بعد هزيمتها في سوريا والعراق : ألى اين ستتجه داعش؟

20.02.2018 01:51 PM

ترجمة خاصة-وطن: قال دونالد ترمب، خلال خطابه الأول عن حالة الاتحاد، "ان الائتلاف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قد حرر ما يقارب ال (100%) من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق، وفي سوريا، وفي مواقع أخرى أيضا". ويبدو كلام ترمب عن اقتلاع "داعش" من العراق وسوريا كلاما ومقاربة طبيعية. لكن المريب في الامر استعماله لعبارة "مواقع أخرى". حيث يبدو ذلك وكان ترمب يشير الى توجه وفكرة لاحقة (أي فكرة عن التوجه والمكان المستقبلي لداعش).

تتفاوت التوقعات حول ما يمكن ان يحدث بعد أن فقد "داعش" دولته التي انشاءها في الشرق الأوسط. ويتوقع بعض الباحثين ان التنظيم سوف يسعى إعادة الظهور مرة أخرى، ومن المكان الذي انطلق منه اول مرة (أي من العراق وسوريا). في حين يرى اخرون أن داعش (او داعش بمسمى اخر، أو مجموعة مماثلة له) سوف يظهر مرة أخرى في مكان ما غير متوقع بعد. وتقوم الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف بمحاولات لتوقع المكان الذي قد يشهد عودة داعش مرة أخرى.

وتفيد التجارب والاحداث التاريخية، ان الجماعات المسلحة والمتمردة تفضل تأسيس نفسها والعمل في البلدان الضعيفة التي تمزقها الحروب الأهلية، والتوترات الطائفية، والتي لا يوجد فيها سيطرة لحكوماتها على الأوضاع فيها، وخصوصا عندما تكون عاجزة عن استخدام القوة لفرض السيطرة على الأرض. وحيث ان تنظيم "داعش" ما يزال محتفظا ببعض الامتيازات، مثل قواعد البيانات، والانصار، والمنتسبين اليه، فهناك بالتالي عدة أماكن مرشحة لتكون مقر "داعش" المقبل، او لتكون ارضا خصبة لعمل "داعش" فيها. ويشمل ذلك ليبيا، وسيناء، وأفغانستان، واليمن، والفلبين، وعدة مناطق أخرى عبر القارة الافريقية.

ففي ليبيا: يفتخر "داعش" بوجود حوالي (6,500) مقاتل له في الجماهيرية التي تشهد غليانا متواصلا. تسيطر جماعة "داعش" على منطقة مساحتها (160) كيلومترا مربعا الى الجنوب الشرق من معقلها السابق، في مدينة سرت. وتحتفظ "داعش" بقواعد للتدريب، وإدارة الخلايا في الأجزاء الوسطى والجنوبية من ليبيا.

وقد نفذ سرب من المقاتلات الأمريكية عدد من الضربات الجوية على معسكرات "داعش" في ليبيا في شهر أيلول 2017، مما أدى الى مقتل العشرات من مقاتلي التنظيم. وحتى الآن، يرتبط اسم تنظيم "داعش-ليبيا" باثنتين من العمليات الخارجية الكبيرة، الأولى الهجوم في مدينة مانشستر البريطانية في شهر أيار 2017، والثانية الهجوم على سوق برلين في المانيا في شهر كانون الأول 2016.

وفي مصر: قام التنظيم بتأسيس نفسه في وضع مماثل لما فعله في ليبيا تقريبا. حيث ان خلاياه الفاعلة تنتشر في سيناء، وقد اكتسبت زخما على مدى ال (18) شهرا الماضية. ويبادر مقاتلو "داعش" في سيناء الى مهاجمة القوات المصرية والاشتباك معها بشكل منتظم، مما يجعلها تتوقع الهجوم في اية لحظة. والتنظيم هو المسؤول عن تفجير طائرة ميتروجيت في رحلتها رقم (9268)، التي اسقطت قبل عامين، مخلفة (224) قتيلا، هم جميع من كانوا على متنها. كما أن التنظيم هو المسؤول عن مهاجمة الكنائس القبطية، وإطلاق الصواريخ على إسرائيل.

وفوق ذلك، وفي تطور لافت، أعلنت "داعش-سيناء" الحرب على حركة حماس، مما أثار مخاوف كبيرة من ان التنظيم يحاول الانتقال الى قطاع غزة.

وردا على أجواء الفوضى المتصاعدة في منطقة سيناء ككل، قامت إسرائيل بشن ضربات جوية سرية خلال العامين الماضيين، بواسطة الطائرات بدون طيار، وطائرات الهليكوبتر. وكل ذلك بموافقة ضمنية من القيادة العسكرية العليا في مصر، وفق الكاتب.
وفي أفغانستان: يقدم "داعش" نفسه كأحد أهم عوامل عدم الاستقرار في تلك الدولة، من خلال سلسلة من الهجمات العنيفة والمميتة التي تستهدف الطائفة الشيعية ذات الأقلية هناك. وفي شهر تشرين الأول 2017، قام التنظيم بتنفيذ مجموعة من التفجيرات الانتحارية ضد أهداف شيعية، من بينها مساجد، مما أدى الى مقتل أكثر من (100) شخص واصابة (200) آخرين. وفي أواخر الشهر الماضي (أي كانون الثاني 2018)، واصل مسلحو "داعش" في أفغانستان أعمال العنف، ولكن في نوع جديد هذه المرة. فهاجموا "منظمة انقاذ الطفل"، تلاها هجوم اخر على أكاديمية عسكرية في كابول أسفر عن مقتل (11) جنديا أفغانيا.

وفي اليمن: قالت وزارة الدفاع الامريكية، في وقت سابق من هذا الشهر، بان حجم "داعش" في اليمن تضاعف عدة مرات خلال العام 2017. حيث يستغل التنظيم فراغ السلطة بسبب الحرب الاهلية المستعرة في البلاد بالتوسع وتنظيم نفسه من جديد. وكما فعلت في ليبيا، قامت المقاتلات الامريكية في شهر تشرين الأول 2017 بالإغارة على معسكرات تدريب ل "داعش" في اليمن، مما أسفر عن مقتل عشرات المقاتلين. وحيث ان المسؤولين الأمريكيين قلقين بشكل متزايد من احتمال توجه مقاتلي "داعش"، الفارين من العراق وسوريا، إلى الأجزاء الجنوبية من اليمن-والذي شكل في السابق ملاذا للمتمردين في تنظيم القاعدة-يتفقد الامريكيون "داعش-اليمن" ببعض الضربات بين الحين والأخر.

وفي الفلبين: هناك الكثير من العوامل التي تجعل تلك الدولة وجهة جذابة لمقاتلي "داعش"، وبالتالي تشجع التنظيم على الانتقال وإنشاء قاعدة له في البلاد. فالفلبين عبارة عن أرخبيل يتكون من نحو (7,600) جزيرة، مما يجعل من الصعوبة بمكان على الحكومة الفلبينية مكافحة المسلحين، وتحقيق الأمن البحري. وبالإضافة الى ذلك، هناك وجود لجماعات قديمة من المتمردين، والتي تمتلك أجندة إسلامية متطرفة، وهو ما يمكن "داعش" من تأسيس موطئ قدم لها، على اعتبار انها تقدم نفسها على انها تدافع عن المظلومين على المستوى المحلي. ويحدث في الفلبين أيضا ان يتصارع المتمردون المسلمون مع الميليشيات المسيحية، وهو ما يزود "داعش" بالأجندة الطائفية التي كثيرا ما تسعى إلى استغلالها.

جمهورية الكونغو الديمقراطية: هناك أيضا دعوات لمقاتلي "داعش" بالتوجه الى الكونغو الديمقراطية، في وسط أفريقيا، كملاذ امن جديد. الا ان تلك البلاد لا تعتبر ملاذا امنا مثاليا "للداعشيين"، او للمجموعات المسلحة بشكل عام، لأن الحرب الاهلية الكونغولية لا تأخذ بعدا إسلاميا. كما ان بنيتها التحتية في قطاعات النقل، والإدارة المالية، والاتصالات، لا تعتبر مثالية لعمل المجموعات المسلحة.
وبالتالي، تعتبر الحالة الكونغولية مؤشرا قويا على أن بعض الدول، التي قد تكون ضعيفة وتبدو بيئة خصبة لداعش، تكون في الحقيقة معزولة جغرافيا وغير مناسبة للمجموعات المسلحة، التي ينبغي عليها حينها البحث عن مكان اخر.

يرى مقاتلو "داعش" الباقون على قيد الحياة، ويقدر عددهم ب (6,000-11,000) مقاتل، ان فقدانهم لساحتي العراق وسوريا ما هو الا توقف مؤقت، واستراحة من القتال. وبالتالي فان النسبة الأكبر منهم ستسعى للوصول إلى ساحات قتال جديدة لمواصلة الجهاد.

 

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: ذي جيروزالم بوست
 

تصميم وتطوير