طريق "جهنم ثنائية القومية" معبد بالنوايا الحسنة

04.12.2017 04:07 PM

ترجمة خاصة- وطن: نشر موقع "واي نت" باللغة الإنجليزية مقالا لحاييم رامون، القيادي السابق في حزب العمل الإسرائيلي، الذي انشق عن الحزب وانضم إلى حزب كاديما عندما تم تأسيسه من قبل أرئيل شارون. كان رامون عضوا في الكنيست الإسرائيلي، كما تقلد عدة مناصب وزارية، خلال الفترة 1983-2008، بعضها بالنيابة عن حزب العمل، وبعضها الاخر عن كاديما. وجاء في مقالته:

لا يمكن للمرء أن يكون من مؤيدي ودعاة الانفصال من خلال حل الدولتين، وأن يكون في ذات الوقت معارضا لموضوع إخلاء المستوطنين الذين يعيشون خارج الكتل والتجمعات الاستيطانية. سيتوجب علينا القيام بإخلاء اليهود الذين يعيشون خارج الكتل الاستيطانية، ونقلهم إلى داخل تلك الكتل، أو إلى أي مكان يختارون العيش فيه ضمن حدود دولة إسرائيل.

يشهد الحوار والخطاب العام، بين الحين والأخر، تدولا لفكرة يزعم أنها فكرة "إبداعية وسحرية"، رغم أنها لا تستند على أساس.

تتمثل الفكرة في السؤال التالي: "لماذا يتوجب علينا إخلاء المستوطنات في الضفة الغربية في إطار اتفاق سلام مع الفلسطينيين؟ فمثلما يعيش العرب في دولة إسرائيل، سيعيش اليهود تحت السيادة الفلسطينية، وبهذا فيمكن للمُخَلّص أن يأتي إلى صهيون وإلى فلسطين".

تتردد الشائعات أنه ووفقا ل "المبادرة الأمريكية"، لن يتم إخلاء أية مستوطنة. وفي حقيقة الأمر يعتبر هذا النوع من الشائعات جيدا بالنسبة إلى إسرائيل، غير أنها لن تؤدي إلا إلى "الجحيم"، بدلا "جنة" السلام والتعايش.

إلا أن هذا الاقتراح، وإن بدا في ظاهره معقولا، يتطلب دراسة معمقة ودقيقة. في البداية وقبل كل شيء، يتوجب علينا أن نلقي نظرة على الأرقام: فهناك نحو (400) ألف مستوطن يعيشون حاليا في الضفة الغربية، علما أن هذا الرقم لا يشمل سكان الأحياء الاستيطاننية  من القدس والتي تقع خارج الخط الأخضر. ومن الواضح أنه لن يتم إخلاء تلك الأحياء في إطار أي اتفاق قادم.

يعيش حوالي (300) ألف من هؤلاء المستوطنين (أي من إجمالي عدد المستوطنين في الضفة الغربية) في الكتل الاستيطانية الكبيرة، التي تتمتع بإجماع في إسرائيل حول وضعها. حتى أن ممثلو السلطة الفلسطينية متفقون على عدم إخلاء تلك التكتلات في أي اتفاق، شريطة أن يتم إجراء تبادل للأراضي كبديل عن ذلك.

وفي ضوء ما سبق، فإن الحديث يدور عن (100-110) الاف مستوطن يعيشون خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية. ووفقا لدراسات مسحية أجريت في عهد حكومة ايهود أولمرت، فإنه سيتم إخلاء حوالي (70-80%) منهم بطريقة طوعية (من تلقاء أنفسهم)، لأنهم لا يريدون العيش تحت السيادة الفلسطينية.

من سيتبقى إذا؟

يدور الحديث إذا عن حوالي (20) ألف مستوطن هم من غلاة المستوطنين، وهم من النواة المتشددة والأكثر صعوبة، بمن فيهم مجموعة " شبيبة التلال " التي تأسست  من قبل مستوطنين شباب متطرفين ، بايعاز من ارئيل شارون حين طالب الشباب باحتلال التلال الفلسطينيية في الضفة الغربية في التسعينيات. وعلى ما يبدو، فإن كل هؤلاء سيرفضون فكرة الإخلاء، وسيبقون في أماكنهم. ليس من باب سعيهم لمحاولة العيش في سلام مع جيرانهم العرب تحت الحكم الفلسطيني، ولكن في محاولة منهم لتخريب الاتفاق.

ولهذا فمن المتوقع أن تحدث بينهم وبين الفلسطينيين أنواعا مختلفة من الاشتباكات، وبشكل يومي.( ملاحظة : نشر المقال قبل اعتداء المستوطنين على بلدة قصرة قرب نابلس وارتكاب جريمة قتل المواطن محمود زعل )  وفي ضوء ذلك، سيضطر جيش الاحتلال إلى التدخل لحماية المستوطنين الإسرائيليين هناك، مما سيؤدي تلقائيا إلى حدوث اشتباكات لا مفر منها مع الشرطة الفلسطينية عند المواقف واللحظات الحساسة، وخصوصا مع بداية تنفيذ الاتفاق. وعلى كل حال، فإن بقاء هؤلاء المستوطنين يعتبر بمثابة قنبلة موقوتة ستؤدي إلى تفجير الاتفاق عاجلا أم آجلا.

وفي ضوء ذلك، يبدو أن الناس أصحاب الرأي القائل: "لماذا لا يعيش اليهود في دولة فلسطين، مثلما يعيش العرب في دولة إسرائيل؟"، قد غاب عن ذهنهم حقيقة أن سكان إسرائيل من العرب هم مواطنون ملتزمون بالولاء لدولة إسرائيل ولقوانينها، وفق الكاتب. ومن هنا، هل يقترح أصحاب هذا الرأي، أن يصبح اليهود الذين سيبقون هناك مواطنين في دولة فلسطين ويلتزمون بالولاء لدولة فلسطين؟ فضلا عن ذلك، فإن أولئك الذين يقترحون أن اليهود المقيمين في فلسطين سيتمتعون بوضع مقيمين دائمين مثل الفلسطينيين في القدس الشرقية (الذين هم مقيمون دائمون وليسوا مواطنين إسرائيليين)، يتجاهلون الواقع أيضا: لأن على من يحملون صفة المقيمين الدائمين الالتزام بأن يكونوا مخلصين ومطيعين للدولة التي يعيشون فيها.

إن هذا الاقتراح هو عبارة عن هروب من مبدأ الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية. وسيكون فيه حاجة لإخلاء المستوطنين خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة، ومن المؤكد أن ذلك سيكون مؤلما وصعبا ومعقدا. وفي المحصلة، فإن استقرار هؤلاء المستوطنين خارج الكتل ليس من منطلق أن أنه ليس لديهم مأوى، بل لأسباب سياسية وأيديولوجية ضرورية. رأى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، اسحق رابين، أن المستوطنات المعزولة هي بمثابة مستوطنات سياسية، وبالتالي فهو لم يرى لها أية حاجة أمنية، أو حاجة "صهيونية". أما اليوم، فإن الهدف من المستوطنات المنتشرة خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة، وفقا للمستوطنين أنفسهم، هو إحباط حل الدولتين، وخلق -سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوا -دولة فصل عنصري ثنائية القومية.

لذلك، ليس هناك من مفر من خيار الانفصال. ولا يمكن للمرء أن يؤيد الانفصال من خلال حل الدولتين، وأن يعارض في ذات الوقت إخلاء المستوطنين الساكنين خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة.

هل سنبقى نحن هنا (بما في ذلك الكتل الاستيطانية الكبيرة) والمستوطنين هناك (أي في البؤر الاستيطانية العشوائية المنتشرة هنا وهناك)؟ سيكون من واجبنا حينذاك إخلاء اليهود الذين يعيشون خارج الكتل الكبيرة، وجلبهم إلى داخل الكتل الكبيرة، أو إلى أي مكان يختارون العيش فيه داخل إسرائيل.

ربما يتساءل البعض: ما هو سبب تداول هذا الأمر الان؟ فالكثير من الناس يرى أنه "ليس هناك شريك". ولكن حتى لو كان هذا صحيحا، علينا أن نتصرف وفق الوضع الراهن الان. فطالما لا يوجد شريك، وكي لا نبقى صامتين مما يسمح لأعدائنا بالمبادرة والعبث بمصيرنا من طرفهم. وهذا بالضبط ما يريده نتنياهو وزعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينيت (أي نتصرف كما تتطلب مصالحنا بناء على الوضع الراهن).

وفي وضع من هذا القبيل، يتوجب علينا أن نفعل كل ما هو أفضل لليهود، وأن تَطَلّب الأمر أن نقوم باتخاذ قرارات أحادية ما دام الأمر يتعلق بحدود دولة إسرائيل: فالتكتلات الاستيطانية الكبيرة والرئيسية يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل، وفق الكاتب. وبالمقابل، فإن أية بؤرة تقع خارج هذه التكتلات، يجب ان يتم استثناؤها من الاتفاق النهائي.

وحال اتخاذ القرار بشأن حدود الفصل، سيتم تخيير المستوطنين خارج التكتلات الكبيرة بين عدة بدائل متنوعة، أولها أن يستقروا داخل حدود تلك التكتلات. ومن الطبيعي أن يبقى جيش الاحتلال متواجدا وناشطا في جميع أنحاء الضفة الغربية كما هول الحال اليوم، وفق الكاتب. وهذه هي الطريقة الوحيدة، في الواقع الحالي، التي من شأنها إنقاذ دولة إسرائيل من أولئك الذين يقودونها إلى "جهنم ثنائية القومية".

ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية

تصميم وتطوير