فقدان البوصلة عن خطاب عباس

20.03.2018 11:39 PM

كتب عوض عبد الفتاح: كأن الشعب الفلسطيني بحاجه الى مقادير جديده من شحنات التيئيس ، والى خناجر اضافيه تُغرس في خاصرته والى المزيد من العصيٍ في دواليبه  . لا يمكن وصف خطاب عباس تجاه حركة حماس ، والتوعد بفرض المزيد من العقوبات ، على الحركه ، التي هي عمليا عقوبات جماعية على عموم الفقراء والمعدمين في القطاع ، سوى انه خطاب عدمي ، بل اكثر من ذلك، انه خطاب  تحايلي يهدف من ورائه الى التهرب من الاعتراف بالمسئوليه عن فشل مشروعه التفاوضي الفاشل والكارثي ، واستخلاص النتائج . انه تعبير عن احباط عميق يعيشه رئيس السلطه الفلسطينيه ، جراء اكتشافه متأخرا الخداع الامريكي ، وبعد ان تم استعمار الحيّز الذي كان مفترضا انه مخصص للدوله الفلسطينيه . يعيش  رئيس السلطه الفلسطينه داخليا الشعور بالخديعة والفشل،  لكنه ، مثله مثل الحكام العرب ليس مبنيا للاعتراف بالمسئوليه  . طبعا ، ليست حماس بريئة من المسئوليه عما وصلت اليه الامور في قطاع غزه ، ولكن الإسراع  في اتهامها بأنها تقف خلف محاولة اغتيال رئيس حكومة السلطه ، رامي الحمدالله ، وقبل انتهاء التحقيق ، ليس بريئا ، اذ يستبعد معظم المعلقون ان يكون لحماس اي مصلحه في التخطيط لحريمه  على هذا المستوى  . بل ينطوي على نوايا جديده للتهرب من تحقيق المصالحه .

    تجرأ ابو مازن ، في السنوات الأخيره ، وتحديدا في ظل حكومة نظام نظام الابارتهايد الاستعماريه الحاليّه ، بزعامة نتنياهو ، على وقف المفاوضات  ، وعلى تصعيد لهجته ضد هذه الحكومه الاستيطانيه ، وضد طاقم الادارة الامبرياليه الامريكيه الجديده . ولكن دون اتخاذ خطوات جديه تعكس هذا المستوى من التصعيد اللغوي ، ولا أقول السياسي ، مثل سحب الاعتراف بإسرائيل ، والانخراط في حملة مقاطعه دوليه لكيان الابارتهايد  ، ووقف التنسيق الامني ، واعتماد مقاومه شعبيه واسعه  غير مسلحه ، التي بات الجميع يميل الى تبنيها ، مما يسحب الذريعة التي دأب ابو مازن على التذرع بها وهي ان  الانتفاضه المسلحه كانت نتائجها  كارثيه . والمفارقة ، ان التعامل مع حركة حماس بشكل خاص ، وقطاع غزه بصوره عامه ، اتسم بالتطرف الجامح  ، بل حتى بالوحشية . اذ كيف يمكن وصف فرض قيود على معيشة الناس هناك ، أناس يعيشون الحصار الصهوني الوحشي ويموتون كل لحظه ! وقد تساءل بمرارة  احد المواطنين في غزه الذي التقته احدى الفضائيات في الشارع :  " على من يفرض العقوبات ، انه يفرضها على أناس ميّتون ، ماذا بعد ٠٠" .  انه عقاب جماعي ينضم الى العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزه ، بل انه أشبه بالمشاركه في التمثيل بجثة ، أدماها الحصار الصهيوني .

    لقد تمادى ابو مازن ، في مخاطبته ممثلي الفصائل، حين اتهمهم بالنفاق لان العديد منهم يُحمّل الطرفين المسئوليه وليس فقط حركة حماس عن عدم تحقق المصالحه.  ويستحق بعض هؤلاء هذه التعامل المتعالي من رئيس السلطه لأنهم يفتقرون ايضا  لعمود فقري عقائدي ، وموقف سياسي صلب ، وجرأه في النقد  . هو يريد من الجميع ان يرفعوه على الاكتاف ، ويزكون سياساته ، التي يتخذها لوحده مع بعض المقربين ، بأنها  كانت صائبه، ونيته كانت صافيه ،  وان الأعداء هم الذين خدعوه . انها عقلية الحكام العرب الذين تفردوا بالقرار ، ويحملون الغرب وحده عن إخفاقاتهم ، والذين أقاموا جدراناً   ، من الاٍرهاب والتخويف لحمايتهم من شعوبهم التي عادت و فجرت غضبها على حين غره ، وأسقطت جدران الخوف . انها العقليه نفسها التي لا تعترف بالمسئوليه .

     في ظل هذا الواقع الفلسطيني والعربي ، شديد البؤس والحافل بالسقوط ، يضطر القابضون على الجمر ، والذين فقدوا الثقه بالنظام السياسي الفلسطيني ، المتهالك ، والمصرون على مواصلة خوض معركتهم ضد اليأس والتيئيس ، الى قدر هائل من رباطة الجأش ، والى جهد خارق للحفاظ على روح الرفض ، والمضيّ في رسم طريق الأمل . ليس أمرا مفروغ منه ، ان يختار  أفراد، بمبادرتهم الخاصه ، قتال الاحتلال . وليس أمراً  مفروغ منه ، ان يواصل البعض التحرك ، بعيدا عن الأعين ، نشطاء في العمل الاجتماعي والتعليمي  ، و مثقفون ، وأكاديميون ، وأدباء ، في جهد يهدف الى استرداد الروايه الفلسطينيه ، التي تربط الاجيال الحديده بحسً تاريخي جماعي ، وشباب وشابات ينخرطون في برامج تواصل مع أقرانهم في جميع تجمعات الشعب الفلسطيني  . وليس أمرا مفروغا منه ، ان يتفتق عن اذهان اوساطٍ فلسطينيه ، شعبيه وشبابية ، في قطاع غزه المحاصر ، مبادرات الزحف في مسيرات عوده الى فلسطين . انها صرخات العدل والحريه ، صرخات الغضب والاحتجاج على تواطؤ النظام العالمي الذي فقد كل ماتبقى من قيم اخلاقيه وانسانيه  ، مع نظام الاستعمار الصهيوني .

   شعبنا ، يستطيع ، اذا ما تحرك من تحت ، وغير منتظرٍ لأوهام المصالحه ، ومتجاوزا مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني الرسمي والفصائلي ، ان يراكم فصول من الصمود والتقدم والبناء ، وصولا الى اللحظه التي تستقطب غالبية الشعب ، حول قضيته . ان انتظار تحقق المصالحه من فوق ، هو تضييع لوقت ثمين ، وهو قعود عن واجب الابتكار ، وكسل فكري واخلاقي .

    لا امل في الطبقه السياسيه الراهنه . ليس فقط انها لا تريد ان تحرر نفسها ، بل لا تسطيع ،  لان المصالح التي تراكمت عبر اكثر من عشرين عاما من حياة اسلو ،  أفرغت الروح الثوريه من هذه الطبقه السياسيه ، وربطتها بقيود ومصالح مع مشاريع الاحتلال   . وبالتالي لا يغير قرار هذه الطبقه بالمناشده والحوار ، بل بالضغط من تحت . وجميع اتفاقات المصالحه التي عقدت بين طرفي الانقسام جاءت من فوق ، بضغط انظمه عربيه ، وليس من تحت ، اي  من الأوساط الشعبيه . ولهذا ، تغدو المبادرات الشعبيه ، الشبابيه ، والاكاديمية المستقله  ،التي تشهدها الساحه الفلسطينيه منذ سنوات لاعادة اطلاق الفعل الثوري الفلسطيني ، أشد الحاحا ، وكثر نفعا .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير