عن مقاطعة الكنيست والقائمة المشتركة والدولة الواحدة

05.03.2018 10:14 AM

كتب: عوض عبد الفتاح

أثار إعلاني عن موقفي الشخصي بعدم المشاركه في التصويت في الحمله الانتخابيه القادمه للكنيست، ردود فعل مختلفه ومتباينه تراوحت بين عدم الارتياح، والاستغراب، والتأييد. وقد جاء توقيت هذا الإعلان ، بتاريخ ٢١ شباط الماضي ، عبر صفحتي الشخصيه ، على أثر تزايد الحديث عن احتمالات تبكير الانتخابات على خلفيه تكاثر الدلائل على تورط رئيس حكومه الابارتهايد الكولونيالي، بنيامين نتانياهو، بالفساد.

وطالبني العديد من الاصدقاء والمواطنين وبعض الأكاديميين بتوضيح خلفيه هذا الموقف وشرح حيثياته، ودوافعه وغاياته، لإزالة ما قد ينجم عنه من لبسٍ ، وتساؤل .

وكان الصحفي البارز جاكي خوري في وقت سابق، وعلى هامش النشاط التضامني الذي نظمه التجمع الوطني مع المناضل والقيادي باسل غطاس عشيه دخوله السجن الصيف الماضي ، بادرني بالسؤال، مستهجناً، عن تصاعد إنتقادي لوضع القائمه المشتركه، وللجنه المتابعه، بعد إستقالتي من رئاسة الحزب، ووبعد تجميد نشاطي في سكرتاريا لجنه المتابعه. وفوجئت أنه يجهل ، او ربما يتجاهل ، موقفي التاريخي من مسأله الكنيست والدولة الواحده، وعن ضروره مأسسة لجنه المتابعه، وانني كنت اكتب بهذه الروح طيله الوقت حتى اثناء إشغالي الامانه العامه لحزب التجمع منذ اواخر التسعينات.

أما مؤخراً، وفور ظهور الموقف على صحفتي، فقد أرسل السيد أيمن عوده ، المرشح الاول في القائمه المشتركه ، رسالةً ، الى مركبات القائمه لمناقشة ما كتبتُه عن مقاطعتي الشخصيه لانتخابات الكنيست معرباً عن قلقه، وربما خوفه من ان يتحول الى دعوه للمقاطعه الشامله ، مع أني اكّدتُ ان هذا الموقف ليس دعوة للمقاطعه( حتى الان ) لاعتقادي ان قرار المقاطعه الشامله يحتاج الى دراسه داخليه ، داخل الحزب ، وداخل المؤسسات الوطنيه . وايضا ، يعرف النائب أيمن عوده احتفاظي بخيار الدوله الديمقراطيه الواحده، دون أن يشكل ذلك تصادماً مع البرنامج الرسمي لحزب التجمع الذي يدعو الى تفكيك البنيه الصهيونيه لاسرائيل كشرط لتحقيق المساواه لكن دون الدعوه الى حل الدوله الواحده. و خطاب التجمع متقدمٌ عن برامج الاحزاب الاخرى، ولكن تطويره نحو خيار الدوله الواحده، صراحة، بات مطلوباً في ظل التحولات السياسيه والديمغرافيه، وفي ظل سقوط وهم حل الدولتين، وفي ظل الحاجه القصوى الى وحده الشعب الفلسطيني اينما تواجد وحشد طاقاته حول رؤية واحده . واذا ما تم التوصل الى قناعة بإعلان تبني هذا الخيار ، فستكون المقاطعه تحصيلا حاصل .

وقبل ان أخوض بشرح الخلفيات والغايات، لا بد من التأكيد على أن المسأله ليست شخصيه، فالموضوع هو قضيه مصيرنا في وطننا ، و حقوقنا الراسخه فيه، وماهية دورنا السياسي والوطني كجماعةٍ وطنيه في تطوير عمليه بقائنا، وكيفية انقاذ، والحفاظ على الانجازات الثقافيه والسياسيه والتعليميه والوطنيه التي حققها شعبنا، في وطنه ، والتي تتعرض لتهديد بتقويضها من قبل نظام الابارتهايد ، وبسبب الوهن الداخلي . نعم الموضوع هو كيف نحمي هذه الانجازات، كيف نحمي شعبنا، في وطنه. كيف نحمي شبابنا، ابناءنا وبناتنا، هذه الاجيال الشابه التي تنمو عدداً ، وتزداد تعليما ، في ظل تفاقم النزعه العدوانيه الصهيونيه ومع زيادة البطاله والفقر والعنف والجريمه . و كيف نوفر لهذه الاجيال المثال الذي من المفروض ان يكون ملهما لطريقٍ يقود الى المعنى ، والى تحقيق طموحاتها. و كيف نفرمل صيرورة تفتت المجتمع الى افراد تستحوذ عليهم النزعه الفردانيه المنعزله عن مصالح المجموع ، مع وقوع اوساط واسعه منهم في فخ الحمائلية ، والتعصب الديني ، وضعف الانتماء الوطني ،والذي يُسّهل الانخراط في “الخدمة الوطنيه الاسرائليه ( المدنيه )” ، واسرلة الاجيال الشابه .

إننا جميعا ، شعبا ، واحزابا ، وفصائل، ومؤسسات تمثيليه، نعيش مرحلة خطيرة ، قد تكون من أشد المراحل خطورةً على الإطلاق ، في ظل تغوّل نظام الابارتهايد الاسرائيلي، الكولونيالي ضدنا، في الجليل، والناصره، وحيفا، والطيبه، والنقب، وفي القدس ومخيمات وبلدات الضفه الغربيه، وفي مخيمات ومدن قطاع غزه المحاصر والمجوّع، وأهلنا في مخيمات اللجوء في المحيط العربي . ويكتمل الخطر في ظل التحضيرات التي يقوم بها الحلف الامبريالي الصهيوني والرجعي العربي بتصفية قضية فلسطين ، وفي تفكك ما تبقى من المنظومه الاخلاقيه العالميه، وفِي ظل السقوط الاخلاقي المدوي والافلاس الكامل للنظام العربي الرسمي القاتل ، الذي يتباهى بانتصاره على شعوبه، و يتهافت بعضه نحو التحالف مع نظام الابارتهايد الاستعماري في فلسطين . والكثيرون منا، بل اكثرنا، يعيشون حالة قلق كبير ، بسبب ما يمكن ان يجري من ترجمة لهذه المخاطر دون ظهور بدائل عمليه، واستراتيجيات كفاحيه مبادرات وحدويه حقيقيه للتصدي لها .

خلفية تاريخيه ، ووقائع راهنه ، وآفاق مستقبليه

احاول ان احدد كل هذا في الشرح التالي على شكل نقاط ؛

اولا : ان التجمع الوطني الديمقراطي ( وعبر مركباته التنظيمية والفردية الاولى، وتحديدا حركة ابناء البلد ، ميثاق المساواه ، الحركه التقدمية ، وحركات وطنيه محليه ونشطاء افراد)، هو الحزب الوحيد الذي ناقش مسألة المشاركه او عدم المشاركه ، في انتخابات الكنيست ، عند انطلاقه عام ١٩٩٥ ، و قبل مشاركته في الانتخابات لأول مره عام ١٩٩٦. كان هناك رأي يقول بضرورة ان يكون الجسم الوطني الجديد ، حركة شعبيه غير برلمانيه . غير ان الانهيارات السياسيه العالميه والعربيه والفلسطينيه اوائل التسعينات ، وخصوصية موقع

فلسطينيي الارض المحتله عام ١٩٤٨ ، الذين نجوا من النكبه ،ويعيشون تحت المواطنه الاسرائيليه ، أملت علينا جميعا حسم الامر باتجاه المشاركه ولكن بشرطين:

الاول ، المشاركه ببرنامج يتحدى البنيه اليهوديه الصهيونيه والجوهر الكولونيالي للكيان الاسرائيلي . والثاني ، ان يظل خيار المقاطعه مطروحا للمراجعة ، اذا ما وصلنا يوما ما الى وضع تصبح فيه المشاركه عبئا على الحركه الوطنيه او معيقة لتطورها نحو أفق وطني أوسع وأرحب . وكان هذا خلافا لنهج القوى التي كانت تخوض الانتخابات منذ النكبه ، وقبل ان يجف دم الشهداء .

ثانيا : شخصيا ، كان موقفي ومازال ، ومنذ اليوم الاول ، عدم التنافس مطلقا على عضوية الكنيست ، اذ فضلت ان يكون دوري في الحزب الوطني الجديد تنظيميا وميدانيا وكتابة وكان هذا الامتناع ينسجم مع قرار حركه ابناء البلد التي كانت شريكاً أساسياً في بناء حزب التجمع، وهي الحركه التي ثابرت على مقاطعه انتخابات الكنيست الى ان تم تأسيس حزب التجمع، بعد أتفاق أوسلو ، فانخرطت الحركه بكافة قياداتها وكوادرها في الحمله الانتخابيه . نعم ساهمتُ بنشاط ، الى جانب رفاقي في الحملات الانتخابيه لقناعتي ان تلك المرحله كانت تقتضي ذلك . وقد خفف من شعوري بالتناقض الكامن في تمثيل الحزب في الكنيست ، وأراحني ، كما أراح جميع الرفاق ، نجاح عزمي بشاره ، ابرز مؤسسي الحزب ، الذي كان الممثل الوحيد للحزب حتى عام ٢٠٠٣ (عندما زاد تمثيل الحزب في الكنيست الى ٣ اعضاء) في تحويل منبر الكنيست الى ساحة صراع أيدلوجي ضد الصهيونيه ، من خلال فضح بنيتها الداخليه المتناقضه مع الديمقراطيه والقيم الانسانيه الكونيه ، مقدما بذلك ، ايضا ، مادة تعبوية لفلسطينيي ال ٤٨ ، تُعزز الاعتزاز بالانتماء الوطني والشعور بالتحدي . ولكن حتى هذا لم يغير موقفي الشخصي .

في أوائل عام ٢٠٠٧ ، وقبل فتره وجيزة من مؤامرة المخابرات الاسرائيليه ضده ، على خلفية اتهامه بالتعاون مع حزب الله اثناء الحرب ، التي أدت به الى المنفى ، جاء عزمي بشاره ليقدم استقالته من عضوية الكنيست الى المكتب السياسي ، قائلا : لقد استنفذت دوري في الكنيست ، وقد حان الوقت لاتفرغ اكثر للكتابه ، وللعمل التنظيمي ، داخل الحزب ، نقوي الفروع القائمه ونبني فروعا جديده ونبني مؤسسات وطنيه . وأضاف: ليأتي احدكم مكاني . وتحدث في حينه عن تزايد الحقد الصهيوني وتحوله الى اكثر الشخصيات المكروهه في اوساط اعضاء الكنيست والوزراء والاعلام وغيرهم ، موضحا استحالة تحقيق إضافات جديده على اداء العرب في الكنيست . صحيح انه لم يدع الى المقاطعه، وقال انه يمكن القول ان ما تبقى من اهميه لوجودنا في هذا المنبر هو في كونه منبرا اعلاميا نوصل كلمتنا الى العالم ، وكذلك الى شعبنا. لكنه كان يُجسّد في خطوة الاستقاله هذه ، وفِي قوله هذا ، روح الحركه الوطنيه الاولى التي أعدنا بناءها عام ١٩٩٥. وبكلمات اخرى ، اعادت هذه الخطوه التأكيد على ان وجودنا في

الكنيست هو المساهمه في بناء الحركه الوطنيه الفلسطينيه داخل الخط الاخضر ، وليس لنصبح مجرد أعضاء في كنيست إسرائيل و نكرر بعض سلبيات تجربة المخاتير منذ ايام السبعينات ،بلباس عصري، اي دور الوسيط .

ثالثا : منذ عام ٢٠٠٩ تصاعد النقاش داخل الحزب ، حول جدوى التمثيل في الكنيست ، خاصة بعد ان تكرر تعرّض الحزب عشية كل انتخابات لمحاولات الشطب ، والأضطرار للذهاب الى المحكمه فنظهر في حالة دفاع عن النفس . وظهرت آراء تقول بألا نلجأ الى المحكمه في المره القادمه في حال صدور قرار اخر من لجنة الكنيست بشطب الحزب . لقد تحول حزب التجمع الى اكثر الاحزاب العربيه، التي تخوض الانتخابات، كرها وملاحقة من قبل المؤسسه الصهيونيه ، وتواصلت الحمله على الحزب وعلى نوابه في الكنيست بلا هواده ( حتى اليوم ) ، وملاحقة كوادره وشبيبته . ومنذ هذه الفتره ايضا ، بدأنا بفتح نقاش خيار الدوله الديمقراطيه الواحده بين البحر والنهر ، وكتبت ورقة مطوله للجنه المركزيه بهذا الخصوص اواخر عام ٢٠٠٩ ، وحولت الورقه لاحقا الى كُتيب يصدر بإسمي ، وليس بإسم الحزب ، على اثر اقتراح جاء من عزمي بشاره .

لا شك ان هذه المعارك الايدلوجيه ، والسياسيه ، سواء التي دارت داخل منبر الكنيست او في اروقة المحاكم ، التي كانت تبث مباشرة عبر الأثير وتصل الى كل بيت تقريبا ، ساهمت مساهمة كبيره في تعبئة الشارع وفي تطوير الثقافه السياسيه عند جيل كامل، وأسقطت الكثير من الاوهام عن إمكانية تحقيق المساواه بدون التمسك بالهويه القوميه ، وبدون تفكيك البنيه الصهيونيه والكولونياليه للكيان الاسرائيلي . وترجمت هذه المعارك الى حراك ميداني ، ومواجهات شعبيه ، في مواجهة هدم البيوت ، ومصادرة الأرضي ، والحروب الدمويه على شعبنا الفلسطيني في الضفه والقطاع والقدس ، وذلك حتى فتره قريبه . وتمارس قانونيون ومحامون عرب في هذه المعارك ، واكتسبوا خبرات في المعارك القانونية والايداوجيه ضد البنيه القانونية التي تستند اليها الدوله اليهوديه ، ومحاكمها .

رابعا : عشية انتخابات الكنيست عام ٢٠١٣، وبعد ان فشلت محاولات اقامة قائمة مشتركه ، بسبب رفض الجبهه – الحزب الشيوعي الايدلوجي لفكرة الوحده الانتخابيه، كتبت مقالا مطولا ، في فصل المقال ، وفِي موقع عرب ٤٨ ، قلت فيه انه لم يبق امام فلسطينيي الداخل سوى خياران ، الاول : خوض الانتخابات بقائمه مشتركه ، والثاني : مقاطعة الكنيست . وكتبتُ بوضوح تام ، انه كان علينا ان نخوض الانتخابات ( لعام ٢٠١٣ )، بقائمه واحده بمحض ارادتنا ، وتعبيرا عن خياراتنا الحره والوطنيه ، لأننا في الانتخابات القادمه ، وعلى ضوء النقاش داخل المؤسسه الاسرائيليه حول التوجه المؤكد لرفع نسبة الحسم ، سنختار خوض الانتخابات

بقائمه واحده مرغمين . (يجب أن أشير الى بعض ما حصل في جلسة حضرها ممثلو كل الاحزاب العربيه ، عقدت في مكتب النائب مسعود غنايم في مدينة سخنين أوائل عام ٢٠١٣ ، لبحث فكرة خوض الانتخابات بقائمه واحده ، حين خرج أيمن عوده غاضبا من الجلسة ، بعد ان اقترحتُ إصدار بيان يظهر ان كل الاحزاب موافقه على القائمه المشتركه باستثناء الجبهه. كان هدفي من اصدار البيان الضغط على قياده الجبهه لتغير موقفها. وكنت ايضا اهدف الى تعريف الناس ان العقبه امام خوض الانتخابات في قائمه واحده ليس سببه الصراع على المقاعد بين الاحزاب ، بل بسبب موقف أيدلوجي لحزب واحد في الاساس ) .

نعم هذا موقفي آنذاك عام 2013، بأنه لن يبقى معنى لانتخابات الكنيست الا اذا تم خوضها بقائمه مشتركه ، لان المصوتين العرب كانوا يتناقصون في كل انتخابات ، وكان على الاحزاب مناشدة الناس ، الى حد الاستغاثة ، للنزول الى صناديق الاقتراع .

كان مطلب الوحده مطلبا شعبيا. إذ كان الناس يحتاجون الى الشعور بالقوه ، ولأن الوحده تمنح المضطهدين الشعور بالقوه ، و الشعور بالامل.

خامسا : وبالفعل ، وبعد سقوط الحكومه الاسرائيليه في عام ٢٠١٥ خاضت الاحزاب العربيه الانتخابات بقائمه مشتركه لاول مره في تاريخها بعد أن مرّ قرار رفع نسبه الحسم. لقد أجبر قرار المؤسسه الاسرائيليه قيادة الجبهه - الحزب الشيوعي ، بقبول خوض الانتخابات بقائمه واحده و أسقط محاولات الحركه العربيه للتغيير التملص من قبول الفكره . ورغم المعاناه التي رافقت تشكيل القائمه ، الا انها ظهرت كانجاز سياسي مهم ، وغير مسبوق مقابل الحاله العربيه والفلسطينيه الرثه، المتشظيه . وساهم هذا الإنجاز في رفع معنويات الناس ، متجاوزا تأثيره المعنوي الحدود الجغرافيه التي يعيش ضمنها فلسطينو ال ٤٨. وبالفعل ارتقت مكانة "المواطنين العرب في اسرائيل" عالميا. وهذا الإنجاز لم يأتِ من فراغ ، انما هو تتمة لنشاط متواصل على الحلبه الدوليه، قام به نشطاء وطنيون متحدِّين القوالب الاسرائيليه منذ التسعينات . والحقيقه هو ان الدور الأهم والاكثر تأثيرا في نقل قضيتنا الى العالم ، وتعريف الوطن العربي بواقعنا ، يعود الى الهبه الشعبيه البطوليه العارمه في أكتوبر عام ٢٠٠٠، والى دماء الشهداء والجرحى . في الوقت ذاته ندرك أن هذا الاهتمام الجديد بفلسطيني ال 48 يأتي في اطار النظره الغربيه الخاصه ، الاستعماريه ، الى اسرائيل .

والمثير للسخرية انه من أعاق اقامة القائمه ومأسسة المتابعه لأكثر من عشرين عاما ، ومن يهدد وجودها ، يقولون انهم "ابوها وامها" !!. طبعا لا يصدق أحدٌ هؤلاء. والحقيقه انه اذا كان هناك أب وأم، على المستوى الايدولوجي، فإنه التجمع الوطني الديمقراطي ذا البرنامج القومي الداعي الى توحيد العرب قومياً.

وبغض النظر عن كيفية النظر الى أهداف هذه القائمه من قبل بعض مركباتها ، الا ان التجمع رأى فيها مقدمة لخطوة استراتيجيه ، تتمثل في البدء على التعود على العمل المشترك ، والمضي نحو وحدة قوميه تؤسس لمشروع وطني جامع للاقليه القوميه الفلسطينيه داخل الخط الاخضر ، ويجري التعبير عن ذلك بمأسسة لجنة المتابعه العليا ، وفِي صلبها اقامة الصندوق القومي .

سادسا : القائمه المشتركه تمر في حالة تاكل ، وهبوط في مكانتها الشعبيه ، وهو انحدار بدأ حقيقة قبل فضيحة التملص من تنفيذ التناوب ، والسطو على مقعد التجمع ، الذي عكس الهبوط الاخلاقي في سياسات الاحزاب العربيه . بدأ هذا الانحدار في خطابها السياسي المتهافت منذ الأشهر الاولى ، ومن ثم ِفي الصراع الشخصي بين أيمن عوده وأحمد طيبي على النجوميه ، الذي وصل الى الاعلام بما فيه الاعلام العبري(ريشت بيت كرست نصف ساعه عن هذا النزاع الشخصي ) . اما فضيحة نقض العهود من قبل العربيه للتغيير ومن ثم الجبهه ، فإنها بمثابة ضربة خنجرٍ في خاصرة القائمه، و ضربة لمصداقية سياسات الاحزاب العربيه ، بعد ان كانت هذه السياسات قد بدأت تتعافى بعد النجاح في تشكيل القائمه المشتركه . انني اسمح لنفسي بالقول ان هذا السلوك هو خيانة لمبدأ الشراكة ، وتهتُّك قيمي ، وسلوك صغار .

وقد كنت اقترحت على رفاقي في قياده التجمع قبل أشهر، بسبب وصول الامر الى هذا المنحدر ونظراً للضرر الشعبي الخطير الناجم عن ذلك، الى الإعلان عن التخلي عن المقعد ، وتحميل الاخرين مسئولية هدم المشتركه، والشروع بإعادة ترميم العلاقات الوطنيه على أسس جديده، وان كانت مهمةً ليست سهله. والأن اقترحُ ان تُعاد الأموال التي سرقها الحزبان من حصة التجمع ، وتبلغ اكثر من نصف مليون شاقل ، ( ١٥٠ الف دولار ، وتوزع على مؤسسات خيريه في الداخل ، او في مدينة القدس المنكوبه، رغم حاجة الحزب لها ) . نحن نحتاج الى استعادة المصداقيه الاخلاقيه ، او ماتبقى منها ، في العمل السياسي الوطني. لانه لا يجوز ان يوضع الجميع في سلة واحده من حيث المسئوليه اذ ان الناس العاديين ليس بوسعهم متابعة التفاصيل.

سابعاً: منذ فتره يتدحرج دور المشتركه، من قائمه كان يفترض انها قائمه سياسيه وطنيه توازن بين الهويه القوميه والمواطنه، الى دور يُوغل في مسارٍ ينزع السياسه عنها، عبر التكيف مع شروط نظام الابارتهايد في التعامل مع مطالب المواطنين العرب وتفادي مواجهة جوهر هذا النظام العنصري الكولونيالي ، والميل المتزايد الى حصر هذه المواجهه في الخانه الاقتصاديه ، مثل الحصول على ميزانيات للسلطات المحليه وغيرها من المؤسسات على حساب المطالب المتمثله في حاجة المواطنين العرب للارض، وانتزاع الحق في التخطيط الوطني ، وبإقامة المؤسسات الثقافية والتعليميه الوطنيه ، العليا ، والتطوير الاقتصادي المستقل . وتزداد خطوره هذا النهج على المدى البعيد، في ظل إنكماش دور لجنة المتابعه العليا بصوره غير مسبوقه في مجال النضال الشعبي، وفي مجال التقدم في مجال المأسسه، وصولاً الى التكيف مع قمع حركات

سياسيه كبيره وزج قادتها في السجون دون سببٍ وجيه ، والتسليم بنتائج هذا القمع الكارثيه. والاخطر التواطؤ مع مهزلة العبث والمقامرة في مكانة ومصير القائمه المشتركه .

ثامناً: نظرا لكل ما سبق ، اي الهبوط في مصداقيه المشتركه ، واختزال المشاركه في الكنيست الى صراع على المقاعد في اطار لعبه إسرائيليه، وبسبب الانغماس المفرط في الكنيست ، على حساب العمل الشعبي واستراتيجية البناء المطلوبه وعلى حساب مهمة بناء المشروع الوطني الجامع المتمثل بمأسسة لجنة المتابعه. وأيضاً نظراً لعدم الاكتراث بواجب بناء استراتيجية كفاح شعبي متواصل ومنهجي ، تقوده لجان شعبيه في كل قريه ومدينة ، في مواجهة مخطط تدمير البيوت العربيه وحصار الوجود العربي ، وقضم ما تبقى من حقوق المواطنه ، وحملات التحريض الدموي ، وافقار الناس، وتفشي جرائم القتل ، وقتل الأمل لدى الاجيال الشابه ، وتصفية حركات سياسيه كبيره ، ووضع قادتها في السجون . نظرا لكل ما تقدم ، فإني أعتقد ، كما الكثيرون ، أن الكنيست، باتت ساحة مستنفدة، بل لا تهدم الاخلاق والقيم الوطنيه الاصيله فحسب ، بل أيضاً تهدم اخلاق القائد الفرد الذي تأكلت صدقيته.

وفِي ظل كل التشريعات العنصريه والمخططات العدوانيه، وقضم ما تبقى من المواطنه الشكليه بات الكثير من الناس ينظرون الى المشاركه والتمثيل في الكنيست باعتبارها غطاءً لكل هذه السياسات الاجراميه ، وكذلك وسيلة لهدم ما تبقى من قيم تضحويه وتكافل جماعي. واصبحنا نواجه اسئله من نشطاء، ومناصري القضيه الفلسطينيه في الخارج الذين ينشطون في حركه المقاطعه عن جدوى التواجد في كنيست لنظام ابارتهايد متوحش لا يسرقنا يومياً ويهمشنا فحسب، ولا يهدد مواطنتنا، فحسب، بل ايضاً بات يُهدد وجودنا الفيزيائي عبر ممارسة الاستعمار الداخلي دون توقف .

تاسعاً : ان موقفي الذي أعلنته ، عن عدم مشاركتي في الانتخابات القادمه ، ليس موقف حزب التجمع ، وان كانت وتيرة الشك و النقاش ، في اوساط قواعد الحزب ، حول جدوى المشاركه تزداد . فقد أعلنت هذا الموقف بعد ان قدمت استقالتي من المكتب السياسي واللجنه المركزيه وإعفائي من المهمات القياديه ، في الثامن من شهر فبراير الماضي، 2018(وان كان طلبي هذا لم يُبحث حتى الان) .

وكنت، قبل عامين، قد اعفيت نفسي، من الترشح للامانة العامه، وإستقلت من رئاسة الحزب في وقت حددته لنفسي عند انتخابي لهذا المنصب، انطلاقا من إيماني بضرورة التجديد ، واتاحة الفرصه لوجوه جديده ، وخاصة الشابه ، لتبوأ المسئوليه ، مع مواصلة المساهمه في خدمة شعبي ، في مجالات اخرى . وانا اعتبر خطوتي هذه ، اي إعفائي من المسئوليات الرسميه ، ايضا تجسيدا لمبدأ النقد الذاتي ، وتحملي المسئوليه ،الى جانب رفاقي ، عن النجاحات والإخفاقات وأنسجاماً مع ضروره الصدق مع الذات، فأني لا استطيع ان انتقد الاحزاب الاخرى دون ان امارس النقد على ذاتي، سواء كشخص، او كحزب.

لكن ، و رغم ما يمر به الحزب ، من صعوبات وتحديات وحصار ، فإن هذا الحزب يزخر في داخله بقوى شابه ومتجدده ، بإمكانها ان تقدم مساهمه نوعيه في مهمة تجديد الحركه الوطنيه ومشروعها ،الى جانب الألاف من طلائع الجيل الجديد غير المؤطر والذي ينشط الكثير منه في مجالات الثقافه والادب والاكاديميا والتعليم ،في اطار عملية التحدي للواقع الصهيوني ، وأفرازاته التدميرية ، والانشغال في تقديم البدائل .

تاسعا : انا مشاركٌ ( بحدود معينه ) ، ومساهمٌ ، في حراك آخذٌ في التنامي ،الى جانب أفراد ومجموعات ، تتبنى تفكيرا بديلا في مقاربة الواقع ، باتجاه بلورة رؤية وطنيه جامعه للكل الفلسطيني ، يندرج في الجهود الجاريه من تحت ، اي من خارج البنى الرسميه والحزبيه والفصائليه، للمساهمه في استرداد الروايه الفلسطينيه الواحده ، و إعادة تشكيل خطاب وطني تحرري وديمقراطي يكون بمثابة الرؤيه التي تلهم طلائع الجيل الشاب الحالي والقادم . ليست هذه الرؤيه مقطوعة عن حزب التجمع بل تصب في اطار الرؤيه الوطنيه الاستراتيجيه الاصيله لحزب التجمع الوطني .

ويتمثل هذا الحراك في مسارين لا بد ان يتكاملا .

الاول ، ولا يزال غير منظم ، هو : الدفع باتجاه تبني خيار الدوله الديمقراطيه الواحده في فلسطين التاريخيه ، التي باتت كلها خاضعة لنظام أبارتهايد كولونيالي لا تنوي حكومته ونخبتها التنازل عن اي قسم منها، ولا يظهر لا في الافق المنظور ولا المتوسط اي نية لدى حكام نظام الابارتهايد في التجاوب مع الحد الدنى من الحقوق ، وبالتالي يحتاج شعبنا لاستعادة أطروحته الاصيله ، والى لملمة شظايا روايته ، والعمل على تحقيق الوصل بين تجمعاته الديمغرافية ، وتبني استراتيجية صمود وبناء ذاتي ، جماعي ، وحمل خيار الدوله الواحده في فلسطين التاريخيه . .

الثاني ، وهو الدفع باتجاه تنظيم وتأطير كل الحراك الشعبي والأكاديمي والثقافي والفني والشبابي الجاري منذ سنوات في ساحات كل تجمعات الشعب الفلسطيني. هو حراك اسميه: اعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني من تحت. ويتمثل هذا الحراك الهام بلجان العوده ، ولجنة المهجرين ، و الحراك الشبابي ، و كتابات ومؤتمرات الأكاديميين والمثقفين الذين يُنظِّرون لاعادة توحيد الشعب الفلسطيني من حيث الانتماء التاريخي والثقافي والجغرافي ، و الانتفاضات المحدودة مثل ألحراكات الشعبيه من اجل القدس والاقصى وكنيست القيامه، والحراك الشبابي، وحملات المقاطعه التي تقودها هيئه فلسطينيه شعبيه، هي لجنة المقاطعه الوطنيه . يأتي هذا الجهد وهذا الحراك في ظل انكشاف اسرائيل كمنظومه اضطهاد واحده وموحده ضد الكل الفلسطيني ، وفِي ظل ما لحق بالروايه الفلسطينيه وخطاب التحرر الوطني من تشوه خطير ، تحت عجلات مدرسة أوسلو الذي جزأ الشعب الفلسطيني ، الامر الذي يفرض العمل على تحقيق الوصل بين كل هذه النشاطات وهذه الاطر الوطنيه لترسيخ وحدانية الشعب ، والرواية ، والتاريخ ،

والمصير . انها مهمة استرتيجيه ، ستفرض نفسها على ساحة العمل الفلسطيني في السنوات القادمه .

وأخيرا ...

ليس هذا الكلام الا دعوة للتفكر ، والمراجعة ، والتقييم . لدينا ، كشعب ، نقاط قوة كثيره ، وأهمها وجودنا الابدي على الارض ، و تجربة كفاحيه بلورت شعبا ومؤسسات ثقافية وتعليمية وسياسيه ، ولدينا طلائع جيل اكتسب وعيا وطنيا كبيرا . ولكن استمرار هذه الإنجازات ليس أمرا مفروغا منه . لانه اذا توقف العامل الذاتي عن الفعل ، والاهم ، عن التجديد والمراجعة ، والابتكار ، واذا استحوذت الذاتية والنرجسية على القاده ، واستحكم الجمود الفكري على الحركات والأحزاب ، يصبح كل شيىئ مهددا . لا يعني ان مجرد استمرار الحركه كيفما اتفق ، يوصل الى المرتجى .

ان اكثر من يتنبه الى هذه الحقيقه ، هي الاجيال الجديده: المثقفون، وطلاب وخريجو الجامعات، والعمال المثقفون، وبالتحديد الأوساط الأكثر وعيا منها ، والاكثر انفتاحا ومرونة على مجتمعهم ، وكثر حساسية تجاه معاناة افراده ، وهمومهم اليوميه .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير