نادية حرحش تكتب لـ"وطن": عزيزي الفنان الملتزم (بفنه) ..التزم الابتعاد عن السياسة

22.02.2018 12:19 PM

فيلم القضية ٢٣ ، لا يزال يلقى اصداء الاهتمام بعد ترشحه للاوسكار وبدء عرضه او منع عرضه من صالات الدول العربية بالبعض منها. لم اكن اود الكتابة اكثر عن الفيلم او مخرجه او ممثله الفلسطيني، فلقد اخذ اكثر ما يستحق من انتباه واستنفذ الكثير من الطاقات. بنفس الوقت لم يكن من الصحيح ترك هكذا تشويه اعلامي او فني في ساحة العرض متفردا بمحاولات غسل الادمغة وتزوير الحقائق و"صهينتها".

ويبدو ان النقاش خرج من اطاره الفلسطيني، بعد ان استنفذ الطاقات وارهقها ودبت المشاحنات والمشاجرات وخرجت حملة المقاطعة كعدو مباشر لهذا الفيلم.كيف تحولت حملة المقاطعة لتكون مصدر الخصام هنا ، بينما لا يختلف اثنين على ان ما جرى من انتقادات ورفض لعرض الفيلم في احتفالية رسمية برام الله كان مطلبا شعبيا بجدارة. حملة المقاطعة العدو الجديد الرئيسي لاسرائيل اليوم في الساحات الدولية والمحلية . حتى ذلك المخرج الذي كان من المفترض ان يقنعنا بحسن نواياه وتقديمه خدمات جلية للفن العربي (من خلال شركة انتاج يهودية صهيونية) لا يخبيء اجندات سياسية تخدم اولئك الاعداء ( يعني من المفترض ان اسرائيل  هي العدو التاريخي) ، فلم يتورع عن شن هجوم على حملة المقاطعة واعتبارها ما يهدد نجاح عمله وفنانه الفلسطيني العظيم. وراوحنا كثيرا امام حملات مقاطعة حملة المقاطعة واخراج الفن من التسييس وترك الفنان يعيش ابداعه بدون اي تأثير او تسييس.
المهم....

لاح لي في افق التواصل الاجتماعي عبارة من صديق فنان عربي يتكلم فيها عن الفيلم . بقيت العبارة في رأسي تدق على اعصابي عندما ذكر الصديق الصدوق للقضية الفلسطينية فكرة الحكم على العمل من خلال فنيته وابداعه ، وان اي تفصيل اخر يصبح انتهاكا في حق الفن.

طبعا لم تكن العبارة هكذا ، ولكن بلحظة ما كان ربط اسقاط الجيش السوري للطائرة الحربية الاسرائيلية مع الفيلم من قبله ، وفي نفس الوقت اصراره على ترك الحق الفني كأولوية للحكم على العمل ، جعل دماغي يحللها بالشكل السابق .
اعاد الى ذهني الحرب القائمة ضد التطبيع او التطويع من اجل التطبيع . والتي يبدو انها خرجت من كونها فكرة مختصة بالعلاقة الفلسطينية الاسرائيلية ، بل صارت عربية اسرائيلية. هناك نهم ما نحو التطبيع مع العدو الازلي.

لا زلت على موقفي من عدم مشاهدة هذا الفيلم ، فكان الفيلم السابق للمخرج الذي صوره في "اسرائيل" كفيلا بأن يعكر صفوي ويجعلني اكتب الكثير ، والاراء حول الفيلم لا تختلف ، وان كان الجميع يشير الى جودة التقنيات والمؤثرات التصويرية في صناعة الفيلم . الا انني ، او بالاحرى اننا ، لا نكتب عن الفيلم لأننا ناقدي افلام . كل من كتب عن الفيلم او عن المخرج او عن الممثل، كان يكتب عن الموضوع . عما تناوله الفيلم . عن القضية المعلنة والمخفية من وراء هكذا صناعات ، ومن ثم هناك قضية التطبيع من الناحية التقنية : فيلم بإنتاج يهودي صهيوني مع مخرج له تاريخ بالتعامل مع التطبيع كشأن ابداعي على حسب ادعائه . فليس هناك الكثير لما يقال عن الفيلم من حيث مخرجه ومنتجه ، مما يجعله فيلما مصنعا وفق اجندات لا تخدم المصلحة السياسية والقومية. الموضوع ليس موضوع حرية تعبير او ترك الابداع ليحلق في مجاله. لا يعترض احد منا على حرية التعبير . فلقد قدمت اعمال تضرب بالسياسات الداخلية والخارجية للشعوب العربية ولم نعترض عليها . مسرحات دريد لحام من كاسك يا وطن لغربة ، او عادل امام وغيرهم لم تترك موضوعا الا تطرقت اليه ،في السياسية والثقافة والحياة الاجتماعية والاقتصادية. لم يعترضها حتى النظام المستبد في حينه .

ولكن تبقى المشلكة هنا في مكان اخر ، الفنان ، او المحلل الفني الذي يقرر عندما يسمح له مزاجه الابداعي بالتعامل مع العمل كعمل فني خالص او عمل شمولي سياسي الطابع . تقييم العمل من الناحية الفنية بتقنياته المختلفة من شأن المختصين . فنحن لا يعنينا الفيلم من هذه الناحية . يعنينا السم الذي دس الى اوردتنا من رسائل ارادها الفيلم في تشويه اخر من قبل مخرجه وبالتالي العاملين معه للقضية الفلسطينيية.وهذا ما نتكلم عنه. ليس لاننا نريد تغطية الحقيقة بغربال ، ولا نريد نشر الرماد على الاعين ، ولكن في كل تلك الفروقات الدقيقة بين الخير والشر ، تكمن الفروقات بين العمل المتقن لغاية فنية او لغاية اخرى . ولا يوجد هناك عمل خالص للغايات الفنية فقط. فالفن مصدر من مصادر الترويج للسياسات اينما كنا .

الفنان الذي يريد ان يقيم العمل الفني بمعزل عن السياسة ، فليتكلم عن هذا الابداع وغيره في الاماكن ذات الاختصاص. ولكن باللحظة التي يقدم الفنان نفسه على انه انسان "وطني" "قومي" الانتماء، فهو خرج من كونه فنانا فقط.
كل اولئك (اتكلم هنا عن الفلسطينيين) وصلوا الى ما وصلوا اليه عبر درجات سلم "الوطن" . معظم اولئك لا ينظر اليهم احد من اجل ما يقدمونه من "ابداع" بل من اجل المكان الذي يأتون منه.
لا تروجوا لدعايات الابداع من خلال الفن ، وانتم لستم سوى بضاعة استهلاكية للفنون .
العالم من حولنا يتقدم في كل شيء ، ونحن نفهم من الفن ما تقرره لجان الاوسكار لما يستحق وما لا يستحق.
عزيزي الفنان ....

التزم الابتعاد عن زج عملك بالسياسة، اذا ما كان الفن ابداعا بحد ذاته لا يجب المس به من قبل جمهور المتفرجين.

حلوا عنا ....

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير