إسرائيل والفلسطينيون: ماذا بعد؟ هل وصل الرئيس عباس حافة اليأس السياسي؟

29.01.2018 02:09 PM

ترجمة خاصة-وطن: هناك فرضية تقول إن الناس الذين ليس لديهم ما يخسرونه يشكلون خطرا على أنفسهم. أي ربما يعكسون الخطر الذي يواجههم على أنفسهم. وربما لا يتوقف الامر هنا، حيث يمكن أن يشكلوا خطرا على الاخرين أيضا.

وهذا ما فعله رئيس السلطة الفلسطينية كما ظهر من خطاباته غير الواقعية في الفترة الأخيرة. فحتى لو كانت إسرائيل تريد الاستمرار باحتلالها للضفة الغربية إلى الأبد، فإن التكتيك الحكيم كان يفترض على عباس اشعار الفلسطينيين الذين يعيشون هناك أن الامل ما يزال قائما، رغم سوداوية الصورة.

وفي خطاباته العديدة في الفترة الأخيرة، والتي اتسمت بالضلالية وامتلأت بالإهانات، أخرج الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، نفسه من التاريخ، وفق زعم الكاتب.

من المؤكد أنك ستجد بعض الناس الذين يتعاملون مع الساحة الفلسطينية في الجانب الإسرائيلي، وخصوصا في وزراة جيش الاحتلال والإدارة المدنية، سيحكمون على عباس بشكل إيجابي. فهم يقولون إنه ما يزال يريد التوصل إلى اتفاق، كما أنه قام بإنشاء قوات أمن في الضفة الغربية تمكن بواسطتها من الحفاظ على الأمن والنظام العام. إلى أن جاءت خطواته الأخيرة بالإعلان عن امتناعه عن متابعة المفاوضات برعاية أمريكية.

ووفقا للنهج المعتاد للرئيس الفلسطيني، فإن طبيعة خطاباته الأخيرة تحمل علامات اليأس، وتعبر عن الإحباط العميق على الصعيد الشخصي له، كما هي على المستوى الفلسطيني ككل. كما تعبر تلك الخطابات عن محاولة أخيرة منه للدفاع المستميت عن السلطة الفلسطينية، في مواجهة الاتهامات التي اشتدت مؤخرا بأن السلطة قادت الفلسطينيين إلى فشل مع الولايات المتحدة، وفشل اخر على الساحة الدولية.

أما المنتقدون لهذا الرأي الإيجابي تجاه عباس، فسيقولون العكس: أي أن عباس ببساطة كشف عن ألوانه الحقيقية. فقد قال "بعظمة لسانه" انه لا يريد اتفاق سلام. وقال انه غير مستعد لدفع أي ثمن. أما خطاباته فتعبر عن جزء بسيط، ولكن مخيف، من الصورة التاريخية لعباس.
إن مثل هذا النقاش مهم، ولكن الأهم من ذلك هو الإجابة عن السؤال الكبير "وماذا بعد؟":

الجواب هو أن العالم لم يعد يكترث بالقضية الفلسطينية، ولا يعمل حاليا على معالجتها. أما العرب فهم منشغلون في مشكلاتهم كل فيما يخصه، لا سيما إيران التي يضعونها في المقام الأول من حيث الخطر عليهم. كما أن الأمم المتحدة غير فعالة وضعيفة على الصعيد الفلسطيني كما على غيره. أما الولايات المتحدة، فقد اغلقت الملف عندما اعترف رئيسها ترمب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، دون الحصول على أي مقابل من صناع القرار الإسرائيليين. حتى أنه لم يطلب منهم أي طلب.

إذا، فقد فازت إسرائيل. ومرة أخرى يطرح السؤال نفسه، ماذا بعد ذلك؟
الجواب موجود لدى اللجنة المركزية لحزب الليكود، والجواب هو "المزيد الضم".
فالكل يعرف أن نفتالي بينيت، وحزبه "البيت اليهودي"، مهتمان جدا بضم المناطق "جيم" في الضفة الغربية، ولا يتوقفان عن الدعوة إلى ذلك عمل ذلك بأسرع وقت ممكن.

وعلاوة على ذلك، إذا تم الإعلان عن وفاة عملية أوسلو، فهذا يعني أنه لم يعد هناك مبرر حقيقي لوجود السلطة الفلسطينية نفسها. وفي هذه الحالة على إسرائيل أن تدرك أنه في حال تم حل السلطة الفلسطينية، فسيتعين عليها التحول إلى السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، بما فيها حمل جميع المسؤوليات ابتداء من التعليم والصحة والشرطة، إلى إزالة وتصريف القمامة أيضا.

ويشعر المسؤولون في جيش الاحتلال بقلق بالغ إزاء تدهور الوضع الإنساني في غزة، وفق الكاتب (لأنهم لا يريدون تحمل التبعات). كما انهم قلقون حيال التهديد الأمني الذي تشكله الانفاق، وهو الأخطر الأكبر وفق التقديرات العسكرية. وتكرر إسرائيل تحذيراتها من حدوث كارثة إنسانية في غزة، فقط لأنها لا تريد أن تقع مسؤولية الأوضاع هناك على كاهلها مرة أخرى.

ويضيف الكاتب وصفا للتصور الإسرائيلي المتداول حيال ما يمكن القيام به إزاء الضفة الغربية وقطاع غزة:
بناء على الواقع الإسرائيلي، هناك نوعان من الحلول الممكنة بشأن الضفة والقطاع: الحل الأول هو تنفيذ عدد من عمليات الضم، والتي يوجد لها مقترحات جاهزة على الطاولة. اما الحل الثاني فهو "الانفصال". وفي ضوء خطاب عباس، والمأزق العام في المفاوضات، يبدو أن الخيار امام إسرائيل سيكون "الانفصال من جانب واحد".

غير ان خيار الانفصال من جانب واحد لا يحظى الا بالقليل من الدعم في أوساط الجمهور الإسرائيلي، هذا من ناحية. 
ومن ناحية أخرى، لا يحظى خيار الضم بشعبية كبيرة، لان أنصاره لا يقدمون إجابات على أسئلة هامة وحساسة. فعلى سيبيل المثال، هم لا يعرفون بالضبط ما الذي يمكن أن يفعلوه مع الفلسطينيين. حيث تتراوح مقترحاتهم بين كونها خطيرة، وخطيرة جدا:

فهم يقترحون إما "منحهم حق التصويت، والتخلي بالتالي عن الأغلبية اليهودية لدولة الاحتلال، (وهو المقترح الخطير)"، أو، "حرمانهم من حق التصويت، وبالتالي إنشاء دولة الفصل العنصري رسميا"، (وهو المقترح الخطير جدا).

هذا المقترح خطيرا جدا لان مُقترِحوه يتعاملون مع هذه الأخطار من خلال نظريات الخيال العلمي. فخططهم تفشل دائما في تقدير موقف الفلسطينيين، وتفشل في رؤية الفلسطينيين بوصفهم شعب حقيقي طموح يسعى إلى الاستقلال والحرية الوطنية والاقتصادية والشخصية. ولا شك بان هذا واحد من أبرز عيوب نظريات الضم. ولا شك أيضا بان هذه الرؤية "العمياء" ناتجة بالأساس عن عملية التفاوض والحوار الذاتي الذي نقوم به مع أنفسنا باللغة العبرية. ومما لا شك فيه أن هذا الحوار يبدو سهلا جدا، فكل ما علينا القيام به هو دعوة اللجنة المركزية لحزب الليكود إلى الانعقاد والتداول. غير أن الجزء الأصعب فيه هي النظرة المحدودة إلى الفلسطينيين المذكورة أعلاه. ومما من شك في أن هذا النوع من الرؤى يطيح بالآمال، ويزيد من فرص اندلاع صراع دموي شامل.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية

تصميم وتطوير