خالد بطراوي يكتب لـوطن: البراشوت

01.01.2018 07:43 AM

من دون أدنى شك ايها الأحبة تعرفون البراشوت (المظلة) وكيف لا وانتم تشاهدون عبر شاشة التلفاز الحركات الاستعراضية والمناورات العسكرية وأفلام الاثارة، بل وذهب البعض منكم حتى لتجربة الهبوط بالمظلة من طائرة تحلق عاليا.

في العلوم العسكرية فان للهبوط بالمظلة أهمية خاصة وتعتبر قوات المظليين من قوات النخبة شأنهم شأن الضفادع البشرية وقوات التدخل السريع والقوات الخاصة، حيث يتلقون تدريبات عسكرية متخصصة في الكر والفر والعراك المنفرد بالذخيرة وعندما تنفذ الذخيرة بالسلاح الأبيض كما يقولون، هذا ناهيكم عن التوعية الفكرية وتجرع الانضباط العسكري وتنفيذ الآوامر عملا بمقولة " نفد ولا تناقش" وهي أحد أهم المقولات العسكرية.

تمتاز وحدة المظليين بأنه لا ينطبق عليها المثل القائل " ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر". اذ أنهم لا يصعدون الجبال قدوما من الوادي، بل على العكس يهبطون الى الجبال من السماء، ويكون هبوطهم مميزا حيث يهبطون خلف خطوط العدو ، فيحدثون تغرة في الخطوط الخلفية للعدو فترتبك الخطوط الآمامية وعندها تتقدم القوات الراجلة المساندة للمظليين وتتقهر خطوط العدو الآمامية والخلفية فيحدث الاختراق وتسجل الانتصارات ويتقلد من يتقلد الآوسمة فللنصر مليون بطل وللهزيمة بطل واحد يحمل عن الكل وربما يتم اعدامه.

مؤخرا هبطت تركيا بالمظلة في السودان من خلال اتفاقية أعلن عنها دون مقدمات تقوم من خلالها تركيا بتطوير وادارة جزيرة "سواكن" دون الاعلان عن تفاصيل، وكان ذلك بمثابة الهبوط بالبراشوت، تماما كما هبط في ليلة القدر ولي عهد جديد في احدى الدول، حيث هبط في حديقة ومنزل ولي العهد المخلوع، وشاهدنا على شاشات التلفاز ولي العهد المخلوع يقبل ويبارك لولي العهد الجديد وهو مندهش من عملية الهبوط بالبراشوت هذه، فقد أخذ " على حين غرّة" كما يقولون.

عندما كنت أمثل نقابة المهندسين في اللجنة الفنية لاحدى الهيئات المحلية، هبط علينا بالبراشوت مشروع لتطوير مساحة كبيرة من الدونمات التي تملكها الدولة لتستفيد منها شركات خاصة دون الأخذ بعين الاعتبار قضايا فنية هندسية تتعلق بمدى موائمة البنية

التحتية لهكذا مشروع، ووجدنا أنفسنا نشاهد بالبث الحي والمباشر هبوطا بالبراشوت " من جهات عليا" تصادر صلاحيات الهيئة المحلية وتمنح تراخيص البناء اللازمة.

وذات الهبوط بالبراشوت حصل أيضا عندما تفاجأ أهالي مجموعة من القرى بعملية استملاك أراض تخصهم لصالح انشاء مدينة مستحدثة شكلت نمطا معماريا هجينا لا يحاكي الطبيعة في تلك المنطقة ولا ينسجم مع النمط المعماري والامتداد البصري البشري وعلى امتداد سنوات معدوادت هبطت هذه المدينة (الغريبة) على أهالي القرى المجاورة هبوطا بالمظلة، وربما تكون هي السبب وراء شحة المياه الواصلة للقرى المحيطة بها.

وبليلة وضحاها هبط علينا بالمظلة أيضا زعيما عربيا كان عسكريا ويقال أنه تخلف بحجة مرضه عن العودة بالطائرة الى بلده قادما من بلاد العم سام فتحطمت الطائرة واستشهد من على متنها من كبار الضباط العسكريين وحماه الخالق المولى فأضحى زعيما.

وبذات الليلة وضحاها ربما ظهر عدد من الوطنيين الفلسطينيين وهبطوا علينا بالمظلة قادة في بعض الفصائل الفلسطينة، أو سفراء، أو في أجهزة السلطة الوطنية حيث سطع نجم كل منهم كخلفاء للمرحلة القادمة كما لو أننا في برنامج (Arab Got Talent)، أما الطامة الكبرى فتتجسد بذلك الهبوط الاعلامي بالمظلة لبطل رواية باولو كويلو " الخيميائي" ( بالنسخة الفلسطينية المعدلة) حيث يسربون لنا اسمه قائدا وزعيما وخليفة فلسطينيا مرتقبا.

في العراق هبط كثيرون بالبراشوت دون جذور نضالية وسجل وطني، وتكرر ذات المشهد في ليبيا واليمن وحتى في سوريا حيث تجري جولات مباحثات مكوكية بين من أصطلح على تسميتهم "وفد المعارضة" وممثلي الحكومة السورية مع الأخذ بعين الاعتبار أن كافة أعضاء وفد المعارضة يقطنون في الخارج ولا يوجد أي هم لهم الا بحث مسألة اقصاء بشار الأسد قبل كل شىء.

في اليمن حاول الراحل علي عبد الله صالح الهبوط بالمظلة فأخفق حيث "صادوه" عندما غادر الطائرة بالبراشوت الذي غرق في ثقوب رصاصات الغدر فهبط هبوطا سريعا دراماتيكا بعد أن كان ربيبا للغرب عند احباطه تجربة اليمن الجنوبي الديمقراطي التي قادها الشهيد الراحل المناضل الحق عبد الفتاح اسماعيل (ذي يزن) ورفاقه.

في الشأن الفلسطيني تجارب التاريخ تشير الى أن الهبوط بالبراشوت لم يكن في يوم من الأيام مجديا وموفقا، مخطط توطين اللاجئين السري في صحراء سيناء خمسينات القرن

المنصرم كشفه مناضل فلسطيني حق من قطاع غزة هو الرفيق الراحل سعيد فلفل حيث حصل على نسخة منه من وكالة الغوث وقام بترجمته وسلمه الى القوى الوطنية التي قامت بفضحه واحباطه.

روابط القرى التي تشكلت في اعقاب اتفاقية كامب دفيد المصرية الاسرائيلية أواخر سبعينات القرن المنصرم وأزلام الروابط الذين هبطوا بالبراشوت في معظم القرى الفلسطينية وبعض المدن ولم يتجرأوا على الوصول الى المخيمات الفلسطينية تصدى لهم أبناء شعبنا واستشهد عدد من المناضلين أثناء التصدي لهم.

المشكلة أن البعض ما زال يؤمن بالهبوط بالمظلة (البراشوت) كوسيلة هجومية عسكرية، في الوقت الذي أضحت فيه الحروب عسكريا تعتمد على التقنيات الحديثة وليس على العنصر البشري الميداني، فلم يعد هناك حروبا (وجها لوجه) بل كما لعبة ( الاتاري) حيث يجلس عسكريو كل طرف أمام شاشات وأزرار، وليس عليهم الا أن يضغطوا على " زر واحد " فينطلق صاروخ يحرق الأخضر واليابس، بينمات هم يأكلون "شيبس أمريكانا".

ولىّ الى الابد زمن الاختراق خلف خطوط العدو والهبوط بالبراشوت وولى زمن الاستخبارات التقليدية وزمن الدبلوماسية الهادئة .... آصلا .. في حالتنا الفلسطينية لا نملك الغطاء الجوي ليفكر أحدهم كائن من كان بالهبوط بالمظلة، وتلك رسالة للخيميائي المدعوم اوروبيا ولغيره.

واللبيب ... من الاشارة يفهم... وكل عام وأنتم بخير

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير