دور قطر في غزة.. ليس مجرد دعم مالي

21.12.2017 11:41 AM

ترجمة خاصة -وطن: أعلنت إسرائيل مؤخرا بأنها اكتشفت ودمرت نفقا يمتد من خانيونس شرق قطاع غزة إلى داخل اسرائيل. وعلى بعد (2) كيلومتر إلى الغرب من مدخل النفق، تسكن الكثير من العائلات الفلسطينية في شقق جديدة في مدينة سكنية بنتها قطر. وتحتوي المدينة على ملاعب مختلفة، وحدائق عامة، مع نوافير مياه. وتحتوي المدينة على (1,060) شقة، بالإضافة إلى مساجد ومباني إدارية مختلفة. ويتم ذلك بفعل استثمار بقيمة نصف مليار دولار تقوم الدوحة من خلاله بإعمار قطاع غزة.

ويبين تقير حصلت عليه "ذي جيروزالم بوست"، حجم الاستثمار القطري في إعادة الإعمار. وأشارت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، في تقرير لها عقب حرب إسرائيل علة غزة عام 2014، إلى أن أكثر من (100) ألف منزل تضررت أو دمرت خلال الحرب، مما أثر على (600) ألف شخص. وعلى إثر ذلك، تم التعهد بتقديم ما مجموعه (5.4) مليار دولار، في مؤتمر دولي في مصر، من أجل إعادة الإعمار. وبعد عامين من ذلك المؤتمر، لم يتم صرف سوى (51%) من الأموال التي تم التعهد بها.

ووفقا لبحث أجراه معهد "بروكنجز"، يبلغ مجموع الانفاق القطري على قطاع غزة (216) مليون دولار حتى شهر 12-2016، علما أن هذا المبلغ يشكل فقط جزءا من ميزانية قدرها (1.4) مليار دولار، تعهدت قطر بتقديمها إلى قطاع غزة.
يعود دعم قطر لقطاع غزة إلى أكثر من عقد من الزمان. فقد استضافت زعيم حماس خالد مشعل منذ عام 2012، علما أنها كانت على علاقة معه منذ عام 1999. وفي عام 2012، زار الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قطاع غزة، ليصبح أول زعيم عربي يذهب إلى غزة منذ أن سيطرت عليه حماس في عام 2007. وتعهد الأمير حينذاك بتقديم (400) مليون دولار لإعادة إعمار القطاع. وفي عام 2013، تنازل الأمير حمد عن الحكم، وأصبح ابنه تميم بن حمد آل ثاني أميرا للبلاد. واستمر تميم بدعم مشاريع إعادة الإعمار من خلال لجنة إعادة إعمار غزة، التي أنشأتها قطر في شهر أيلول 2012.

حصلت "ذي جيروزالم بوست" على تقرير نشره "بروكنجز" في شهر شباط 2017، تبين منه أن قطر أنجزت (94) مشروعا في غزة بتكلفة (312) مليون دولار. وهي مستمرة في بناء (12) مشروعا ستبلغ تكلفتها (95) مليون دولار.
وقد أدركت إسرائيل منذ وقت طويل أن الإسمنت الذي يتم استيراده إلى غزة يتم تحويله إلى حماس لاستخدامه في بناء بنيتها التحتية، بما في ذلك الأنفاق، وفق مصطلح الكاتب. وقال مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق، دوري غولد، في خطاب ألقاه في شهر أيار-2016 إنه "من بين كل (100) كيس إسمنت يتم استيرادها إلى قطاع غزة، يتم بالفعل نقل خمسة أو ستة منها فقط إلى المدنيين، على حد زعمه".

وأضاف أنه من أصل (4) ملايين طن من مواد البناء التي أدخلت إلى قطاع غزة، بين شهر تشرين الأول-2015 وشهر أيار-2016، تم الاستحواذ على الكثير منها واستخدامها لبناء أنفاق هجومية جديدة، نقلا عن غولد.

ولا شك في أن دور قطر في إعادة إعمار غزة يضعها في مأزق. فمنذ شهر حزيران-2017، قام جيرانها في الخليج بقطع العلاقات معها، متهمين إياها "بدعم الإرهاب". ويعتبر دعم الدوحة لحماس سبب النزاع المركزي بين قطر والسعودية.
وفي سبيل العثور على أرض لبناء الآلاف من الشقق التي تؤوي عشرات الآلاف من الناس، سعى القطريون إلى تخصيص المزيد من الأراضي في قطاع غزة، ووجدوا أراض قرب مدينة خانيونس، كانت في السابق موقعا لمستوطنات إسرائيلية تم إخلاؤها عام 2005، وهي مستوطنات "جاني طال" و "نيتزر حزاني". وتظهر الصور الجوية (80) مبنى كبير تم إنشاؤها في مدينة حمد إلى الشمال من خانيونس. وبهذا تبدو مدينة حمد أكبر من "موديعين"، المدينة الإسرائيلية الكبيرة.

ووفقا للتقرير المذكور، قام القطريون أيضا ببناء مستشفى تخصصيا لإعادة تأهيل ذوي الإعاقة ومصابي الحرب، وهو "مستشفى حمد بن خليفة"، وإعادة بناء أكثر من (1,000) منزل. كما أنها جلبت الخبرات القطرية التي ساهمت ببناء (8) مشاريع للطرق الرئيسية التي تمتد على مدى (36) كيلومترا.

وفي شهر أيار-2017، حضر محمد العمادي، المبعوث القطري إلى غزة، حفل افتتاح بعض الشقق في مدينة حمد، وسلّم الشقق لأصحابها. كما أعلن عن البدء بإنشاء مدينة ثانية على غرار المدينة الأولى يطلق عليها اسم "مدينة الأمل"، وستضم (194) شقة. وقال العمادي في تصريح لاحق أنه "على الرغم من الأزمة في قطر، سنواصل دعم غزة". وتعهد بمواصلة المشاريع الجديدة والمشاريع الجارية. وتشمل تأهيل مختبرات زراعية، ومركز إعادة تأهيل المصابين في خانيونس، والعيادات البيطرية في بيت لاهيا ورفح، والطريق الزراعي الواصل إلى المناطق الحدودية في جنوب قطاع غزة، وإعادة تأهيل الآبار، وحوض تجميع مياه الأمطار، وملعب كرة قدم، وإعادة تأهيل قصر العدل، والمسجد العمري الكبير في غزة. وقامت قطر بالإضافة إلى تلك المشاريع بدفع الرواتب. ووفقا لتقرير ل "بروكنجز"، أنفقت قطر (30) مليون دولار في شهر واحد، وعلى عدة مرات، لدفع الرواتب المحلية. وأشار التقرير إلى أن هذا المبلغ غطى جزءا كبيرا من رواتب موظفي القطاع العام في قطاع غزة.

ويكرر يوسف الغريز، مستشار العمادي، حديثه عن الصعوبات التي تواجهها قطر في توفير المواد الأولية لمشاريعها، وأنها تتصل مع "أطراف خارجية" من أجل الحصول على المواد الخام اللازمة. ويشمل ذلك التنسيق مع إسرائيل، ومع وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، ووزيرها مفيد الحساينة، ومنسق الأمم المتحدة الخاص للسلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف. وقال الغريز أن بلاده لا تشارك في أية نزاعات سياسية فلسطينية داخلية.

وتتقارب إسرائيل مع السعودية والامارات في السنوات الأخيرة. وقد حاولت قطر الضغط على جماعات مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة مؤخرا في محاولة لتغيير الصورة عنها. وفي الشهر الماضي، كشف مالكولم هنين، رئيس "مؤتمر رؤساء منظمات القدس الكبرى" بأنه يجري محادثات سرية مع قطر حول عودة جنود إسرائيليين مأسورين في غزة. ولا تتردد قطر في استخدام هذا النفوذ مع حماس لزيادة تأثيرها في غزة، والذي حصلت عليه من خلال مشاريعها التنموية، ولن تتردد في استعماله في أية "مصلحة" مستقبلية لها.

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي جيروزالم بوست"

تصميم وتطوير