"يوم القيامة".. سلاح الفلسطينيين الجديد يرعب اسرائيل حد الموت

21.03.2018 03:38 PM

ترجمة خاصة-وطن: هو السلاح الذي يُجمل كل المخاوف التي يمكن لإسرائيل ان تتخيلها. وهو السلاح الذي لن يصمد امامه أحد اقوى جيوش العالم، وأكثرها تقدما، أي جيش الاحتلال. انه السلاح الذي يمكن ان ينجح حيث فشلت التفجيرات، والصواريخ البالستية، والأنفاق الهجومية المتطورة.

انتظروا هذا السلاح على بعد نحو أسبوع من الان، في عيد الفصح الوشيك.

انه سلاح "اللاعنف"
فابتداء من عيد الفصح، وعلى بعد أسبوع واحد فقط من يوم الجمعة المقبل (23 اذار)، يعتزم الفلسطينيون القيام بمسيرات شعبية حاشدة باتجاه الداخل، والأراضي الواقعة تحت السيطرة الاسرائيلية، وفق مصطلح الكاتب. كما سيتضمن ذلك اليوم المشهود، الكثير من الاعتصامات، ومسيرات الشموع، والصلوات.
يسعى الفلسطينيون الى ذلك في خطوة ضاغطة، تهدف الى جذب الاهتمام الإسرائيلي، والاهتمام الدولي، الى القرار الاممي رقم (194)، الذي يعتبر بمثابة القاعدة القانونية ل "حق العودة للاجئين الفلسطينيين".

وخطة الفلسطينيين لهذا اليوم هي على النحو التالي: لن ترى أحدا من الفلسطينيين مسلحا، لن يقوم الفلسطينيون برجم جنود الاحتلال بالحجارة. وسيتم تنظيم هذه الفعاليات هذه المرة بطريقة غير معهودة. حيث ستتولى العشائر والعائلات مهمة الدعوة اليها، وتنظيمها، وقيادتها، بدلا من المجموعات المسلحة، كما جرت العادة عند الفلسطينيين. ولدى الجماهير الفلسطينية تعليمات، من الان، لتجنب أي اشتباك مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وعلى الجانب الاخر، فان إسرائيل وجيشها غير مستعدة لهذا الهجوم الفلسطيني السلمي، وتفتقر الى أساليب الرد المناسبة. على الرغم من انها مستعدة لما هو أخطر من ذلك، حيث تملك حصونا دفاعية جاهزة ضد كل أنواع الهجمات: سواء الهجمات من الفضاء، او من الفضاء الإلكتروني، او من الغواصات النووية، او من اية آلة للقتل ابتكرها الإنسان.

وتعقيبا على ذلك، قال رئيس جهاز الشاباك الاحتلالي السابق، ووزير الدفاع السابق أيضا، آفي ديختر: "كل ما كنا نسمعه من دعوات الى المسيرات الجماهيرية كان بسيطا في السابق. اما الان فسيصبح حاشدا، لأنه اضحى السلاح الوحيد الفعال بيد الفلسطينيين، وربما الأخير. وهي تطورات بالغة الصعوبة بيد الجانب الفلسطيني". وأضاف: "هذه حرب غير عسكرية. إنها حرب الجماهير، وهي مختلفة كثيرا في اساليبها، وفي أساسياتها".

ويضيف ديختر، العضو البارز في حزب الليكود، ورئيس لجنة الخارجية والامن في كنيست الاحتلال، في تصريحات لإذاعة جيش الاحتلال : "سيحتشد الالاف، او عشرات الالاف من الفلسطينيين، بعد ظهر يوم الجمعة، عقب أداء الصلاة، من اجل حشودهم، ومسيراتهم، واعتصاماتهم. وربما يصل العدد الى أكثر من ذلك. انها معركة جديدة، وغير معهودة للجيش. ومن المؤكد انه لم يعد نفسه لهذا النوع من المعارك".

ويضيف: "هذه ليست صواريخ، وليست عبوات ناسفة، وليست نوعا من الاعمال التي استعد لها الجيش، واعتاد على التعامل معها. بل انها عمليات مختلفة، تتطلب نظرة واستعدادا وتصرفا مختلفا من الجيش. والا، سيقع في هفوات كثيرة".

طيلة عقود من الزمن، جرى تدريب جنود الاحتلال على كل الأدوار، وفي جميع أنواع المواقف القتالية الممكنة. وبعد ذلك، وبسبب المواقف الشرسة، والمقاومة المتنامية، تم توجيه معظم العمل والاولويات نحو تامين احتلال أكثر ديمومة. ولهذا كان يطلب الى الجنود أنفسهم، وبشكل روتيني، ان يعملوا وفق قواعد عمل وتصرفات الشرطة، وليس كجنود جيش فحسب. وكان مطلوبا من ذات الجنود إيجاد حلول لسكان محرومين من حقوق الإنسان الخاصة بهم، وكان من المفترض على الجيش فرض النظام على ذات السكان، وبأية وسيلة.

لقد كنت واحدا منهم
وعلى مدى أجيال عدة، كان معظم جنود جيش الاحتلال، الذين يقومون بتنفيذ أوامر الاحتلال في الأراضي الفلسطينية-إلى جانب أسرهم القلقة عليهم في أماكن سكنهم-لا يستبعدون احتمال لجوء الفلسطينيين الى العصيان المدني غير العنيف. وكانوا طيلة الوقت يتخيلون شبح جمهور فلسطيني هائل، من الرجال والنساء والأطفال، يقومون فجأة، ويسيرون في مسيرات زاحفة نحو الحدود، ونحو المستوطنات لاقتلاعها.

وحيث انها حركة غير عنيفة، فقد امل الكثير من الجنود، أن يحدث ذلك يوما ما. وان تحل الاحتجاجات السلمية، محل صراع قائم لا نهاية له، وغير قابل للتغيير على ما يبدو. لقد كان ذلك أفضل بنظر الجنود. فهو يمثل وضعا أكثر راحة لهم، بدلا من العمل الميداني المكثف، وعوضا عن التعرض الى المخاطر في الأراضي الفلسطينية.

ويضيف ديختر: "لقد كنت واحدا من هؤلاء الجنود الذين املوا ذلك. وانا الان أؤمن بذلك، وأريد له ان ينجح".

وقد عرف الجنود، كما الجمهور الإسرائيلي، أن اعمال العنف الفلسطينية كانت-وما تزال-السلاح المفضل لدى اليمين الإسرائيلي المتشدد. فنشطاء اليمين هم أكبر مروج لفكرة "انه لا يجب انهاء الاحتلال ما دام هناك عنف". ولهذا لا يمكن انهاء الاحتلال على يد اليمين الإسرائيلي، فهو يستغلها بشكل شرير، من اجل تكريس الاحتلال. وعبر التشريع، وحشد الرأي العام، يحقق اليمين الإسرائيلي انتصاراته في المجتمع الإسرائيلي. ويحصد أصوات المستوطنين، من انتخابات الى انتخابات، كمكافأة على نظام الفصل العنصري الذي أقامه لهم في الضفة الغربية.

ان العنف يبرر للحكومة الإسرائيلية إقامة بؤر استيطانية غير قانونية جديدة. كما يعطي مبررا ل "إضفاء الشرعية" على المستوطنات غير القانونية القائمة. ويضفي قبولا على تحريض الحكومة ضد جميع الفلسطينيين دون استثناء، بمن مواطنون إسرائيليون.

وبالملخص، فان العنف يبرر تشريع قوانين جديدة تهدف إلى الحد من المساواة للأقليات في إسرائيل، وقمعها الى ابعد حد مكن، وبشتى الوسائل.

والأكثر أهمية من ذلك كله، هو أن العنف الفلسطيني يمنح اعذارا واضحة لحكومة نتنياهو، للتهرب من أية مبادرة من شأنها الوصول بالجانب الفلسطيني الى دولة بجانب إسرائيل، والى خلاص الفلسطينيين وحريتهم. كما ان كل عملية عنف تُبعد اية إيماءة باتجاه معالجة قضية اللاجئين. وبالتالي، فالعنف يقوض أية جهود لوضع حد للاحتلال.

سنسمع الكثير، والكثير جدا، عن مسيرات "حق العودة الفلسطيني". ومن المتوقع لها ان تستمر لفترة طويلة، تمتد من عيد "الفصح" الى موعد نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس (مخطط بتاريخ 14 أيار 2018، اي عند الذكرى السنوية لما يسمى اعلان استقلال إسرائيل، وهو يوم النكبة الفلسطينية). من المتوقع ان يتابع الفلسطينيون مسيراتهم الى يوم 14 أيار على الأقل، حيث يحيون ذكرى تشريد (700) ألف فلسطيني كإحدى النتائج المباشرة لحرب العام 1948.

أريد لهذه المسيرات ان تنجح كما هو مخطط لها
ويضيف الكاتب، "آمل أن أرى في كل يوم مسيرات واحتجاجات سلمية وحاشدة تتحدى إسرائيل على جبهات عدة. وانا أدرك تماما ان هذا النوع من التحرك سيجذب تاييدا دوليا لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وانهاء الاحتلال، والاستقلال. كما أدرك انه سيجذب الكثير من الإسرائيليين كمؤيدين إلى صفوف الفلسطينيين".
ويضيف الكاتب انه يتوقع نتائج كبيرة من التأييد، لان استجابة المتظاهرين للتحركات السلمية أكثر بكثير من استجابتهم للتحركات العنيفة. وبالنسبة الى المتضامنين الإسرائيليين والدوليين، يسهل هذا عليهم تبرير وتنفيذ التحركات السلمية اما اصدقائهم وذويهم. بل انه يسهل عليهم دعوة اقران وزملاء لهم للانضمام الى التحركات.

وفي النهاية، ستُمَكّن التحركات السلمية الفلسطينيين من قطع العمود الفقري لسياسة الانكار الإسرائيلي، وقطع دابر العنف والتعنت الذي يمتطيه الاحتلال في عقاب الفلسطينيين. وسيؤدي أسلوب اللاعنف الى احباط حجة "رفض الاتصال لدى الفلسطينيين"، والتي تتحجج بها إسرائيل للابتعاد والعزوف أكثر عن الحلول. ومن شان ذلك كله، كأسلوب عمل دائم، ان يرفع منسوب الامل، ويقرب من نهاية الاحتلال.

ويضيف، "على الجانب الاخر، كنت أعلم ان مجرد التفكير بهذا النوع من التحركات يعتبر شيئا فظيعا. لأنه ومع عدم التأكد من قدرة جيش الاحتلال على التعامل المناسب مع الاحتجاجات السلمية العارمة، فإنه قد يبالغ في ردة فعله، وقد ينتج عن ذلك حمامات من الدم".

ويضيف، "انا أدرك ان الحكومة الإسرائيلية، وخصوصا الحالية، برئاسة نتنياهو، قد تتعامل مع هذا النوع من التحرك على انه "إرهاب من نوع اخر". وقد تروج على انه "إرهاب جديد". وربما تجد له طريقة للتعامل الخاص.

قد تقدم الحكومة على مقابلة "اللاعنف بالعنف"، وعلى استدراج الفلسطينيين الى العنف، مما يفضي الى المزيد من الماسي".
يفتخر الفلسطينيون دوما بأنهم قادرون على الصمود. ولا شك بان هذا النوع من الاحتجاجات هو ميدانهم الذي يستطيعون الصمود فيه الى أطول فترة ممكنة، أكثر من أي نوع اخر من الفعاليات.

لا اشك بكفاءة الاحتجاجات الجماهيرية الحاشدة، فهي تؤدي الغرض. وهي تهز الظالمين، وتخيفهم أكثر من أي شيء آخر. سيجلب ذلك انتباه العالم، وسيلاحظ العالم ذلك، ابتداء من عيد الفصح الوشيك.

ان المشكلة لا تكمن في ان إسرائيل تفتقر إلى الدفاع عن نفسها ضد اللاعنف. بل المشكلة هي أن إسرائيل تفتقد في كل اساليبها الى "اللاعنف". لا تمتلك إسرائيل ثقافة "اللاعنف"، وهي بحاجة إلى معالجة الأسلوب بذات الأسلوب، بدلا من قواها المفرطة.

وفي النهاية، إذا كان هناك سلام حقيقي يمكن ان يحل على هذه الأرض، في يوم من الأيام، وأصبح الفلسطينيون والإسرائيليون قادرون على التعايش على ارض واحدة، مع احترام حقوق الشعبين، فذلك يعني ان شيئا لم يكن متوقعا ان يحدث باي حال، قد حدث فعلا.

هذا الأمر،  هو اللاعنف.

ترجمة: ناصر العيسة: عن: هآرتس

تصميم وتطوير