الفلسطينيون يبدلون أسلوبهم في التعامل مع ترامب

11.03.2018 10:56 PM

كتب: داود كتاب

بعدما كان القادة الفلسطينيّون يبادرون في البداية إلى الردّ على كلّ قرار أو بيان أو تغريدة مؤيّدة لإسرائيل تصدر عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يبدو أنّهم اعتمدوا تكتيكاً جديداً. فقد توصّلوا، على ما يبدو، إلى الاستنتاج بأنّ جزءاً كبيراً من الأفعال والأقوال الصّادرة عن ترامب موجَّه نحو قاعدته، ولا يندرج في إطار سياسة خارجيّة مدروسة جيّداً. وخير دليل على هذا التحوّل ردّ الفعل على القرار الصّادر مؤخّراً عن البيت الأبيض بشأن السفارة الأميركيّة.

تفاجأ الكثيرون بالإعلان عن أنّ تدشين السّفارة في القدس سيجري في 14 أيار/مايو المقبل، فنائب الرّئيس الأميركي مايك بنس كان قد صرّح علنًا، في خلال زيارته العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في 22 كانون الثاني/يناير، أنّ الخطوة لن تتمّ قبل أواخر العام 2019. وقد جاء ردّ الفعل الفلسطيني مكظوماً بغضّ النظر عن الدّافع وراء البيان الأخير أو عمّا إذا كان الحدث سيقتصر على تعليق لافتة على مبنى في القدس.

قام ناصر اللحام، رئيس تحرير وكالة "معاً" الإخباريّة المعروف عادةً بتضخيمه للأمور، بالتقليل من شأن المسألة في حلقة 24 شباط/فبراير من برنامجه التلفزيوني الشهير "الحصاد". قال اللحام، وهو من أنصار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لصحيفة "عرب نيوز" الصّادرة في السعودية، إنّه يعتقد أنّ الهدف وراء قرار نقل السفارة في أيار/مايو هو "إثارة الهلع في صفوف القيادة الفلسطينيّة"، معتبراً أنّ "الإحجام عن ردّ الفعل هو، بالتالي، السبيل الأفضل نحو الأمام".

وأضاف اللحام قائلاً، "يجب أن نوصل رسالة فلسطينيّة مفادها أنّ هدفنا هو دعم صمود شعبنا في القدس، وعدم المسارعة إلى الردّ عند كلّ قرار استفزازي يصدر عن واشنطن".

وقال للمونيتور مهدي عبد الهادي، مدير "الجمعيّة الأكاديميّة الفلسطينيّة لدراسة الشّؤون الدوليّة"، إنّ القيادة الفلسطينيّة رأت أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وترامب يتخبّطان في فضائحهما ومشكلاتهما الداخليّة، وبناءً عليه، فإنّ أفعالهما وأقوالهما مصمّمة بشكل أساسي للاستهلاك الداخلي.

وتابع عبد الهادي بقوله إنّ "نتنياهو وترامب خطران على السّواء، لأنّهما ضعيفان بسبب فضائحهما ومشكلاتهما الدّاخلية". وهذه المشكلات تدفع بالزّعيمَين إلى استخدام القدس لتحويل الأنظار عن صعوباتهما الداخليّة.

ينظر أنيس سويدان، مدير الشّؤون الخارجيّة في منظّمة التحرير الفلسطينيّة، بطريقة مختلفة إلى تغيّر أسلوب الفلسطينيّين في الرّد. فقد قال للمونيتور إنّه "نظرًا إلى القرار الاستراتيجي الذي اتّخذته القيادة الفلسطينيّة بعدم الانخراط في مفاوضات تقودها الولايات المتّحدة حصراً، وسعيها إلى الحصول على مشاركة فرنسيّة وروسيّة، لا تريد القيادة مزيداً من التّصعيد مع الأميركيّين". كذلك لفت سويدان إلى أنّه من الواضح أنّ الفلسطينيّين يحاولون اختيار معاركهم مع الأميركيّين، بدلاً من المسارعة إلى الردّ على كلّ قرار.

قال للمونيتور أوفر زالزبرغ، وهو محلّل رفيع المستوى في "مجموعة الأزمات الدوليّة" التي تتّخذ من بلجيكا مقراً لها، إنّه يعتقد أنّ ردّ الفعل الفلسطيني المكظوم يمثّل مجهوداً متعمّداً لتركيز اهتمامهم على المسائل الأكبر.

ولفت في هذا الإطار إلى أنّ "القيادة في رام الله تتوخّى عمداً الحذر والتّحفّظ في الرّسائل العامّة التي توجّهها راهناً"، مضيفاً، "لا تدري القيادة الفلسطينيّة ما إذا كان قد تمّ تحديث الخطّة ’النهائيّة‘ التي وُضِعت برعاية ترامب والتي كان [وليّ العهد السعودي] الأمير محمد بن سلمان أوّل من قدّمها إلى عباس، وإلى أي درجة تَحقّق ذلك، وهي بالتالي تنتظر صدورها بشكل رسمي لمعرفة ما إذا كان عليها أن ترفضها رفضاً قاطعاً أم أن تسعى إلى الحصول على الدّعم من أفرقاء دوليّين كبار آخرين من أجل إنشاء منصّة تفاوضيّة تخضع بموجبها الخطّة لمزيد من المراجعة والتنقيح بما ينسجم مع المواقف الدوليّة التقليديّة".

يشعر الفلسطينيّون أنّهم أوصلوا وجهة نظرهم إلى ترامب من خلال قرارهم الحازم بعدم التحدّث مع الأميركيّين بعد صدور إعلانه عن القدس في مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر المنصرم. ويعتبر المراسل في الولايات المتحدة، آرون مجيد، أنّ مقاطعة عباس للأميركيّين أغضبت واشنطن، وقلبت الطّاولة على ترامب. كتب مجيد في عدد الشّهر الماضي من المنشور الالكتروني "ماتزاف ريفيو" الصّادر عن "منتدى السياسة الإسرائيلية"، أنّ المقاطعة من جانب عباس تحوّلت إلى ورقة الفلسطينيّين الرابحة في وجه ترامب.

وأشار مجيد إلى أنّ "رفض عباس لعمليّات السّلام التي تقودها إدارة ترامب، والتي تعتبرها غالبيّة عظمى من الفلسطينيّين شديدة الانحياز، يساهم في الواقع في تعزيز موقفه داخلياً"، مضيفاً، "ربّما أدرك البيت الأبيض شيئاً فشيئاً حجم النفور الذي أثاره لدى رام الله بمبادراته الأخيرة تجاه نتنياهو".

من الواضح أنّ الفلسطينيّين هم الفريق الضّعيف في السّجال الدّائر حول عمليّة السّلام، وقد قرّروا أنّ عليهم توخّي الحذر في طريقة تعاطيهم مع المواقف الأميركيّة الشديدة الدّعم لإسرائيل. هم يريدون تصويب الأمور، إنّما عليهم أن يختاروا معاركهم السياسيّة بحكمة.

يبدو إذًا أنّ القادة الفلسطينيّين قرّروا أنّ نباح ترامب أسوأ بكثير من عضّته، وأنّ عليهم تركيز طاقتهم بدلاً من هدرها بعد كلّ إعلان صادر عن الأميركيّين.

 

Read more: http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2018/03/palestine-trump-reactions-moving-us-embassy-jerusalem-silent.html#ixzz59TZGCf1H

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير