خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": أضغاث احلام

12.02.2018 07:36 AM

ليس من باب الترحم على أيام زمان، فما  مر .. قد مر،  بكل تجاربه المفيدة والضارة، وما سجل في التاريخ قد سجل، أيضا كعلامات ناصعة في تاريخ الشعوب وسوداء في تاريخ الطغاة.

هلوستي تستذكر شاب في سبعينات القرن المنصرم، كان قد صمد في أقبية التعذيب في السجون الاسرائيلية لفترة من الزمن، ولما لما يجد المحققون سبيلا لارغامه على الاعتراف، لجأ أحدهم الى حيلة ذكية، عندما استفسر من المعتقل ان كان في منامة قد رأى الكلاشنكوف، وهي البندقية الاتوماتيكية، فظن هذا الشاب أن الحلم ليس الا حلما، فأجاب قائلا " نعم لقد رأيت ذات ليلة في منامي بندقية الكلاشن وأمسكت بها". عندها طلب منه المحقق أن يوقع على أقواله فوقع، وخرج المحقق منتصرا.

في جلسة المحكمة، أحضروا خبيرا نفسيا اسائيليا مختصا في تفسير الآحلام وتم أمام القاضي العسكري الاسرائيلي ابراز " الاعتراف القنبلة" والاستماع الى شهادة الخبير التي مفادها " بما أن المعتقل قد رأى في حلمه أنه ممسك ببندقية كلاشن، فهذا يعني أنه في الحقيقة قد أمسك بالبندقية ... ولا يمكن لشخص أن يحلم في منامه بشىء لم يراه بعينيه أو لم تستشعره حواسه الأخرى اذا كان كفيفا".

في مداولات وجلسات محكمة استمرت لفترة طويلة، حكمت المحكمة العسكرية على الشاب الذي صمد في أقبية التحقيق بالسجن لمدة ستة أشهر بتهمة " حيازة غير مشروعة للسلاح". وفي حادثة مشابهة وبعد أن عجز المحقق عن انتزاع اعتراف، تقدم من السجين وسأله " بصلاة محمد ع رأسك ألم تطلق الرصاص " فأجاب " الكذب حرام نعم أطلقت الرصاص" وأذكر أنه حكم عليه وقتها بالسجن الفعلي لثماني سنوات.

الى أين أريد أن أصل بهلوستي هذه، كان الاحتلال يسعى الى الايقاع بالشباب والشابات بشتى الوسائل حتى ولو بالاحلام. كان الاحتلال بالكاد يستطيع أن ينتزع المعلومة وان انتزع معلومة غير دقيقة أو هشة يكتفي بها لآخذ المعتقل الى المحكمة العسكرية. التي تصدر احكاما قاسية بالسجن.

الان، نحن نقدم المعلومة، عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتحديدا " الفص بوك". قبل فترة جرى اعتقال أحد الشباب وما أن خرج من منزله مقيدا حتى توالت الكتابات على شبكات التواصل الاجتماعي .. بدأت بنبأ " أعتقال الشاب ....... قبل قليل من منزله " مع تصوير فيديو الاعتقال واللحظات المؤثرة وهو يودع والدته وأهله، ثم وقبل أن تصل القوة العسكرية الى المنشأه الاعتقالية بهذا " الصيد الثمين" توالت الكتابات على " الفص بوك" فقد كتب أحدهم " اعتقال الرفيق ...... قبل قليل من منزله" ... اذا فقد الصق هذا الكاتب الفذ بصديقه المعتقل تهمة مقدما " عضوية منظمة غير مشروعة" وألصق التهمة أيضا لنفسه بأنه عضو في ذات التنظيم " التنزيم .. بلغة المحقق". وبعد ذلك وجدنا بيانا من كتلة طلابية في الجامعة التي يدرس فيها " تستنكر اعتقال أحد كوادرها" وهناك الصقت الكتلة تهمة بالمعتقل " الانضمام الى كتلة طلابية غير مشروعة" وكانت الطامة الكبرى في اليوم التالي عندما جرى الصاق ملصق للأسير ....... وهو يحمل "كلاشن" وحمل الملصق عبارة " ألحرية للأسير البطل ..... ". سيأخذ المحقق الملصق ويعرضه على السجين ويسمع رأيه، أين ومتى تم التقاط الصورة، ومن الذي التقط له الصورة، ومن أين له الكلاشن، ومن سلمه له، وهل قام باستخدامه، وأين الكلاشن الان"، فلا يكون أمام السجين الا اما أن يعترف " وتفرط المسبحة" أو أن يصمد ويصر على أن لا علاقة له بالصورة، وأن الصورة مفبركة ومجرد " فوتوشوب" ولن يدّخر المحقق جهدا في اثبات العكس عدا عن التعذيب المضاعف للمعتقل.

وحصل ذات الشىء عندما تم استدعاء شابة للتحقيق واحتجازها، فرأينا على " الفص بوك" هذا الكم الهائل من التعليقات المستنكرة لاعتقال الشابة والمطالبة باطلاق سراح " الناشطة الشبابية" وعضوة " القطب الطلابي الفلاني" والاستنكار لعدم وجود تحرك " فص بوكي" مكثف لنصرتها بالقول " لآن عيونها ليست زرقاء" في الوقت التي كانت الصبية تنفي علاقتها أو انخراطها في أي نشاط. وأحمد الخالق المولى أنه بحنكتها وتصرف عائلتها المتزن خرجت دون ضجيج اعلامي جنّبها سنوات طويلة من الاعتقال.
أما الطامة الكبرى، فهي عندما تأتي قوات الاحتلال لتعتقل شاب أو شابة بتهمة المشاركة في المظاهرات ويبرزون له أو لها تصوير بالموبايل من زملاء لهم لحظة القاءهم حجارة تجاه الجنود أو لحظة إمطار دورية عسكرية بالحجارة وبالطبع الشباب والصبايا بدون لثام .. وعندها يتحول جميع المشاركين الى لقمة سائغة لدى قضاة المحاكم العسكرية الاسرائيلية الذين بسبب صورة التقطتها لهم صديق ستودعهم سجون الاحتلال لعامين من الزمن على الأقل.

وبعد هذا كله نتحدث عن وجود اختراقات امنية ووجود جهات مشبوهة ومتعاونون مع الاحتلال، ولا ننتبه أننا بكل هذا الأفعال نعطي معلومة جاهزة للاحتلال للانقضاض على شبابنا وشابتنا.
ولا أريد أن أتحدث عن تغطية الاعلاميين للأحداث التي تستخدم في سوادها الأعظم كبينة في محاكمة هذا الكم الكبير من الشباب اليافع، والزج بهم في السجون والمعتقلات الاسرائيلية.

خلاصة هلوستي .... ليتنا نعود الى ذلك الزمن حيث كان المحقق الاسرائيلي يتمنى انتزاع اعتراف من السجين بانه كان قد حلم حلما ذات يوم بدلا من تقديم له معلومة موثقة بالصورة والصوت جاهزة على طبق من ذهب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير