الاحتلال يواصل التطهير العرقي في القدس بدعم امريكي

08.02.2018 02:56 PM

ترجمة خاصة-وطن: شكل اعتراف دونالد ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل انقلابا دبلوماسيا لم يسبق له مثيل بالنسبة الى حكومة الاحتلال، وبالنسبة الى المنطقة ككل. وعلى مدى عدة عقود من الزمن، استمر المسؤولون الإسرائيليون بالادعاء بان "إسرائيل حرة وديمقراطية هي الكفيلة فقط بحماية الأماكن المقدسة لجميع الديانات في القدس، وبالتالي تستحق أن تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية"، وفق الكاتب.
كما تابع رئيس وزراء الاحتلال أقواله "بأن إسرائيل تكفل وصول المسيحيين والمسلمين واليهود إلى أماكنهم المقدسة في البلدة القديمة من القدس". غير انه تلقى الكثير من الردود والتعليقات على مزاعمه، من بعض المعلقين الفلسطينيين والعرب عبر القنوات الإعلامية المختلفة.

هدم أحياء بالجملة

من الواضح ان ادعاء إسرائيل، بانها تضمن حرية العبادة للأديان في القدس، لا تعني شيئا إلا للمراقبين الذين لا يعرفون المنطقة، والذين هم غير ملمين بالاحتلال الإسرائيلي، ولا بممارساته في القدس منذ العام 1967.

ومنذ استيلائها على المدينة، قامت إسرائيل بهدم مجموعة من المواقع المقدسة المهمة، وقامت بتدمير أحياء تاريخية بأكملها. فضلا عن تشريد السكان المحليين الذين تتعمق جذورهم في المدينة منذ أجيال. اما القيود على الحرية الدينية، فلا يمكن انكارها، حيث فرضت قيودا واسعة النطاق على حقوق المسلمين والمسيحيين بشكل عام، وعلى حرية وصول المصلين الى الأماكن المقدسة.
كما قامت سلطات الاحتلال بفصل المدينة عن المناطق الفلسطينية الأخرى من خلال فرض نظام معقد يشمل الكثير من نقاط التفتيش. كما منعت الدخول الى المدينة الا بعد الحصول على التصاريح من السلطات العسكرية. ونتيجة لذلك، لا يتمكن اغلبية الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، في الضفة الغربية وقطاع غزة، من الوصول إلى المدينة وأماكنها المقدسة.

وفي العام 2011، شجبت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان لها، القيود الإسرائيلية المفروضة على حرية العبادة للفلسطينيين. حيث قالت إن “الإغلاق الصارم، وتقييد الحركة الذي فرضته الحكومة الإسرائيلية، أثر سلبا على قدرة السكان على ممارسة شعائرهم الدينية في أماكنهم المقدسة، بما في ذلك المسجد الأقصى في القدس، وكنيسة المهد في بيت لحم".
وبالتالي، وبسبب القيود الإسرائيلية، أصبح من الأسهل اليوم للمسيحيين، من أي مكان آخر في العالم، زيارة القدس بطريقة أسهل من المسيحي الفلسطيني الذي يسكن مدينة بيت لحم المجاورة، والتي لا تبعد عن القدس سوى (15) دقيقة.

تطهير عرقي على نار هادئة

يتمتع سكان القدس من الفلسطينيين بحقوق اجتماعية وسياسية محدودة بالمقارنة مع جيرانهم اليهود في المدينة، والذين يتمتعون بحقوق كاملة كمواطنين في إسرائيل. فعلى سبيل المثال، تفرض إسرائيل على الفلسطينيين سياسة "مركز الحياة"، التي يجب على الفلسطينيين بموجبها أن يثبتوا مركز حياتهم كل سنة. وان لم يفعلوا ذلك لمدة (7) سنوات متتالية، تقوم سلطات الاحتلال بإلغاء اقامتهم وبالتالي العيش في المنفى بعيدا عن مدينتهم.

ووفق منظمة "هيومان رايتس ووتش"، فان (15) ألف فلسطيني طردوا من المدينة نتيجة لذلك. اما أولئك الذين تمكنوا من البقاء في المدينة، فيواجهون مجموعات كبيرة من القيود. ويشير تقرير الخارجية الأمريكية المذكور، إلى أن "الحواجز لا يمكن التجاوز عنها، وهي تعيق حياة الفلسطينيين في القدس، حتى عن أشياء بسيطة مثل الحصول على ترخيص للبناء، أو لصيانة منزل. وفي حال فشلوا في الحصول على التصاريح المفروضة من قبل الإسرائيليين، وهو ما يحدث غالبا، يضطر الفلسطينيون الى المضي قدما دون إذن من السلطات الإسرائيلية. الا انهم يواجهون حينها الخيار الأسوأ، وهو الهدم الفوري لمنازلهم.

وتنطلق هذه القيود من سياسة تهويديه أكثر عمقا لسلطات الاحتلال تجاه القدس، والتي تسعى الى المحافظة على اغلبية يهودية تبلغ (70%) في المدينة، مقابل (30%) فقط للفلسطينيين، علما ان الفلسطينيين شكلوا تاريخيا أغلبية المدينة. ولهذا يعتبر الكثير من الخبراء، بعضهم من الفلسطينيين والبعض الاخر دوليون، ان هذا السياسة ما هي الا تعبير صارخ عن تطهير عرقي بطيء يقوم به الاحتلال بحق الفلسطينيين في القدس.

حي كامل تعرض "للمسح"

لا تعتبر هذه السياسات جديدة على القدس وأهلها، فقد بدا الاحتلال بممارستها منذ اليوم الأول لاحتلاله القدس. فقد شهد اليوم الأول لوصول جيش الاحتلال الى القدس هدم (2) من الاحياء التاريخية في المدينة، هما الحي المغربي، والحي السرياني.
يعود تاريخ الحي المغربي إلى العام 1300، ويعتقد ان صلاح الدين قام بتأسيسه بعد تحرير القدس من سيطرة الصليبيين. وأصبح الحي فيما بعد موطنا للحجاج المغاربة الذين أتوا لزيارة القدس، فاستقر الكثير منهم في المدينة منذ ذلك الحين. وقد مثل الحي المغربي، موقعا هاما ومثالا على التعايش في فلسطين في ذلك الوقت. فقد سار المصلون اليهود عبر زقاق الحي المغربي، وكان معظمه مسلما، في طريقهم الى الأماكن المقدسة اليهودية. في حين كان المسلمون يمرون عن حائط المبكى في طريقهم إلى المسجد الأقصى.

وعندما احتلت إسرائيل القدس في العام 1967، كان الحي المغربي هو الهدف الأول لها، حيث منحت السكان الفلسطينيين، تحت التهديد بالقتل، ساعتين فقط للخروج من حيهم. وعلى إثر ذلك، هرب الالاف من الفلسطينيين للنجاة بأرواحهم. وبدا الاحتلال على الفور "بتطهير" المنطقة، حيث هدم مئات المنازل، وجرف الكثير من الأضرحة الإسلامية. ولم يخل هذا العدوان من عمليات القتل، حيث قتلت قوات الاحتلال الكثير من الفلسطينيين.

وقد خلف العمل الهمجي الإسرائيلي، دمارا مروعا للبناء العمراني، وتشتيتا ممنهجا للنسيج الاجتماعي للقدس. نتج عن ذلك ترك الاف الفلسطينيين بلا مأوى، وتم انشاء حائط المبكى هناك، والذي يعتبره اليهود موقعا رئيسيا لعبادتهم. وينسى الجميع اليوم حقيقة ان حائط المبكى قام على أنقاض مئات المنازل الفلسطينية.

اما الحي السرياني فكان الهدف الثاني للاحتلال الإسرائيلي. وكان هذا الحي موطنا للمسيحيين الذين فروا من عمليات القتل الجماعي التي وقعت ضدهم، وضد الأرمن، خلال حكم الإمبراطورية العثمانية أواخر العام 1910. وأصبح هؤلاء المسيحيون السريان، خلال العقود الماضية، جزءا لا يتجزأ من المجتمع الفلسطيني. وقاموا ببناء منازلهم في المنطقة المحيطة بكنيسة سريانية قديمة في البلدة القديمة، والتي شكلت مركز الحي السرياني في القدس.

قصة يوسف خانو

عندما قام الاحتلال بغزو القدس في العام 1967، فر الكثيرون من منازلهم خوفا من الإرهاب. وأصبح الالاف منهم لاجئين من جديد، بعد أن استولت سلطات الاحتلال على ممتلكاتهم، وقامت بتوسيع الحي اليهودي المجاور، حيث تضاعف الى (3) أضعاف مساحته الأصلية على حساب أصحابه الأصليين من المسيحيين الفلسطينيين. وقد فر الكثير من السريان من القدس مباشرة، وفقدوا الحق في العودة الى مدينتهم. اما من بقي منهم في المدينة، فقد غادر لاحقا مدفوعا بالسياسات الإسرائيلية التي جعلت الحياة الفلسطينية في القدس لا تطاق. وتعتبر قصة يوسف خانو، وهو رجل سرياني من القدس، واحدة من القصص المؤثرة التي يروي فيها كيف أثر الاحتلال الإسرائيلي على حياة السريان الفلسطينيين.

فيقول: ان والديه هربا من عمليات القتل الجماعي في تركيا العثمانية من اجل العثور على ملجأ لهم في فلسطين. ونشأ وترعرع في حي القطمون الثري في القدس الغربية. وفي العام 1948، طردت الميليشيات الصهيونية جميع الفلسطينيين من القدس الغربية، وهم جزء من (750) ألف فلسطيني تم تهجيرهم من منازلهم عندما قامت إسرائيل، وفق إحصائية الكاتب. ونتيجة لذلك، فرت عائلة خانو من حي القطمون إلى البلدة القديمة في القدس الشرقية، التي كانت تحت السيطرة الأردنية.
وفي القدس الشرقية، وجدوا ملجأ في "دير القديس مارك"، وهو كنيسة سريانية في البلدة القديمة، يعتقد أن تاسيسها يعود الى القرن الخامس. وفي العام 1967، وبينما كان الاحتلال الإسرائيلي يقوم بغزو القدس، كان يوسف خانو مسافرا في لبنان. ونتيجة لذلك، تم منعه من العودة الى القدس.

الا انه لم يستسلم، وكرر محاولاته. ولم يتمكن من العودة الا عن طريق الاردن، من خلال السباحة عبر نهر الأردن. وللعبور في اخر محطاته، نجح بالمرور من خلال رشوة المسؤولين الإسرائيليين. وقد كان محظوظا بعودته، لان العام 1967 شهد فرار نحو (300) ألف لاجئ فلسطيني من ديارهم، والغالبية العظمى ما تزال لاجئة، وممنوعة من العودة الى الابد. واليوم، لم يعد الحي السرياني على حاله، فقد استولت عليه سلطات الاحتلال، وقامت بإحلال مستوطنين إسرائيليين مكان السكان الأصليين من الفلسطينيين.

الأقصى تحت التهديد

يكشف تدمير الاحتلال الإسرائيلي للحيين المغربي والسرياني في القدس، في العام 1967، أن تدمير النسيج العمراني التاريخي للمدينة، ذو الطابع الفلسطيني المقدس، قد سار قدما ولم يتوقف منذ ان بدأ الاحتلال العسكري للمدينة. من بين ذلك، استمرار إسرائيل بتوسيع مدينة تاريخية يهودية، مدينة داود، على أرض مصادرة من الفلسطينيين في حي سلوان بالقدس.

وعلى مدى العقد الماضي، سمحت إسرائيل بالحفريات تحت المسجد الأقصى، مما أدى إلى سلسلة من الانهيارات في الشوارع والمنازل المجاورة للمسجد الأقصى. ويخشى الفلسطينيون من أن الحفريات تهدد سلامة المسجد الاقصى من اساساته.

ومما يزيد من حدة المخاوف المتعلقة بالحفريات الإسرائيلية، قيام سلطات الآثار الإسرائيلية بهدم عدة قبور تاريخية في مقبرة تقع في محيط المسجد الأقصى في العام 2016. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، دمرت إسرائيل أجزاء كبيرة من مقبرة "ماميلا" في القدس، وتم على إثر ذلك تجريف مئات المقابر. ومن خلال قيود التصاريح ونقاط التفتيش، تقلل إسرائيل من احترامها لحقوق المصلين الفلسطينيين، المسيحيين والمسلمين، على السواء. ويتابع الاحتلال تمييزه المنهجي ضد الفلسطينيين كجزء أساسي من سياسات التهويد للقدس.

إن القرار "الترمبي"، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، يؤدي إلى إضفاء الشرعية على كل ممارسات اسرائيل ضد الفلسطينيين، ويعزز عملية التطهير العرقي التي تعود جذورها إلى العام 1948، ويضفي عليها دعما أمريكيا.

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ميدل ايست أي"

تصميم وتطوير