فلسطين .. الأمل

18.02.2018 12:58 PM

كتبت: ربى مسروجي

ربما هي الخيبات المتتالية التي تدفعنا إلى الحذر الشديد في قراءة المتغيرات، حتى لا نصاب بانتكاسة جديدة، فلدينا تجارب تجعلنا نخشى تصديق بصيص الامل و السعي خلفه.. وكثيراً لا نؤمن بوجوده!

نحن المصابون منذ عقود بمرض الهزيمة، لما شهدناه من تجارب مرّة بخسران الرهان، ولدينا شعور عميق بالتخلّي والخذلان وقلنا " يا وحدنا " مراراً، اضافة إلى ما تعرضت له عقولنا من تخريب ممنهج وصناعة مشوّهة لوعي مشوّهٍ مهزوم، بما امتلكه الاحتلال من تحكم بمصادر المعرفة والتعليم.

فنحن شعب خسر بلاده في نكبة غرست انيابها في ظهورنا أوتاد مخيماتٍ ولجوءاً لم ينته منذ سبعين عاماً، وَمِمَّن ؟! من عصاباتٍ لقيطةٍ بمواجهة جيوش ست دول عربيّة .. فمن سيُصدَّق النصر بعد ذلك !
قال لنا أجدادنا أن تلك الحرب كانت كذبة موتٍ ضارية، كان ينقصها الأوامر حتى تصبح حقيقيّة، وتصير نصراً.

ولما فقدنا باقي البلاد في حرب حزيران، قال آباؤنا أن الجنود الذين خرجوا عن الأوامر خاضوا قتالا ضاريّاً، الا أن الحرب انتهت في ستّة ايّام !
وهكذا صرنا شعبا حذرا في تصديق الامل، ومثقلين بنكبة ونكسة ولا طاقة لنا باحتمال خيبة أخرى.

الا أن ذلك ليس قدرا أبديا، وبحكم تعاقب الأجيال بتنا قادرين على التشافي من اليأس المزمن، ونستطيع قراءة التطورات والاحداث بعين التفاؤل، مؤمنين بطاقاتنا ومقدرتنا على احداث التغيير، ومؤمنين كذلك وبحكم التجربة، أنْ الاحتلال إلى زوال، والمسألة ليست أكثر من مسألة وقت، فالبسالة التي يخوضها شعبنا الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وما تقدمه النماذج الفذة من مقاومة عنيدة ونوعية تساهم في تهشيم الصوة النمطية والمسبقة عن قوّة الاحتلال، ولَم يعد للاحتلال سيطرة كاملة على وعينا، ولَم يعد وحده يحتكر الحكاية، فصرنا نرى بأعيننا تجارب إرادة تعلو على سطوته، فما قدمه أحمد جرّار وبهاء عليان ومهند الحلبي وعمر العبد ونشأت ملحم وأشرقت قطنّاني وعهد التميمي واخرون كثر، وما انجزه الأسرى في إضراباتهم العديده عن الطعام، مروراً بدرس الكبرياء الذي سطرته غزة في صفحات العزة وما تزال، وانتصار المقاومة في جنوب لبنان، وما رافق ذلك من صور للجنود المذعورين امام بسالة المقاتلين، بل اجراءات الذعر التي أصابت أركان الكيان من وقف الملاحة الجوية، وفتح الملاجئ والهجرة المتكررة بين جنوب الوطن المحتل وشماله، إنما هي أمثلة تؤكد أن مقولة الجيش الذي لا يقهر، محض وهمٍ والحقيقة أننا أمام ترسانة عسكرية في دواخلها قلوب راجفة وخائفة.

ان كل هذه الشواهد، انما تشكل  بتراكمها فوق بعضها البعض اساسا متيناً لوطن لا تليق به الا الحرية الكاملة.
ونحن اليوم أمام تطور جديد يؤكد، كسوابقه من تطورات، اننا قادرون على خلق توازن للقوة والردع،  فبعد أن كسرت حروب غزة ولبنان صورة الجيش المنتصر على الدوام، وأثبتت أنه قابل للهزيمة والفرار وتناقلت شاشات التلفزة صور الجنود المبللين بخوفهم، جاء خبر إسقاط طائرة حربية بالمضادات الارضيّة السورية ليضيف إلى أسباب الامل سبب جديد، فلا يقف الامر عند إسقاط طائرة فحسب، بل باتت مقولة التفوق الجوي للاحتلال ليست أكيدة وبات من الممكن كسرها، نعم أن يتم إسقاط طائرة حربية للمرة الاولى منذ ثلاثين عاماً، يعني أن الجنود لن يصعدوا الى قمرة الطائرات وحدهم بعد اليوم، سوف تصعد معهم كل احتمالات القلق والخوف، ولن يكون موظف برج المراقبة واثقا من عبارته  " رافقتكم السلامة " خلال اتصاله الاخير.

ان ما شهدته المنطقة العربية من مشروع للتقسيم، ومخطط استعماري جديد، وما مثلته الاحداث الجارية في سوريا منذ سنوات، وصمودها الاسطوري في الحرب الظالمة التي قادها الاحتلال الاسرائيلي وحلفائه على أراضيها، وتنامي قوى مضاده لم يعد معها الاحتلال هو اللاعب الوحيد في المنطقة، وبات يخشى عقبات أي حرب قادمة.

حين يقول وزير التعليم في كيان الاحتلال أن أي حرب قادمة لن تكون كأي حرب خاضها الاحتلال منذ تأسيسه، وينصح حكومته بتجنب أي مواجهة قادمة حذراً من كم الصواريخ التي ستسقط في وسط البلاد وشمالها والتي سوف تهز جبهة الاحتلال الداخلية، يؤكد أن الاحتلال يقرأ جيداً تماسك محور المقاومة، وتطور قوته وخبراته، وبات يدرك أنه لم يعد قادرا على حسم حروبه، وأن أثمانا باهظة سيدفعها من استقراره وأمنه، وأنه لم يعد قادراً على تمرير مخططاته في المنطقة، كما كان سابقا، وهذا أيضا سبب آخر يدفعني للتطلع إلى حتمية النصر القادم واقتراب موعده.

لذا لا أرى نفسي حالمة حين أكتب هذه السطور، ولست في صدد اقناع احد بما أؤمن، الا أنني أعيش تلك الحالة وأشعر بها تقترب يوما بعد يوم كما أنني أراها تكبر وتتراكم بخطى ثابته مع كل فعل مقاوم، ومع تنامي الروح المعنوية في أرواح شعبنا، وانطلاق المبادرات العديدة والأفكار الخلاقة التي تهدف إلى حصاره اقتصادياً، من حركة المقاطعة الاقتصادية، والوقوف الشعبي بوجه حالات التطبيع ونبذها، والاحتضان الشعبي للمقاومين اضافة الى  الفشل الذي يصيب كل مخطط للاحتلال واتباعه في المنطقة.

لكل ذلك يحق لنا اليوم ان نتطلع للخلاص من الاحتلال، ودون خوف نعلي سقف التوقعات، وبأننا عائدون من شتاتنا الى وطننا الحبيب وهو ينعم بحريته غير المجزوءة، ربما هي شهور او بضع سنوات كي تتحقق النبوءة ونرى فجر الحرية يبزغ فوق ارضنا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير