حرب الروايات الفلسطينية

30.12.2017 12:50 PM

ترجمة خاصة- وطن: تتنافس حركة حماس والسلطة الفلسطينية على أيهما له الحق "المُطلق" في أن يكون الممثل الشرعي للفلسطينيين، وكل منهما يمتلك روايته الخاصة، التي تتعارض مع الأخرى تماما. فالأولى تستند على العنف، والثانية تستند على السياسة.

ويجري التعبير عن معركة الروايات هذه في الغالب بين الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في مقابل قادة حماس. ونتائج هذه المعركة يمكن أن تؤثر على العديد من الأحداث الحاسمة في المستقبل. ومن شأن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل أن يخدم كلا الروايتين، فلكل منها أدواتها الخاصة.

تدعو رواية حماس إلى ضرورة استخدام العنف لتحريك القضية الفلسطينية وتعزيز مكانتها، وتؤكد أن القوة هي السبيل الوحيد لإجبار إسرائيل على تقديم تنازلات. والعنف الذي تمارسه حماس لا تستخدمه ضد إسرائيل فقط، بل ضد الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية أيضا. كما أن رفض حماس دفع الضرائب، ورفضها لمطالب السلطة الفلسطينية، هو أيضا شكل من أشكال العنف، وفق الكاتب.

على الجانب الاخر، فإن رواية الرئيس عباس ترتكز على ضرورة استخدام المناورات الدبلوماسية، واللّجوء إلى المجتمع الدولي من أجل دفع إسرائيل إلى تقديم تنازلات. ومن المعروف أن الموقف، والتقدير الأساسي، لعباس هو أن الصراع المسلح ضد إسرائيل غير مُجدي. وحسب تقدير الفلسطينيين أنفسهم، فقد دعمت الأحداث والتطورات في السنوات الأخيرة، وخصوصا تعنّت إسرائيل وتنكّرها للرئيس الفلسطيني تحديدا، رواية حماس أكثر من دعمها لرواية عباس.

وقد أسفر العنف الذي لجأ إليه الفلسطينيون في الانتفاضة الثانية، خلال الفترة 2000-2005، حسب تقدير الفلسطينيين أنفسهم، إلى انسحاب إسرائيل من قطاع غزة ومن مستوطنات في شمال الضفة الغربية. ولكن التفسير والتصور الإسرائيلي لهذه الأحداث يقوم على رؤية استراتيجية مختلفة تماما.

وفي شهر حزيران 2007، شنّت حماس انقلابا عنيفا في غزة، أطاح بحركة فتح كليا، واستولت حماس على السلطة وأجهزتها، وسيطرت على القطاع بأكمله. وقد استغرق الأمر عقدا من الزمن لكي تفهم حماس حجم المسؤولية الكبيرة التي يترتب عليها حملها تجاه السكان، إلا أنها تقول إن روايتها حققت انتصارا هاما.
وفي العام 2008، قامت إسرائيل بمهاجمة قطاع غزة تحت عنوان "عملية الرصاص المصبوب". وفي ذلك الوقت، صنّفت إسرائيل قطاع غزة "ككيان إرهابي"، وفق مصطلح الكاتب وهو تصنيف ما يزال قائما حتى اليوم.  وفي أعقاب ذلك، قامت إسرائيل بوضع سياسة صارمة رداً على غزة، بما فيها قيود كبيرة على دخول البضائع، حيث لم يُسمح طيلة تلك السنوات إلا بدخول بضائع تعتبر أساسية. وانتقد المجتمع الدولي بشدّة سياسة الحصار الإسرائيلية، ومارس ضغوطا هائلة على إسرائيل لفك الحصار، دون استجابة.

وفي العام 2012، تمت الإطاحة بالرئيس المصري محمد حسني مبارك، وفاز مرشح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، بالانتخابات في مصر. ونتيجة لذلك، شعرت حماس بجرأة وقوة من صعود حليف واضح إلى رأس هرم السلطة في البلاد.

ويقدّر أن حماس حفرت أكثر من (1,000) نفق، تربط غزة بمنطقة سيناء، تمكنت خلالها من استيراد جميع السلع، مما شكّل ما يسمى "اقتصاد الأنفاق" الذي حرّك تجارة بقيمة مئات الملايين من الدولارات سنويا. وفي هذه الظروف، شعرت حماس بالثقة الكافية لقطع نفسها عن السلطة الفلسطينية، التي تديرها حركة فتح، على الرغم من أن الرئيس عباس واصل دفع (40%) من ميزانية السلطة الفلسطينية إلى غزة طيلة تلك الفترة. وفي ظل هذا الوضع، كانت حماس هي الجهة التي تتمتع بأفضل الميزات في كلا الطرفين، وفق الكاتب (أي من خلال اقتصاد الأنفاق، ودفعات السلطة الفلسطينية إلى غزة).

ثم عادت إسرائيل وشنّت حربا أخرى على قطاع غزة، تحت اسم "عملية عمود السحاب". وانتهت الحرب باتفاق تفاوضي يهدف إلى الحد من تهريب الأسلحة إلى غزة من سيناء، وفق الكاتب. لكنه انتهى أيضا مع تغيير في سياسة الحصار الإسرائيلية، من خلال توسيع عدد السلع المسموح عبورها خروجا ودخولا إلى القطاع المحاصر. وفي الواقع لم تكن حماس بحاجة إلى كل السلع من إسرائيل، بسبب شبكة واسعة من الأنفاق من سيناء، مما وفر لها متنفساً نحو مصر. ولكن هذه التطورات سمحت لحركة حماس بأن تدّعي بأنها حققت "انتصارا" آخر من خلال استخدام القوة.

استخدام القوة لكسر الحصار

شهد العام 2013 ثورة مضادة في مصر، وأطيح بالرئيس السابق محمد مرسي، وانقلبت سياسة مصر تجاه حماس رأسا على عقب. وفي العهد الجديد، قام عبد الفتاح السيسي، الزعيم الجديد، بتدمير الأنفاق التي تربط سيناء بغزة بشكل منهجي. كما قاطع حماس التي لم تعد قادرة على الحصول على الأموال، ولا الإمدادات السّلَعِيّة من العالم الخارجي. كما لم يعد بمقدورها تهريب الأسلحة، وفق الكاتب.
وردا على ذلك، لجأت حماس إلى إنتاج الأسلحة محليا، مستخدمة مواد ذات استعمالات مزدوجة يتم استيرادها إلى غزة، ولهذا قامت إسرائيل بحظر دخول المواد ذات الاستخدام المزدوج.

وفي ضوء ذلك، انهار اقتصاد الأنفاق في غزة، وأصبح القطاع يعتمد كليا على الواردات من إسرائيل، وهي ذات تكلفة أعلى بكثير، مما خلف مشكلات وضيق معيشي كبير على المستوى الفردي، وعلى القطاع ككل. كما واجهت حماس أزمة إنسانية كبيرة في غزة، ونقص متزايد في المياه، ونقص وانقطاع متكرّر في الكهرباء، وأزمة مالية متزايدة، حتى أنها لم تتمكن من دفع رواتب مسؤولي حكومتها. وفجأة وجدت حماس نفسها بحاجة إلى الاعتماد على ميزانية السلطة الفلسطينية، مما أعطى عباس صلاحيات جديدة على غزة.

وتدهورت الأوضاع مرة أخرى في صيف العام 2014، وشنّت إسرائيل عدوانا جديدا دام (52) يوما. وفي نهايتها، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة في الأرواح، والأضرار المادية الهائلة التي لحقت بالقطاع، قالت حماس أنها واجهت أقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط، وظلت صامدة. بل وادعت النصر. ويمكن لأي شخص ملاحظة هذا النصر بسهولة على الأرض، وفق الكاتب، مُتَهَكّما.

الرواية المنافسة
ترتكز رواية الرئيس الفلسطيني على المبادئ التوجيهية الاتية: لا للعنف في كل الأحوال. ولكن، في ذات الوقت، فإن الحوار مع إسرائيل ليس خيارا مطروحا الان، بسبب عدم وجود أحد على الجانب الإسرائيلي يمكن التحاور معه. وقد ترك هذا الوضع الباب مفتوحا أمام خطوات فلسطينية أحادية الجانب، كما أنه يشجع على جو من عدم الاستقرار.

والان يتضح أن عباس يدير بمهارة موضوع إعلان الرئيس الأمريكي ترامب حول القدس، وكأنه لعبة بين يديه. ويمكن لعباس الان توسيع مقولته بأنه ليس هناك من يتكلم معه في إسرائيل، ليُشمل أيضا الولايات المتحدة. وفي تحركاته ردا على الخطوة الأمريكية، بدأ عباس بتجنيد رأي الاتحاد الاوروبي والعالم العربي إلى جانبه.
يمكن للرئيس عباس أن يستخدم الخطوة الأمريكية كسبب لخلق مصالحة فلسطينية حاسمة، والتقرّب أكثر من حماس. كما يمكن له أن يستخدم أيضا مجموعة من الخيارات غير العنيفة لمعاقبة الأمريكيين، وذلك من خلال شق تحالف الدول السّنية المتحالفة مع واشنطن، والمناهضة لإيران، من خلال التقارُب مع طهران.

كل هذه الأحداث تشير إلى أنها جزء من معركة فلسطينية داخلية كبرى، على الحق فيمن يكون الممثل الشرعي لجميع الفلسطينيين. إذا فازت رواية عباس، فإنها ستعزز موقف حركة فتح، في الحُكم وفي الشارع. أما إذا كانت رواية حماس هي الفائزة، فإن رؤيتها فرصتها لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ستصبح أقوى، إضافة إلى شعبيتها في الشارع. وهذه معركة في الروايات سيسمعها الفلسطينيون، وهم من سيقرر في نهاية المطاف من سيحصُل على نصيب الأسد من السلطة السياسية في الساحة الفلسطينية.


ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية

تصميم وتطوير