نادية حرحش تكتب لـوطن: بين عزل وانحلال.. مجتمع يقف على حافة هاوية

18.03.2018 10:52 AM

انتشر قبل أيام كتاب موقع من قبل "وجهاء" أولياء الأمور في الخليل إلى مدير التربية والتعليم، لرفض واستنكار النشاطات اللامنهجية التي يتعرض لها أبنائهم على حسب ما ورد في الكتاب، من برامج واحتفالات ومسابقات فنية وغنائية مختلطة، وإقحام الرقص والدبكة التي تخالف قيمنا وأحكام ديننا الحنيف، وكذلك مسابقات المارثون، وكذلك يعترض الموقعون على السباقات المختلطة ليل نهار سواء كانت رياضية باختلافاتها. وعليه يطالب الكتاب الى كف اليد عن ابنائهم والتوقف عن هذه الممارسات التي تؤدي لهدم العفة والأخلاق وتمييع سلوك الابناء.

في الحقيقة، كان من المحزن الامعان في قراءة محتوى الكتاب لأكثر من مرة، حاولتُ أن اجد مخرجاً مقنعاً للموقعين على هذا الكتاب ومن يشدون على ايديهم. ما الذي يمكن قوله عندما تصبح النشاطات اللامنهجية "تعرض" للأبناء والبرامج المقدمة "اقحام" ويصبح الرقص والدبكة "مخالف لقيمنا واحكام ديننا". ما الذي يمكن تبريره عند الغضب من نشاطات رياضية مختلطة واعتبارها "ممارسات تؤدي لهدم العفة والأخلاق وتمييع سلوك الأبناء"؟ ما الذي يجري في المجتمع ؟!.

لماذا يتم "جنسنة" كل ما يمكن القيام به بطريقة تبدو وكأنها إباحية. أقرأ في هذه العبارات وأتخيل ما الذي يخدش عفة هؤلاء عندما يشترك طلاب وطالبات مدارس بمسابقة رياضية ؟ ما الذي يقلقهم اذا ما تزاحم الأبناء والبنات وتلامسوا بالمسابقة وضربوا الكف على الكف اذا ما كسبوا، أو اذا ما طبطب الواحد على الاخر اذا لم يوفق. نتكلم هنا عن أطفال، أشبال. نتكلم هنا عن جيل يافع نريد منه بناء الوطن.

في الخليل نفسها تم زف الشهيدة للشهيد. كيف نستنكر نشاطات تجعل من حياتنا طبيعية ونرقى بأبنائنا فقط عندما نرسلهم شهداء؟
أليس داعش ،مثالا حيا على كم التخلف الذي يحاول البعض دجنا به؟ انا لا أشك بحرص الاباء على ابنائهم وبناتهم. من منا لا يحرص ؟ من منا يريد ان يخدش ابنه حياء وقيمة وأخلاق؟ من منا يريد ان يعرض ابنه للفاحشة والانحلال؟.

في عالم اليوم الذي يحمل كل طفل وشاب فيه هاتفا ذكيا ،يدخل من خلاله الى كل العالم . الاغاني التي يسمعوها ، الفيديوهات المتداولة ، الاخلاق المنعدمة في حياتنا. ما الذي نريده من ابنائنا وبناتنا ؟

هل الاختلاط هو الخطر ؟ الرعب؟ الانحلال؟
كيف يكون هذا ، والرجل من هؤلاء يريد الزواج من مثنى وثلاث وان استطاع ان يجعل ملك اليمين كحظيرة في فناء بيته؟ كيف يريد هؤلاء عدم الاختلاط لأبنائهم وبناتهم وكل ما في حياتهم مختلط؟ لماذا الخوف والهلع من الانفتاح على الاخر؟ أيريد هؤلاء من بناتهم أن ينتهوا الى سبي او ملك يمين تحت اسم الدين؟ هل يريدون الاسلام من خلال عمائم داعش واخواتها من متخلفين ضربوا الاسلام وشوهوه؟

قد يكون الاختلاط في ثقافتنا ومجتمعنا المحافظ موضوع حساس. ولا اتنكر لهذا. ولكن.. هل يعتقد هؤلاء ان حماية الابناء والبنات تكون عن طريق العزل؟ ألن يأتي شاب بعد سنوات ليصبح زوج فتاة ما؟ اليست النتيجة الطبيعية في حياتنا هي الاختلاط؟ لماذا نخاف ان يكبر ابناءنا وبناتنا معا؟ لماذا نعترض على اختلاط تحت عيوننا وعلى مرأى البشر من أساتذة ومربين وأهل؟ ألا تجلس الطالبة بصف به أستاذ؟ ألا يجلس الطالب بصف به معلمة؟.

من خلال وصف النشاطات بالكتاب الموقع ، استطيع ان افهم هول المسألة، صرت أتخيل كل حركة يقوم بها الطلاب والطالبات والاساتذة والمراكز العامة وما يجري بالمرافق المختلفة وكأننا في حياة اباحية؟ اليس الطبيعي ان يعيش الابناء والبنات وافراد المجتمع من ذكور واناث باختلاط ينظر الواحد الى الاخر ويحترمه ويقبله ويقدره على ما هو عليه؟ اليس علينا ان نقدر مواهب ابناءنا في الرياضة والفنون بدل قمعها وطمسها تحت مسمى الموروث الخاطئ؟

أعجب من عالم الرجال الذين يبجلون أمهاتهم حتى القداسة، كيف ينسوا أن هذه الانثى هي من قامت على ان تصبح هذا الرجل؟ هل كانت ناقصة وهي تربيك؟ الم تكن العلاقة مبنية على الاختلاط ، كيف ارضعتك امك وهي الانثى ؟

من المؤسف ان نحول كل ما يقوم به الرجل والمرأة في الحياة العامة على انها افعال جنسية. ما الذي سنتوقعه من ابنائنا اذا ما كبروا على ان هذا الذكر هو ممنوع وهذه الانثى هي ممنوعة ؟ ما هي التعاليم التي نعتمد عليها في مفهومنا للعزل؟ ألم تربي فاطمة بن اسد الرسول؟ ألم تكن عائشة ناقلة أحاديث الرسول الى عالم المسلمين في معظمها؟ ألم تكن نسيبة المازنية ممرضة الجيوش أيام الفتوحات؟ ورفيدة الأسلمية مطببة الجرحى في الغزوات؟ ألم تكن خديجة سيدة قومها؟ وكانت أول من حضنه واستقبل نبوءته؟ ألم تكن أسماء ذات النطاقين حامية الرسول؟ ألم تسمعوا عن أم ورقة الأنصارية التي بايعت الرسول مع الأنصار؟ وليلى الاخيلية الشاعرة المتقدمة على الشعراء في ذلك الزمن؟ وسمية  بنت خياط أم عمار بن ياسر؟ ألم يعلمنا ديننا عن مريم وبلقيس وأمرأة فرعون؟ ألا يقول لكم هذا ان التاريخ والحضارة الانسانية والاسلامية تأسست باختلاط الذكر والانثى ؟

نريد مجتمعا محصنا بالاخلاق؟ التحصين لا يكون هكذا،  لماذا لا نترك أبناءنا وبناتنا يكبرون امام اعيننا واعين المجتمع بلا خوف وشك ورعب من الاختلاط؟ ثم نتساءل عن أسباب انحراف هذا المجتمع؟

انحطاط الاخلاق ليس بسبب الاختلاط ، ولكن بالعكس تماما ، سببه مبدأ "كل ممنوع مرغوب" اتقوا الله في أبنائنا وبناتنا..

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير