مهمة جيش الاحتلال الاولى .. منع انفجار برميل البارود في الضفة الغربية

09.01.2018 11:08 AM

ترجمة خاصة- وطن: نشر موقع "واي نت" بالإنجليزية تحليلا ل "رون بن يشاي"، المراسل العسكري الإسرائيلي، حول ما حققه  جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال العام المنصرم. تطرق التحليل الى مقارنات بين العام 1982 والعام 2017 فيما يخص بعض الانتقادات التي وجهت الى جيش الاحتلال إزاء الجرائم التي قام بها جنوده خلال هذين العامين، كمجزرة صبرا وشاتيلا، وغيرها. كما تطرق الى التدخلات التي واجهها الجيش من بعض الفئات، من قبيل محاولة الحاخامات المتدينين منع المجندات من المشاركة في المهام القتالية:

ثبت خلال العام 2017 انه كان "عاما أمنيا" جيدا لدولة الاحتلال، فهي لم تواجه تهديدا وجوديا خارجيا. كما لم تواجه تهديدا حقيقيا لسيادتها، او لحياتها، او حياة مواطنيها اليومية، وفق الكاتب. إلا أن جيش الاحتلال واجه العديد من المحاولات الصارخة، وغير المسبوقة لإملاء أجندات سياسية معينة، بالإضافة الى محاولات لزج مجموعة جديدة من القيم الأخلاقية والاجتماعية على الجيش، وعلى كبار قادته.

فضلا عن ذلك، ما تزال الدول العربية وإيران وتركيا منخرطة في المعركة الشيعية السنية الدموية. وما تزال الحروب في سوريا والعراق واليمن مستعرة. وعليه، فان جميع هذه الدول، تعتبر غير قادرة على تشكيل أي تهديد لنا في هذه الأثناء، وفق الكاتب. ووفقا لتقارير وسائل الإعلام العربية، فإن الدول السنية المعتدلة بحاجة إلى إسرائيل، وهي بالفعل تتلقى مساعدات استخباراتية من إسرائيل، علما ان قادة تلك الدول يقدرون لإسرائيل تلك المساعدات.

الا ان العام الماضي شهد تطورات أخرى أثرت تأثيرا إيجابيا على الامن الوطني لإسرائيل، وفق الكاتب. فقد شهد تقهقر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وعاد الى مستوى محدود، حيث تحول الى منظمة جهادية عادية، بعد فترة طويلة من التمدد الواسع في سوريا والعراق. ويعود الفضل في معظم ذلك إلى جهود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. حيث تقدم الولايات المتحدة دعما فعليا للأكراد على الأرض، في حين يقدم جميع أعضاء التحالف الآخرين معلومات استخبارية، ودعما جويا فعالا.

على الجانب الاخر، تمكن الروس من إنقاذ الرئيس السوري بشار الأسد، من المتمردين، بعد ان رحبت سوريا رسميا بالقوات الروسية على ارضها وفي بحرها وفي اجوائها. وقد تناولت العديد من النقاشات التي دارت في أروقة استخبارات الاحتلال، وفي دوائر جيش الاحتلال أيضا، نظام الأسد والطريقة التي يحكم بها شعبه وبلاده. وخلصت النقاشات الى انه نظام غير أخلاقي، وقمعي، وسيستمر في قمع الشعب السوري. وانه بالإجمال نظام سيئ للشعب السوري، غير انه ليس بالضرورة ان يكون سيئا بالنسبة لليهود.

فضلا عن ذلك، فشل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في جهوده للتوصل الى اتفاق سياسي في سوريا، على أساس حل وسط بين الأسد والمتمردين، ينهي بموجبه الحرب الدامية هناك منذ سنوات. ومما لا شك فيه ان الكرملين مهتم بإجراء الترتيبات اللازمة لتحقيق الاستقرار، وإرساء الإنجازات الروسية في سوريا، غير ان الروس غير قادرين على تحقيق ذلك حتى الان. ولا شك بان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تنعم بالنوم نتيجة الفوضى في سوريا، ونتيجة عدم حسم الأمور في اتفاق ترضى عنه إسرائيل، غير انها على ثقة ان مثل هذا الاتفاق سيحدث في غضون بضعة أشهر، أو حتى في غضون عام على ابعد تقدير، وفق الكاتب.

يحافظ الروس على علاقات جيدة مع إسرائيل على أساس المصالح المشتركة والواضحة بين الطرفين. من ناحية أخرى، يعرف القادة الإسرائيليون انه لا وجود للإيرانيين على الناحية الأخرى من الحدود قرب مرتفعات الجولان، وذلك بخلاف التصريحات والتحذيرات التي يدلي بها نتنياهو ووزرائه مرارا وتكرارا. كما تدرك قيادة الامن الإسرائيلي أن الممر البري الذي يسعى الحرس الثوري الإيراني الى ايجاده بين طهران وبيروت، مرورا بالعراق وسوريا، لم يتحقق بعد. ولكنه ما يزال يمثل تطلعا إيرانيا قائما، ويسعون الى تحقيقه.
وحتى لو أصبح الممر "الشيعي-الإيراني" المأمول امرا واقعا، فانه لن يشكل تهديدا استراتيجيا لإسرائيل، كما حذر بعض من كبار المسؤولين في جيش الاحتلال، لأنهم يعتقدون أن الجيش يعرف بالفعل كيفية التعامل مع مثل هذا الممر، واية تداعيات تنشأ عنه.
اما على الجبهة المصرية، ومع استمرار "داعش" في اشتباكاتها المكثفة مع الجيش المصري في سيناء، فمن المرجح ألا يشكل ذلك تهديدا جديا لإسرائيل في تلك المنطقة.

سياسة ضبط النفس

كان العام 2017 "عاما أمنيا" جيدا بالنسبة الى دولة الاحتلال. وقد تعامل الجيش، وجهاز الامن الداخلي "الشين بيت"، والشرطة بطريقة ناجحة مع ظاهرة "إرهاب الذئاب المنفردة". كما تعاملت بشكل ناجع مع موجة الاحتجاجات التي أعقبت وضع أجهزة الكشف عن المعادن على مداخل المسجد الأقصى في القدس، وفق مصطلحات الكاتب. وقد تم تحسين أساليب الاستخبارات وتنويعها بشكل كبير، بما فيها طرق الحرب الالكترونية والياتها، مما مكن الاستخبارات من تتبع مخططات كثيرة لتنفيذ الهجمات، وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أدى ذلك الى إحباط تلك المخططات من خلال عمليات الاعتقال والردع للمنفذين المحتملين، وفق الكاتب.

وباللجوء الى سياسة من الحكمة وضبط النفس، تمكن جيش الاحتلال من التمييز بين المنفذين من جهة والسكان غير المتورطين من جهة أخرى، على حد زعم الكاتب. وبالتالي، تمكن الامن الإسرائيلي من منع ان تتحول الهجمات الفردية إلى انتفاضة عامة عند الفلسطينيين. ويقول الكاتب: "لقد تعلم الجيش الإسرائيلي طرقا تسمح له بالجلوس على برميل من البارود في الضفة الغربية مع منعه من الانفجار". ويعلق بالقول إن هذا الوضع غير مستقر، وسيصل الى لحظة الانفجار القادم، ومن المرجح أن يكون ذلك الانفجار مدفوعا بوازع ديني.

اما في قطاع غزة، فيبدو ان قيادة المنطقة الجنوبية قد أنجزت رؤية رئيس الأركان، غادي إيزنكوت، في التوصل إلى حل شامل وكفء لمشكلة الأنفاق العابرة للحدود.

كما كانت طريقة "حرب بين الحروب" ناجحة تماما خلال العام الماضي أيضا. ووفقا لتقارير أجنبية، فإن جيش الاحتلال-وبمساعدة من الموساد-استمر في تنفيذ "حروبه الخاصة"، (أي الحرب بين الحروب القائمة). فقد قام بهجمات أحبط من خلالها العديد من عمليات نقل الأسلحة عالية الدقة والتوجيه إلى حزب الله في لبنان والى حماس في غزة، وفق الكاتب. كما قام بإحباط انشاء العديد من المصانع والورش لإنتاج الأسلحة وتجميعها في سوريا ولبنان. فضلا عن الحد من توسع الميليشيات المدعومة من إيران في مرتفعات الجولان السورية، ومنعها بالتالي من فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل. كما ان طريقة انهاء هذه العمليات تعتبر على قدر كبير من الأهمية، لا تقل عن أهمية العمليات ذاتها، فقد تمكن الجيش من شن هذه الهجمات بسرية دون الدخول في متاعب، ودون ان يقود ذلك الى تصعيد أو اشتعال.

كما أحرزت جهود تطوير نظم الحرب والتتبع الالكترونية تقدما كبيرا. فضلا عن اكتمال نظام الدفاع الإسرائيلي المضاد للصواريخ. وفي هذا السياق، يعتبر نظام "ديفيد سلينغ"، والذي دخل الخدمة خلال العام 2017، على انه أهم عنصر من عناصر الدفاع عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ضد الصواريخ الموجهة بدقة، والصواريخ ذات الرؤوس الحربية الثقيلة التي يمكن ان تطلق من لبنان وسوريا. علما ان صواريخ باتريوت تكمل قدرات هذا النظام وتعززها.

أما نظام "أرو 3"، (أي السهم 3)، فهو متخصص في حماية الطبقة العليا من نظام الدفاع الجوي، وهو قادر بالفعل على اعتراض الصواريخ البالستية في الفضاء. غير انه بحاجة الى بعض الاختبارات التي يتعين إجراؤها خلال العام 2018 من اجل اثبات كفاءتها. كما تلقى سلاح الجو الطائرة الشبح F-35 ووضعها في الخدمة. كما تم تسليح القوات البرية بناقلات جنود من نوع "هامر" المجهزة بنظام حماية خاص، وهو يعتبر بالتالي إضافة هامة للقوات البرية التي ستقاتل في مناطق قد تكون في مرمى الصواريخ في كل من لبنان وغزة.

ويجري تنفيذ معظم عناصر الخطة الخمسية كما هو مقرر. ويبدو أن جيش الاحتلال وصل إلى أعلى مستوى من اللياقة والاستعدادية للحرب منذ أوائل التسعينات، وفق الكاتب. ويضيف، أن القوات البرية في جيش الاحتلال تتلقى التدريب وفق نظام 17/17. أي ان الجنود يتلقون التدريب لمدة (17) أسبوعا في السنة، ثم ينتقلوا الى الانخراط في العمليات الميدانية خلال (17) أسبوع اخر خلال كل عام. ولقد كان تنفيذ هذا السيناريو مجرد حلم قبل عدة سنوات، وفق الكاتب. ويبدو أن مديرية شؤون الأفراد في الجيش توصلت إلى حلول مبتكرة للعقبات التي كانت موجودة في الماضي من قبيل عدم وجود افراد على ذات المستوى من المهارة والمهنية. ولا شك بان هذا السيناريو سيكون مريحا للجيش في السنوات المقبلة، وفق الكاتب.

مقارنة بين عامين: 1982 و2017
ان الصورة الإيجابية للجيش في معظم جوانبه، والتي جاء وصفها انفا، شابها بعض الاضطراب في العلاقة بين الجيش والمجتمع الإسرائيلي خلال العام 2017. وهو ما اضطر رئيس اركان جيش الاحتلال الى كبح جماح محاولات عديدة، وغير مسبوقة، لإملاء أجندات سياسية معينة، بالإضافة الى محاولات لزج مجموعة جديدة من القيم الأخلاقية والاجتماعية على الجيش وعلى كبار قادته، وهي قيم تختلف عن القيم التي اعتمدها جيش الاحتلال منذ إنشائه في العام 1948.

ولو كان الجيش قد قبل بتلك الأجندات والقيم، التي حاول البعض فرضها عليه، فمن المؤكد انه سيصبح غير قادر على التصرف كجيش في دولة ديمقراطية، وفي مجتمع يعتبر جيشه لكل المواطنين، وليس مجرد حكر على قطاع من قطاعات الدولة، وفق الكاتب. وقد قاد هذا الهجوم على الجيش سياسيون من أحزاب الائتلاف الحكومي، لا سيما الليكود، والبيت اليهودي، وإسرائيل بيتنا. وبلغت الجرأة على الجيش ذروتها في قضية الجندي إيلور أزاريا. الا ان هذه القضية لم تؤثر على جنود الاحتلال أنفسهم (أي انها لم تؤثر على مستوى الجنود كتحمل للمسؤولية، وربما اثرت على مستويات القيادة الأخرى في جيش الاحتلال) بفضل العمل السريع والكفء الذي قامت به الوحدات المختلفة بإيعاز من رئيس الأركان، وكبار الجنرالات، وفق الكاتب.

ولكن الضغط السياسي الذي مورس من اجل تقبل الحادثة التي قام فيها الجندي أزاريا بقتل مهاجم فلسطيني من خلال إطلاق النار على راسه بينما كان نازفا وملقى على الأرض، بلغ مستوى من الضغط لم اعهده من قبل، وفق الكاتب.
وقد تراوح هذا الضغط: بدءا من حضور السياسيين إلى قاعة المحكمة العسكرية في محاولة للتأثير على قرارات القاضي، الى حملات التحريض المسعورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى وصل الامر الى تهديدات بالقتل ضد رئيس أركان جيش الاحتلال. وذلك في محاولة من الضاغطين لفرض معايير قتالية جديدة، علما انها لا تتعارض مع روح الجيش فحسب، بل تتعارض مع أيضا مع القانون الإسرائيلي، والقانون الدولي.

من الجدير بالإشارة الى ان الاحتجاجات الجماهيرية الصاخبة التي شهدتها إسرائيل خلال حرب العدوان الاول على لبنان في العام 1982، ضد حصار بيروت، وضد مجزرة صبرا وشاتيلا، استهدفت جميعها المستوى السياسي في إسرائيل. ولم يستهدف أي من تلك الحملات الجيش نفسه، أو معاييره القتالية. اما هذه المرة، في حالة الجندي أزاريا، فقد كان الجيش وقادته هدفا للهجوم، من اجل حماية الجندي أزاريا وعدم الحكم عليه باي حال.

ولم تكن قضية الجندي أزاريا هي الحادثة الوحيدة. فخلال فترات التصعيد والاحتجاجات في الضفة الغربية، كانت هناك محاولة سافرة من بعض الوزراء في المستوى السياسي للتأثير على القرارات التنفيذية للجنرالات. خاصة عندما طرح الجيش وجهة نظر للسماح للفلسطينيين "غير المتورطين" في العمليات بمواصلة حياتهم الروتينية، ومنحهم تصاريح العمل، بحيث يحد ذلك من اية دوافع لديهم لمساعدة المهاجمين الفلسطينيين.

كما شهدت الفترة الأخيرة هجوما من الحاخامات المتدينين على اشراك المرأة في الأدوار القتالية في الجيش، في محاولة سافرة أخرى لإملاء قواعد الاستبعاد والاستثناء على الجيش، والتي تتعارض كليا مع قيم المساواة الاجتماعية والديمقراطية في إسرائيل، وفق الكاتب. كما كان هناك محاولة لتدخل اخر، وهو محاولة منع الجنود من الاستماع إلى المغنيات النساء أثناء المناسبات الرسمية، مما شكل محاولة لانتهاك آخر لوضع مقبول وقائم منذ زمن بعيد.

إزاء كل تلك الضغوط، قام الجيش، بقيادة رئيس الأركان إيزنكوت، وبدعم من معظم الجنرالات، بالتصدي لكل الهجمات بشجاعة كبيرة جديرة بالثناء. والحقيقة أنه لو تمكنت تلك الهجمات من الوصول الى مبتغاها، ولو خضع القادة العسكريون لضغوط السياسيين، فإن ذلك كان سيؤدي الى فقدان "الطابع الوطني" للجيش، وقدرته على تمثيل كل فئات المجتمع الإسرائيلي على انه "جيش الشعب". وكان ذلك سيقود الى أن يتحول الجيش الى جيش لفئة سياسية معينة، مسببة احجام الكثيرين عن الالتحاق بالخدمة العسكرية.
ولو قدر لتلك التدخلات ان تتمكن من اخذ دورها، لكانت أدت الى تقهقر في دافعية الجنود. ولكانت أدت أيضا الى فقدان الحافز العسكري لديهم، وكان من شأن عدم وجود حافز بين الجنود وخصوصا على جبهات القتال أن يؤدي إلى وقوع حوادث سلبية وهزائم متتالية. وامام ظرف مفترض من هذا النوع، كان يمكن لتدخلات سياسية ان تنزلق بالجيش الى منحدر خطر وهو ان يتحول الى أداة سياسية، وبالتالي سوف تكون هزيمته سهلة اما حزب الله أو حماس. وهو الوضع الذي كانت عليه هزيمة الجيش الصربي في ذلك الوقت عندما تم تصويره في الساحة الدولية على انه يشن "حرب ناعمة وغير أخلاقية على الشرعية". ولهذا تمت هزيمته بفعل الضغط القانوني، والتوعوي، والإعلامي والأخلاقي.

وهذا بالضبط ما كان سيحدث لو لم يعمل رئيس الأركان لوقف كل تلك الهجمات. ولهذا ينبغي منح القادة العسكريين اليد الطولى في القرارات، وتركهم لمقدرتهم على ضبط النفس، وتجنب المعارك غير المجدية، وعدم الإفراط في الدراما والابتعاد عن الاستعراض الفارغ، وفق الكاتب.

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية

تصميم وتطوير