على مفترق الطرق: الخُطوة التالية للرئيس عباس ستُحدّد عنوان مسيرته؟

31.12.2017 04:10 PM

 ترجمة خاصة - وطن: يدخل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، العام الثالث عشر من فترة رئاسته، وهو على مفترق طرق حاد. وبعد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، تقوم السلطة الفلسطينية حاليا بمقاطعة واشنطن وبشكل فعّال، في خطوة تلقي بظلالها على الجهود الرّامية إلى إعادة تحريك محادثات السلام. وعلى الصعيد الداخلي، يواصل الرئيس الفلسطيني رئاسته لشعبٍ مُقَسّم بين الضفة الغربية وقطاع غزة، علما أن اتفاق المصالحة الذي وُقّع مؤخرا بين حركتي فتح وحماس لم يكتمل تنفيذه حتى الان. وعلاوة على ذلك، ومع تعثّر الاقتصاد المحلي وعدم نموه بشكل طبيعي، يُنظر إلى السلطة الفلسطينية على نطاق واسع بأنها تُهدر أموال الشعب، وفق الكاتب. ووفق استطلاع أجري مؤخرا، يتبين أن (70%) من الفلسطينيين يريدون من عباس الاستقالة.

وتزداد هذه القضايا تفاقما بسبب التغيرات الدراماتيكية في الأوضاع الإقليمية، التي يعتقد الكثيرون أنها قلّلت إلى حد كبير من احتمال إقامة دولة فلسطينية. وقد دفعت الفوضى التي اجتاحت سوريا والعراق واليمن، بالقضية الفلسطينية إلى الوراء، كأولوية غير طارئة، في ظل التركيز الشديد على المواجهة المتصاعدة بين السعودية السنية وإيران الشيعية، والذي يبدو الان أنه الصراع المركزي في الشرق الأوسط.

وقد أثر ذلك بدوره على نظرة بعض بلدان المنطقة إلى إسرائيل، فلم تعد هذه الدول ترى دولة الاحتلال كخصم، بل كمانع أمام توسع طهران في المنطقة، وضد انتشارها النووي. وفي هذا الصدد، ألمحت إسرائيل مرارا وتكرارا إلى التقارب بينها وبين الدول السنية.

وفي موازاة ذلك، حدث تركيزٌ كبير بين الإسرائيليين، حيث بدأوا يسألون عن "الحق السياسي" لهم، في ظل أن عدد كبير منهم أصبح يشعر بخيبة أمل بسبب سنوات طويلة في عملية السلام، دون نتائج، ودون نهاية "للإرهاب الفلسطيني"، على حد زعم الكاتب. بل على العكس، فهم يرون السلطة الفلسطينية مؤيّدا كبيرا للتحريض، وأنها تقوم بتلقين جيل إثر جيل من الفلسطينيين الأفكار المعارِضة للتعايش.

وردا على ذلك، يبدو أن عباس قرر العودة إلى موقفه الافتراضي: وهو تشجيع الاحتجاجات الشعبية، التي تظهر بشكل عام في أعمال عنف-وإن كان يمكن احتواءها-وإصدار تهديدات ب "تدويل" النزاع من خلال الانضمام إلى المزيد من المنظمات الدولية-بما فيها المحكمة الجنائية الدولية-كما أنه يهدّد بتوجيه اتهامات ضد الإسرائيليين بارتكاب جرائم حرب. هذا بالإضافة إلى سعيه نحو المزيد من البيانات الرّمزية في الأمم المتحدة لدعم "فلسطين". وفي الآونة الأخيرة، بدأ عباس حملة لاستبدال واشنطن كراعي لعملية السلام ب "وسيط نزيه".

غير أن إسرائيل لم تضيع أي وقت في صب الماء البارد على فكرة أي مبادرة دبلوماسية تستبعد الولايات المتحدة باعتبارها الراعي الأساسي. ومع ذلك، فإن المسألة برمتها مستبعَدة لمجرد التفكير، حيث أن الحقائق السياسية تجعل التوصل إلى اتفاق لنهاية الصراع أمرا مستبعدا للغاية، أو ليس قريبا على الأقل. إن القول بأن الحد الأقصى الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل لا يتجاوز الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبله الفلسطينيون، والعكس بالعكس، هو قول صحيح حتى بالنسبة لأكثر المحللين تفاؤلا.
وعلى هذا النحو، يجد عباس نفسه في موقف محفوف بالمخاطر ولا يُحسد عليه. فلا توجد آفاق قريبة لاستقلال الفلسطينيين، ويبدو أنه فقد الدّعم غير المشروط الذي كان يتلقاه من البلدان السنية الإقليمية، ويبدو أنه غير قادر على توحيد شعبه نظرا للانقسامات العميقة مع حماس، وخصوصا أن حماس غير راغبة في التخلي عن السيطرة الأمنية على غزة، كما أنه يواجه انخفاضا كبيرا في المساعدات الأمريكية بسبب تمرير الكونغرس لقانون "قوة تايلور"، الذي سيجمّد (300) مليون دولار، ما لم تتوقف السلطة الفلسطينية عن دفع رواتب للسجناء الفلسطينيين وأسرهم.

وفي تعليقه على الوضع الفلسطيني، قال نبيل عمرو، وزير الإعلام الفلسطيني السابق، أن "أبو مازن في طريقه إلى أن يواجه طريقا مسدودا، وهو يحتاج إلى أن يقرر خطوته التالية، كي لا يقع في الفراغ". وأضاف: "أعتقد أنه سيقوم بتهيئة شروط جديدة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، حيث أن الوضع القديم لن يقبل به، ولن يبقى الوضع على ما هو عليه. كما أن السلطة الفلسطينية، مع الدول التي دعمتها في الأمم المتحدة من خلال التصويت ضد قرار ترامب، سوف تقرر معا قواعدَ جديدة لعملية السلام. وأبو مازن قلق جدا إزاء الوضع العام، ولكنه ملتزمٌ بإيجاد الحلول والمَخَارِج".

ومثلما كل الزعماء عندما يكونوا على وشك نهاية فتراتهم، لا شكّ بأن عباس يدرك تماما أن تحرّكه المقبل سيكون بمثابة الشوط الحاسم نحو تحديد العنوان العريض لمسيرته كلها. فهل يمكن أن يتبع طريق سلفه ياسر عرفات، وإطلاق الانتفاضة الثالثة؟ أو هل يستطيع بدلا من ذلك أن يعضّ على الرصاصة ويتخذ الخطوات اللاّزمة لجسر الهُوّة مع الرئيس الأمريكي ترامب، محققا دَفعة حاسمة نحو إقامة الدولة؟

ووفقا ل "جلعاد شير"، رئيس الأركان خلال فترة رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، وكبير المفاوضين في قمة كامب ديفيد في العام 2000، فإن عباس لن يدعو أو يدعم انتفاضة فلسطينية ثالثة. ولكنه سيعيد بدلا من ذلك تشكيل شكل جديد من أشكال الدبلوماسية الفلسطينية، سواء على المستوى الثنائي مع إسرائيل، أو ضمن إطار إقليمي أوسع. ويقول شير: "على الرغم من ذلك، لا أعتقد أن عباس قادر على تقديم التنازلات اللازمة لاتفاق نهائي. وأتوقع منه أن يوافق على عملية انتقالية مؤقتة طويلة الأجل، تؤدي بالطرفين في النهاية إلى دولتين. وهو يعلم أن هذا هو الخيار الوحيد لتحقيق دولة ملموسة وحقيقية على الأرض".

ويضيف شير أنه في العام 2008، وبعد (30) لقاء بين عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت، قدّم أولمرت لعباس اقتراحَ سلام، وطلب ردا من عباس عليه. فردّ عباس بالقول "سأعود إليك بالجواب". لكنه لم يفعل ذلك، ودخل بدلا من ذلك في محادثات مع جون كيري، وواصل تحركاته، وترك المفاوضات مع إسرائيل، ودخل في مصالحات مع حماس، ومن ثم بدأ حملة عالمية لشيطنة إسرائيل في المحافل الدولية".

وفي هذا الصدد، يدفع بعض المحللين الفلسطينيين رئيس السلطة الفلسطينية، وبشدة، نحو التخلي عن عملية السلام بأكملها. وقال أحد المحللين السياسيين الفلسطينيين: "هناك فرصة فريدة لقيام عباس باستغلال الوضع من أجل تغيير سياسته التقليدية والاستعاضة عنها بسياسة "طَرق كل باب" من أجل تعزيز جهود تدويل القضية الفلسطينية إلى أبعد حد ممكن، وهو ما أثبت جدواه خلال التصويت الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة".

ترجمة: ناصر العيسة، عن: ذي جيروزالم بوست

تصميم وتطوير