني أكناف هاي) مدينتي البيرة ورام الله وبعشر دقائق تبيع الشاحنة وبسعر أعلى قليلا، فضحك حتى بانت نواجذه ( تعلمناها هاي أيضا في المدرسة).

ووصل بنا الأمر أنه لو كتب انسان ما يفيد بوفاة انسان مثل " وبشر الصابرين" أو " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية" فاننا نجد ما يزيد عن المائتي تعليق تترحم على الفقيد

وتعظم أجر من كتب وربما نجد تعليقا واحدا أو أثنين يستفسر عن هوية المتوفى ولا نجد الا تعليقا واحدا يسأل أين مكان تقبل العزاء ونجد مئات "اللايكات" أي الآعجاب .. تبا .. الاعجاب بماذا؟ بأن شخصا ما قد توفي.

وينطبق ذات الأمر عندما نجد شخصا وقد كتب أنه في المستشفى فنرى هذا الكم الكبير من التعليقات يتمنى الشفاء دون أن يعرف سبب تواجد هذا الشخص بالمستشفى ونجد تعليقات لا تتعدى أصابع اليد ( كما وصف رئيس مجلس ادارة مصلحة المياه المبالغ التي يدفعها المواطن بدل الهواء المار في عدادات المياه) يستفسرون عن سبب التواجد وقلما نجد من يسأل عن مواعيد الزيارة.

وعندما نصل الى الدرك الأسفل ( أيضا تعلمنا المصطلح بالمدرسة) نرى الشتائم البذيئة من المهاجمين الذين نصبوا أنفسهم عنوانا للوطنية والنزاهة ونرى أيضا الرد البذىء من المدافعين وبين ( حانه ومانه .. ضاعت لحانا).

وكان رجلا قد تزوج بامرأتين اسم الأولى "حانه" واسم الثانية "مانه" الأولى في الخمسين من العمر وقد خطّّ الشيب شعر رأسها ( عجبتني خطّ هاي) والثانية في العشرين من العمر ذات شعر أسود جميل، فاذا ما ذهب الى حجرة ذات الشيب نزعت من لحيته الشعر الأسود بالقول أنه كبير السن والشيب هو من علامات الوقار واذا ما ذهب لحجرة الصغرى نزعت الشعر الابيض من لحيته بالقول أنه ما زال شابا يافعا ... الى أن نظر الى لحيته ذات يوم بالمرآة ووجدها قليلة الشعر ( بغص النظر عن لونه) فقال جملته المشهورة التي أصبحت مثلا " بين حانه ومانه ... ضاعت لحانا".

وكي لا نضيع انفسنا بين حانه ومانه ولا نكون بين المطرقة والسندان أو نجد أنفسنا بين السماء والطارق لا بد لنا من نفض غبار الاشاعات والتوقف عن ترويج المعلومة غير الموثقة والبناء على الحقائق التي لا تأتي لنا في دقائق كوجبات جاهزة يصعب هضمها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير