القدس.. اعتراف ترامب لا يغير واقعها المقسم، والاوضاع المزرية في الجزء الشرقي

19.12.2017 04:17 PM

ترجمة خاصة-وطن: يضطر المارة في القدس الشرقية هذه الأيام إلى السير على طبقة سميكة من غبار ومخلفات إطارات السيارات التي أشعل الشبان نيرانهم فيها خلال الاشتباكات المتواصلة مع جيش الاحتلال. ويركب الناس سيارات الأجرة في ضواحي القدس وسط ازدحام كبير لحركة المرور، وخصوصا قرب الحاجز المحاط بنقاط التفتيش من جهة، وبألواح الإسمنت الشاهقة التي تشكل جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، من جهة أخرى.

إنها ساعة الذروة الصباحية في "راس خميس"، وهو حي عربي في القدس، يعاني الإهمال، وغالبا ما يكون مضطربا. وقد قابل فلسطينيو هذا الحي اعتراف دونالد ترامب، بالمدينة المتنازع عليها عاصمة لإسرائيل، بالسخرية والتحدي. غير أن مشاعرهم لم تخلُ من المخاوف والترقب، خشية تعرضهم للمزيد من التهميش والعقاب.

وفي هذا السياق، قال ياسر الخطيب، (42) عاما-الذي يملك "سوبرماركت" يقع على الشارع الرئيس للحي، وقرب حاجز الاحتلال الذي يفصل أحياء المدينة عن بعضها-إن قرار ترامب "مؤسف ومحزن وظالم للمدينة ولأهلها". وأضاف، أن لديه ارتباط ديني قوي مع المدينة، وأن عائلته مُتَجَذّرَة في المدينة منذ أجيالها الأولى. وقال الخطيب، وبإصرار واضح، بينما كان يقوم ببيع الوجبات الخفيفة لأطفال المدارس في الحي:" لا حياةَ لنا بدون القدس، ويمكن لترامب أن يدّعي ما يريد".

يشكل الفلسطينيون نسبة (37%) من سكان مدينة القدس، التي يبلغ عدد سكانها (866) ألف نسمة. بينما كانت النسبة عند (26%) في العام 1976، عندما احتلت إسرائيل القدس الشرقية وضمتها، حيث وسّعت حدود المدينة لتشمل أجزاء من الضفة الغربية، فنتج عن ضم هذه الأحياء إلى توسيع حدود بلدية الاحتلال في القدس.

يعترف المجتمع الدولي بأن القدس الشرقية أرض محتلة، ويرى أن الطريق الوحيد لتحديد مصير المدينة هو فقط من خلال مفاوضات مع الفلسطينيين، الذين يسعون للحصول على اعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية. وكان ترامب ذكر في سياق قراره، أنه لا يشكل موقفا من الحدود السيادية لإسرائيل على المدينة.

وتجنب ترامب بشكل كلي ذكر الفلسطينيين، رغم أن عددهم في المدينة كبير ومتنامي، ويمكن أن يصل إلى ما نسبته (44%) من اجمالي عدد السكان فيها بحلول العام 2040، وفقا لتوقعات معهد القدس للبحوث السياسية.

وعلى الرغم من مزاعم إسرائيل وتصويرها للقدس على أنها مدينة موحّدة، إلا أن هناك اختلاف وتمييز صارخ بين المناطق العربية والمناطق اليهودية، وهو ما يعبر عنه النُقّاد بالقول بأنه نصف قرن من الإهمال والتمييز ضد الفلسطينيين في المدينة.

وقال اسحق رايتر، المسؤول عن قسم "تخطيط البنية التحتية المادية والاجتماعية في الأحياء العربية"، التابع لمعهد القدس، بأن إسرائيل تتعمّد عدم الاستثمار، وتخصص موارد غير كافية لتطوير الأحياء العربية في القدس".

وأضاف: "ما تزال المدينة مُقسّمة في العديد من المجالات المهمة: فهناك نظامين مختلفين للنقل، كما أن هناك سياستين مختلفتين لأعمال التوسع العمراني، وما تشمله من أنشطة البناء والتشييد المختلفة. إضافة إلى وجود تفاوت وفجوات خدماتية واسعة، إلى الحد الذي يتوجّب على إسرائيل بموجبه أن تستثمر مليارات الدولارات في المناطق العربية كي تصل إلى مستوى مكافئ للأحياء اليهودية".

ووفقا لأرقام معهد القدس أيضا، يقع (79%) من السكان العرب في القدس تحت خط الفقر، في مقابل (27%) من السكان اليهود في المدينة.

وفي هذا الصدد، قالت جمعية حقوق المواطن، أن مؤسسة الرّفاه الاجتماعي تمتلك (4) مكاتب فقط في الجزء الشرقي العربي من المدينة، في مقابل (19) مكتب في المناطق اليهودية. كما شدّدت الجمعية على أن جميع المدارس العربية في المدينة تعاني من نقص حاد ودائم في عدد الغرف الصفية. أما خدمات البريد، فالفرق شاسع أيضا، حيث يوجد في القسم الغربي (34) مكتباً بريديا، مقابل (9) مكاتب فقط في القدس الشرقية.

وفي الإجابة على هذه المعلومات، قال بيان من مكتب رئيس بلدية الاحتلال في القدس، نير بركات، أن بلديته وضعت خطة "غير مسبوقة"، من حيث النطاق الجغرافي والميزانية المخصصة، لسد الفجوات في القدس، على حد زعم البيان. مضيفاً أن بلديته حققت تقدما ملموسا في سبيل التخفيف من (50) عاما من الإهمال، الذي ورثه مجلس البلدية الحالي عن سابقيه. وأشار البيان إلى أن البلدية فتحت أكثر من (800) غرفة صفية في المدارس العربية، وأن أكثر من (1,000) غرفة أخرى في طور الإنجاز، وفقا للكاتب، نقلا عن بيان بلدية الاحتلال.

غير أن جمعية حقوق المواطن عقّبت على كلام البلدية هذا بالقول "أن معظم الغرف الصفّية التي تتحدث عنها البلدية تم استئجارُها في مبان قائمة، ولم يتم بناؤها كما تزعم البلدية".

تُعتبر القدس أكبر مدينة ذات طابع مختلط في الأراضي المقدسة، وفيها يتفاعل العرب واليهود في شتى جوانب الحياة اليومية، بما فيها مراكز التسوق، والعيادات الصحية، والمستشفيات. ويعمل الكثير من الفلسطينيين في المتاجر والمطاعم في القدس الغربية، وعادة ما يكسبون دخلا أكثر مما لو عملوا في الجانب الشرقي من المدينة. ومع ذلك، ما تزال الفجوات في البنية التحتية شاسعة بين الجزأين الشرقي والغربي من المدينة.

وقال رايتر أن إسرائيل قد لا ترغب في الاستثمار بكثافة في المناطق الشرقية من المدينة كونها قد تخضع يوما من الأيام للحكم الفلسطيني. مضيفا أن جهود إسرائيل الرّامية إلى الحفاظ على أغلبية يهودية في المدينة قد تلعب الدور الأكبر في إضعاف البُنية التحتية للجزء الشرقي، وخصوصا في ضوء ما يقوله الفلسطينيون من أن إسرائيل تُخطط لدفع العرب إلى الخروج من القدس.

وقال زياد الحموري، النّاشط الحقوقي المقدسي، أن قرار ترامب يعزز، وبلاد حدود، محاولات إسرائيل للسيطرة على القدس الشرقية، ويسعى إلى استبعاد الفلسطينيين منها. وأضاف الحموري أن من شأن الخُطة التي أقرت مؤخرا في الكنيست أن تضع عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدود بلدية الاحتلال، ولكن خارج الجدار الفاصل، تحت بلدية جديدة تديرها إسرائيل، مما يخفض بشكل حاد عدد الفلسطينيين الذين يعتبرون "مقدسيين".

وفي السنوات الأخيرة شهدت أحياء القدس الشرقية، بما فيها راس خميس، انشاء عمارات سكينة شاهقة، وذات أعداد كبيرة من الشّقق. ويُعزى ذلك إلى امتناع سلطات التّنظيم الإسرائيلية عن وضع تعليمات البناء الضرورية، وتنفيذها.

وقد قام الالاف من المقدسيين بنقل أماكن سكناهم إلى هذه الضّواحي، على الرغم من المخاوف من أن تصبح في نهاية المطاف خارج القدس.

أما بالنسبة إلى الجانب الداخلي من الجدار (أي جهة القدس)، فإنه يصعب على الفلسطينيين الحصول على تصاريح بناء، بسبب عدم وجود مخططات هيكلية، بشكل أساسي. وقد تم هدم الكثير من المنازل والبنايات التي أقامها الفلسطينيين بدون تصاريح. وقد شهد عام 2016 لوحده، هدم (88) منزلا، وهو أكبر عدد يتم هدمه خلال عام واحد، ضمن العقد الأخير (أي 2006-2016)، وفق إحصاءات جمعية حقوق المواطن.

وبالمقابل، ومنذ عام 1967، قامت جهات رسمية وجمعيات في إسرائيل ببناء أحياء كبيرة لليهود في القدس الشرقية، مما قفز بعدد اليهود فيها إلى (212) ألف إسرائيلي.

أما الفلسطينيون في القدس، فإن لمعظمهم وضع الإقامة فحسب. وفي حال الغياب الطويل عن المدينة، يمكن لذلك أن يعرضهم لخطر الطرد، علما أنه تم تجريد نحو (15) ألف منهم من حقوقهم في الاقامة منذ عام 1967. كما ويمكن للفلسطينيين في المدينة التصويت في الانتخابات المحلية الإسرائيلية، غير أنهم يمتنعوا عن القيام بذلك، لتجنب وصفهم بأنهم يُقرون بالحكم الإسرائيلي للمدينة.

وفي سياق مُتصل، يشعر الفلسطينيون سكان القدس الشرقية، وعلى نحو متزايد مؤخرا، بتخلي السلطة الفلسطينية عنهم، علما بأن إسرائيل تعيق أنشطة السلطة الفلسطينية في القدس، مما يحد من نفوذها، ونفوذ الرئيس الفلسطيني، في المدينة.

وكان الفراغ القيادي جَليّا جدا خلال الصيف الماضي، عندما قاد رجال الدين المسلمين الحملة الشعبية ضد بوابات الكشف عن المعادن التي أقامتها إسرائيل على مداخل المسجد الأقصى المبارك، حيث انتهت مواجهتهم بالنجاح في إزالة جميع تلك البوابات.

وعلى إثر قرار ترامب، لم تشهد المدينة احتجاجات واسعة، بالمقارنة مع فعاليات ومسيرات أكبر في الضفة الغربية وغزة. وقالت الناشطة يارا هواري "إن عملية جمع حشود كبيرة أمر صعب عندما لا يكون هناك هدف محدد بدقة، مثل إزالة أجهزة الكشف عن المعادن، وأن كل ما نطلبه هو بسيط، وهو حقنا في إنهاء الاحتلال".

ترجمة: ناصر العيسة، عن: أسوشييتد برس

تصميم وتطوير