مواقف يخلدها التاريخ

21.03.2018 10:17 AM

كتب: محمود السرسك

الشيخ بسام السعدي أبو ابراهيم والد الشهداء ورفيقهم واسطورة الجهاد الشامخة الذي لم تنحني رغم كثرة الصعاب.. موقف لن ولن انساه ما حييت

في زنزانتي بسجن الرملة ويوم ان كان الاتفاق على انهاء اضراب الاسرى في العام 2012 بعد الموافقة على مطالب الاضراب الجماعي للاسرى في سجون  الاحتلال، كنا ثلة من الصابرين المضربين عن الطعام ابتدئنا قبل اضراب 17 ابريل بما يقارب 33 يوما، ومنا من بدء قبل الاضراب باربعين يوما وكانت هيئة قيادة الأضراب تقود دفة المفاوضات لانهاء الاضراب الجماعي، وفق شروط الاسرى ومنها ملف الاسرى الاداريين واصحاب الأضرابات الفردية لانهاء الأضرابات بشكل عام، ولكن تأخر اعلان أنتهاء الاضراب بعد الموافقة على شروط الاسرى، ونزول مصلحة سجون الاحتلال راكعة امام جبروت وصمود الاسرى المضربين على سبعة اسرى، وكنت من ضمنهم، فطُلب من اعضاء لجنة قيادة الاضراب ان يتوجهوا الى سجن الرملة للوصول الى حلول لانهاء الاضراب الفردي، ضمن خطوات انهاء الاضراب الجماعي، والذي كان برعاية الوسيط المصري.

كان الشيخ بسام السعدي ابو ابراهيم ضمن الوفد المفاوض والذي كان يتكون من الاخ جمال الهور والاخ شحته تايه ابو اسامة والاخ ناصر ابو حميد على ما اعتقد وبعض الاخوة الاخرين الذين لم اتذكر اسمائهم جيدا، وتم احضارنا اصحاب الاضرابات الفردية الى قاعة، كان يجتمع بها الاخوة قيادة الاضراب وممثلين عن مصلحة سجون الاحتلال والاستخبارات وقيادة المخابرات، مثمثلة بمسؤول ملف المخابرات في سجون الاحتلال دكتور بيتون، وثم الحديث عن ملف ملف لنا، ابتدء بالاسير بلال ذياب مرورا بثائر حلاحلة وعمر الشلال ابو موسى والاخ سامر البرق والشيخ حسن الصفدي ابو خالد، وثم منحهم قرارات جوهرية بتواريخ معينة.

يومها استمر الجدل حول امكانية فك اضرابي من عدمه بصحبة الشيخ أكرم الرخاوي، وكانت المفاوضات عبارة عن كسر عضم حيث فرضت المخابرات الاسرائيلية شروط لم اتوافق عليها بين شد وجذب ثم على اثرها السماح بمكالمات هاتفية مع عائلتي، من اجل الضغط عليّ لانهاء الاضراب حسب شروطهم، اما الابعاد بحجة العلاج وبالتالي فتح باب امام الاسرى اصحاب الاضرابات الفردية بامكانية الابعاد لفترات خارج فلسطين، واما استكمال فترات داخل السجن على ان يحدد تاريخ لم اوافق عليه لاطلاق سراحي، وكان الضغط والتوتر ظاهر على قيادة الاضراب من اجل انهائه وتبليغ السجون بالانتصار وانهاء الاضراب كنت حينها على كرسي متحرك نتيجة الضعف والارهاق الجسدي لطول فترة الاضراب الذي تجاوز الـ65 يوما، ان ذلك وكان من ضمن المضربين معنا ومعزول في سجن الرملة القائد أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية وكانت زنزانته في مقابل القاعة التي ثم جلبنا اليها، طلبت ان يتم اعادتي الى الزنزانة بعد رفضي الشروط، فتم اخراجي من القاعة ووضعي على بابها الخارجي المقابل لزنزانة ابو القسام الرفيق احمد سعدات، الذي اسمعني كلمات بثت بي الروح من جديد وكلأنني دخلت للتو في الاضراب الفعلي من جديد، وحثني على المواصلة وعدم القبول بانصاف الحلول الى ان لاحظ السجان بأن حوار يدور بيني وبين القائد احمد سعدات بالقرب من باب زنزانته وكان بجواري الاخ حسن الصفدي صديق المحنة الذي اهدى مسبحته لأبو القسام حاثه ايضا على الصبر واخباره بأن الاضراب الجماعي قد انتهى فعليا بانتصاركم وهنئه بالسلامة والنصر قبل ان يتم اعادتنا انا والاخ حسن الى الزنازين.

بعد لحظات فتح باب الزنزانة وكان القادمين الاخوة في قيادة الاضراب الشيخ بسام السعدي والشيخ جمال الهور والشيخ شحته تايه ابو أسامة وعلمت بان مصلحة السجون اعطتهم الوقت لاقناعي بشروط مرنه تم التوافق عليها بين الوفد المفاوض عن الاسرى، والمصرين ومصلحة السجون، وكانت ايضا شروطي واضحة ورافضا لاي فكرة جديدة ممكن طرحها والقبول بها من قبل السجان، وكان واضحا باني لن اكسر اضرابي ما لم توافق ادارة السجون على شروطي الذي أشرعة في اضربي لاجلها مثمتلة بحريتي دون تأخير والحصول على توقيع خطي من قبل المخابرات ومصلحة السجون والمستشار القانوني لدولة الاحتلال و الرجوع لقطاع غزة، ورفض فكرة الابعاد، تحدث الوافدون بما في جعبتهم وكانت ظاهرة على وجوههم رفضهم لما جاؤوا به قبل ان يسمعوا رفضي لما اتوا به ولم يظهروه لفظيا بقدر ما اظهروا رفضهم بايحاءات نتيجة لوجود رجل الاستخبارات التي يجيد اللهجة العربية كلغة أم يتحدثها، خرج الوفد دون نتائج فاضي الوفاق، وهنا تجلت عظمة هذا القائد الفذ الذي تعلمت منه الكثير فترة اعتقالي داخل قلاع الاسر على الصعيد الفكري والادبي السياسي والاجتماعي وكان بمثابة الأب الحاني لنا جميعا حيث طلب بان يبقى معي منفردا بحجة اقناعي والتأثير عليه فعاد قائد الاستخبارات بعد اتصال اجراه مع المخابرات ومصلحة السجون، بأن منح الشيخ بسام بالانفراد بي لاقناعي لمدة ربع ساعة لا أكثر على ان يعلنوا بعدها نتائج الاجتماع لاجل انهاء قضية الأضرابات في السجون.

عاد باب الزنزانة وانفتح من جديد وكان القادم ابو ابراهيم الشيخ بسام بقي بجانب الباب الى ان تم اغلاقه ومغادرة السجان فاقبل كالبرق مقبلا جبيني واول ما قاله الحيطان ليها ودان واقترب مني والدمعات قد سالت على خديه، واخد يقبل راسي ويداي وغمرني بشوق كشوقي لعناق اهلي، وقال لي الشباب بالقلاع مراهنين على اضرابك واضرابهم لا يهمهم بقدر ما يهمهم انتصارك واذلالهم، قال لي العالم منتفض بالخارج لاجلك اخبرني اذا كنت تستطيع المواصلة ام انك تشعر بالتخلي عنك نتيجة موافقة اخوانك على انهاء اضرابهم، فأجبته بأن مخزون الطاقة لازال في ارتفاع لا تقلق نقل لي رسائل كثيرة في لحظات كانت كفيلة ان ترفع معنوياتي لتعانق السماء واخبرني بان التواصل مع الخارج تمام، وان امكانية الدعم لاضرابك الفردي مهيئ ويعتمد على صلابتك، لن يبقى اضرابك طويلا لا تقبل بانصاف الحلول شروطك ستتحقق بصبرك وايمانك بنصرك الحتمي باذن الله، وقبّل رأسي مرة اخرى وقال لي هذه من أمك وابيك وهذه من اخوتك في الاسر والثالثة مني ومن اخوك عماد... سوف يخرجوني قريبا ولكن ثق تماما بانك ستغلق ملف سيسلط كالسيف على رقاب اخوانك الاسرى الغزيين بانتصارك، وإن سلمت باي حل يطرحونه، وفي نهاية الحديث ابلغني بأني سأعمل مع اخوتك الأسرى بالضغط داخل القلاع لاجبار مصلحة السجون والمخابرات بالسماح للمحامي بزيارتك بعد هذا الرفض الطويل وتذكر بأن اصرارك سيخلده التاريخ وستفرح به أمك المشتاقة لعناقك، ولكن برضاي عليك يا محمود ان رأيت اي خطر على حياتك فلا تجازف واطلب زيارتي فورا لا نريد ان نخسر وردة مثلك.

انتهت المقابلة وبعد ان كنت افكر بأني سابقى وحيدا في الاضراب وسيستفرد بي السجان وجدت نفسي اسدا في العناد والتأكيد على مطالبي بعد مقابلة هذا الاب والمفكر والمحب ابو ابراهيم الذي شحن معنوياتي، حتى بت مقتنع بأن الاضراب بدء ببداية انتهاء الاضراب الجماعي، والذي استمر بعده اضرابي ما يقارب الثلاثين يوما الى ان تحققت مطالبي بالعودة لقطاع غزة ورفض فكرة الابعاد بحجة العلاج والحصول على ورقة موقعة بالتاريخ الذي طلبته من قيادة المخابرات والاستخبارات وقيادة الجيش في المنطقة الجنوبية والمستشار القانوني لدولة الاحتلال كاول حالة فلسطينية اسيرة تحصل على اعتراف خطي من قبل الاحتلال تثبت انتصار الارادة الفلسطينية الاسيرة على السجان، وكسر قانون المقاتل غير الشرعي الذي تم ابتداعه كتحايل على القانون ليكون سيف مسلط على اسرى قطاع غزة، وانزالهم عن الشجرة الذي كانوا قد صدعوا راسي بها اثناء المخابرات بأنك طلعت على الشجرة ولا تستطيع النزول عنها وبهذه الورقة ارادتنا هي من احرجتكم بعد ان غاليتم بمطالبكم واستخفافكم بصمودتنا، فانتم من طلعتم فوق الشجرة ولم تحسنوا النزول عنها فانزلناكم راغمين منكسرين رغما عن أنفكم.

الشيخ بسام السعدي ابو ابراهيم تم اعتقاله قبل أيام بعد مطاردة استمرت خمس سنوات لن تثنيه عن مواصلة مشواره الجهادي رغم كبر سنه واشتداد المحنة والمضايقات من قبل القريب والغريب، مؤمنا بان الجهاد ضد المحتل حق مشروع وان فلسطين حق للفلسطينيين وان القدس بوصلة وتيرمومتر الاسلام والمسلمين ويجب ان تبقى حاضرة على الخارطة السياسية والاسلامية كأرض وقف اسلامي حق على كل قادر مهما كبر بالسن ان يضحي من اجلها وان يرفض هذا الاستعمار الاسرائيلي لارض فلسطين.

الحرية لك ابي ومعلمي ورفيق الدرب والمحنة الشيخ بسام السعدي ابو ابراهيم وجميع الاسرى الفلسطينيين والفرج القريب نتمناه لكم منتصرين على جبروت هذا المحتل باذن الله تعالى .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير