دعوة إلى التفاكر 2

20.02.2018 02:13 PM

كتب: محمود الإفرنجي

لِمَ يسمى احتلالاً؟ لم يعد احتلالاً، ولم يعد يقارب الاحتلال على أرض الواقع أو الاستعمار، فقد انتفت عنه المقبولية القانونية بعد 70 عاماً، احقاقاً للحق.  الاحتلال المستمر لتلك الفترة قد يرتقي لجريمة حرب، كونه جريمة ضد الإنسانية في مفهومنا الحديث، والمُستعمِر ليس له الحق في تغيير وضع القانوني للشعب المُستعمَر، وفي أسوأ الأحوال يعتبر نفسه وصياًعليه، ويسعى لمساعدة الشعب المُستعمَر، إن صح التعبير.

ولكن في الحالة الفلسطينية، فإن المحتل، المُستعمِر، بعدأن أنهى طموحه في صفد – من خلال قرار التقسيم 1948- بتهجير ساكنيها، أو بئر السبع أو حيفا، فإنه يسعى لإنجاز الطموح الاستراتيجي الصهيوني في يهودا والسامرة – اعتذر مازلنا نسميها الضفة الغربية – بعد أن أشبعها استيطاناً واستعماراً، وأثقلها بقوانين للضم وإجراءات عنصرية ضد سكانها الأصلييين، إضافة إلى إجبارهم على عزلهم في معازل بشرية.

الحق يقتضي أن ننظر للاحتلال  الصهيوني – إن كان احتلالاً – بنظرة متأنية فاحصة قانونية لا سياسية، فالمعركة القادمة بالتأكيد معركة قانونية أيديولوجية مرتبطة بشعب له حق أصيل في التقرير بمصيره.  ويكفي زيارة إلى منطقة الأغوار الفلسطينية المحتلة، حتى ترى في العام 2018، طفلة تغرس أقدامها في الوحل لساعة من الزمن، وتحمل رغيفها المخبوز على الحطب، للوصول إلى مدرستها، بعد أن أُجبرت على الرحيل مراراً من موطئ سكنها، لأن الاستيطان والقواعد العسكرية والمنشآت الزراعية الصهيونية الاستثمارية تلتهم أرضها مرة بعد أُخرى، إلى أن أُعلن عنها أرض إسرائيلية صرفة.

زيارة للأغوار تكفي لأن يُسمعك جندي قادم حديثاً – وبالتأكيد الحداثة ليست بعمر الطفلة التي أعرفها جيداً واسمها للمصادفة الجميلة صمود  – بأن الأرض التي تقف عليها أرضاً إسرائيلية، يقصد بروايته غير المتمكن منها نسف حياة بشر طبيعيين يسعون إلى تعزيز وجودهم وإرثهم على أرضهم، عوضاً عن السعي للحصول على مياه صالحة للشرب في خزانات مدفوعة الأجر في أصلح الأراضي للزراعة، أو تعليم أو سهولة حركة بحد أدنى في أرض سهلة أساساً.

لم يكن ارئيل شارون بقرار فصل قطاع غزة، أو بنيامين نتنياهو بتعزيز حصارها طفرة في تنفيذ السياسية الصهيونية، بل كانا أطرافاً في تعزيز دولة غزة للفلسطينيين كتجمع بشري، وأن ما تبقى ممن يقاربهم في أي منطقة أخرى، هم تجمعات بشرية يسهُل تهجيرها أو تجميعها في معازل (كنتونات)، أو تفريقها في دول خارجية يذوبون فيها.

الفصل الاجتماعي الثقافي للفلسطينيين وسلخهم عن هويتهم الوطنية الجمعية على مر السنوات الماضية استحق المثابرة لكل من انخرط في تنفيذ الااستراتيجية الصهيونية، لفصل (السكان الأصلييين – الفلسطينيين) اجتماعياً وثقافياً وبشرياً في تجمعات، وبالتالي فصلهم عن ارتباطاهم بالموروث الإنساني المتصل بالأرض القائمين عليها، لتسكين اغترابهم عن انفسم بدواخلهم بفعل عامل الزمن.
تسعى السياسة الصهونية، بجهود حثيثة، مقتنصة مفاعيل دولية، وإدارات كإدارة دونالد ترامب، رجل الأعمال المؤمن بالصفقات التجارية، وغير المكترث بإرث السكان الأصليين الثقافي وهويتهم الأصيلة، إلى فصل سكان قطاع غزة عن سكان الضفة الغربية، وفي فصل سكان الضفة الغربية إلى مجموعات سكنية، وفي فصل سكان القدس المحتلة التابعة للضفة الغربية عن ضفتها، وفي فصلهم جميعاً عن امتدادهم الأصلي ممن زالوا في الكيان الصهيوني، أو من لجأوا للخارج.  وبالمناسبة السكان الفلسطينيون في القدس – وفي العام 2018 أيضاً – بدون جنسية، نعم انهم البِدون، دون منحهم الحق في محاولة التفكير لأي جنسية ينتمون، فليس لهم الحق في الجنسية الإسرائيلية ليهنأوا بالعيش في منازلهم كبشر – وهنا لا أدعوهم للحصول على تلك الجنسية وانما للمقاربة -، ولا هم فلسطينيون لأنه اعترافاً بأن الأرض تحت أقدامهم فلسطينية وإن كانت محتلة، فالأرض للضم والسكان للمعازل.

ولكن، بما أنا قوانين وإجراءات الضم، في مقابل الحق في تقرير المصير كحق أصيل للشعوب – وبأي شكل مشروع – ورغم أن قطاع غزة انهار اقتصادياً واجتماعياً، إلا أن الوعي السياسي الفلسطيني البسيط – ثقافياً واجتماعياً - يدعو إلى الأمل، والتفاكر وإعادة جمع الشمل في هوية فلسطينية في ظل غياب رؤية فلسطينية رسمية مجدية أمام عنصرية الخصم، وإرادة لإنهاء الانقسام السياسي المدمر للقضية الوطنية.
الإنسان الفلسطيني بإرثه الإنساني الثقافي على هذه البقعة من الأرض يستحق الاحترام والحماية، فهو مكون كرامتهم وكبريائهم، ومطلوب من كل مكونات الشعب الفلسطيني خاصة الفاعلين منهم والمؤثرين العمل على تعزيز الانتماء له وتقرير مصيرهم على أساس ارتباطهم فيه.

لم ينته بعد ...... ومازال

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير