حملات تخضير فلسطين: "حساب البيدر وحساب الحقل"

22.03.2018 02:15 PM

رام الله- وطن: تشهد محافظات الوطن حملات تشجير مستمرة منذ فترة، وتوزع وزارة الزراعة ومؤسسات أهلية الأشتال سنويًا على المواطنين والفلاحين، وتنفذ أنشطة لغرس الأشجار مراراً في يوم الشجرة، والأرض، وحديثًا أضيف إلى قائمة مناسبات التشجير الخامس من آذار الذي اعتمد يومًا للبيئة الفلسطينية.

تبدو الأرقام، والأخبار، والخطط، والتصريحات رائعة، لكن كيف هي الصورة على الأرض؟ وهل حسابات البيدر كما هي حسابات الحقل؟ ومن الذي يتابع ما يُزرع؟  وهل تروى الأشجار في فصول الجفاف؟

"مليونية" جديدة

في أحدث الحملات، وخلال أيلول 2017 عقد وزراء: التربية والتعليم العالي، والحكم المحلي والزراعة، لقاءً حول الخطوات الخاصة بتنظيم الحملة الوطنية (المليون في يوم) والخاصة بزراعة مليون شجرة بالتزامن مع يوم الشجرة في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني 2018، والمنبثقة عن حملة تخضير فلسطين والتي أُطلقت مع بداية العام الدراسي.

ويومها، ووفق ما نشر في وكالات الأنباء اتفق الوزراء، في اجتماعهم بمقر وزارة التربية، "على تشكيل لجنة مشتركة من الوزارات المعنية لبحث الخطوات والتحضيرات التي من شأنها إنجاح الحملة في ضوء ما ترمي إلى تحقيقه من أهداف ونتاجات وبما يضمن تعزيز الأبعاد القيمية، علاوةً على تحقيق بيئة خضراء وتوفير مناحٍ جمالية...، وتم التباحث في الأطر العامة الكفيلة بتوفير مشاركة شاملة في الحملة من طلبة المدارس، وبما يغطي أكبر مساحة ممكنة من مناطق فلسطين."

أما حملة "المليون شجرة" فهي كما عرّفت عن نفسها: حركة شعبية ناشطة في مجال الأمن الغذائي، تسعى إلى دعم ارتباط المزارعين الفلسطينيين بأرضهم من خلال زراعة الأشجار على نطاق واسع. وتعتبر أحد برامج عمل المنظمة العربية لحماية الطبيعة، التي تأسست عام 2003 لتعزيز قدرات الشعوب العربية على تحقيق استدامة مواردها الطبيعية وتكريس سيادتها عليها، خصوصاً في المناطق التي تعاني الحروب والاحتلال.

ووفق الموقع الإلكتروني للحملةwww.apnature.org ، فإنها "تعمل على إعادة زراعة الأشجار المثمرة في فلسطين، كوسيلة لمواجهة الأضرار الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي بجوار المناطق التي يتم فيها بناء المستوطنات والطرق الالتفافية وجدار الفصل"، فمنذ عام 2001 أدت ممارسات الاحتلال التدميرية إلى اقتلاع 2.5 مليون شجرة كانت تشكل مصدرًا مهماً للغذاء والدخل.
ويساهم في تنفيذ الحملة شركاء كلجان الإغاثة الزراعية، واتحاد المزارعين الفلسطينيين. ومنذ انطلاقها عام 2000، أكملت الحملة، كما تقول، غرس أول مليون شجرة في نيسان 2008. وتبع ذلك إطلاق الحملة الثانية في العام ذاته، وتمت زراعة 983 ألف شجرة أخرى بحلول شهر حزيران 2014. وبلغ عدد المستفيدين أكثر من 17 ألف مزارع يعـيلون نحــو 85 ألف فرد في أسرهم.

حملات وواقع

وبحسب الموقع الإلكتروني للحملة، "أطلقت الحملة برنامج المليون شجرة الثالث بعد أن أتمت عام 2014 مليونها الثاني، واستطاعت خلال الفترة 2015-2016 من إتمام زراعة 154,983شجرة مثمرة من أشجار الزيتون والحمضيات واللوزيات والنخيل وغيرها في كافة بقاع فلسطين .وتبعًا للحملة، فقد زرعت حتى منتصف شباط  2018 ما مجموعه  2,154,983  شجرةـ بمشاركة 23,398 مزارعًا."
وقال مسؤول ملف جنين وطوباس في "الإغاثة الزراعية" إن جمعيته تفتح باب التسجيل أمام المزارعين لطلب الأشتال، ويوازي ذلك خطة شاملة تبدأ من اختيار المستفيدين، وتنتهي بالزراعة ومتابعة الأشجار، ولضمان نجاح الحملات يتم اختيار نمطين للزراعة، الأول للزراعة المروية كما في عاطوف بإدخال الليمون والزيتون ( 18K)، والثاني لوزيات وزيتون، ويشترط لمنح الأشتال توفر مصدر مياه للري التكميلي.

وبحسب جرادات، فإن الجمعية وزعت 8 آلاف شتلة في جنين وطوباس، وتصل نسبة النجاح بين 70-80 % ، بسبب درجات الحرارة المرتفعة التي أثرت على اللوزيات، وخاصة العام الماضي. وأضاف: "عادة يجري توزيع أشتال لوزيات، وهي أشجار ليست معمرة، وتعيش بين 18-20 عامًا، ولا يؤخذ هذا بالاعتبار، الأمر الذي يتسبب بتراجع دائم في المساحات المزروعة، وخاصة الحملات التي نفذت عام 2000 ضمن المليون الأول، التي انتهى عمرها الافتراضي، ونسعى لتوزيع أشتال زيتون، وحمضيات، وأفوكادو في بعض المناطق".

شجرة وصورة

وتابع جرادات: "ما يبرز من اهتمام بالتقاط الصور أثناء غرس الأشجار تحوّل إلى ثقافة عامة، وعادة ما يأتي مسؤول ما للمشاركة في الحملة فيغرس شجرة واحدة ويلتقط صورة ويغادر، وهو ما يقلده المواطنون العاديون."
وأنهى: يُساهم الزحف العمراني والصناعي في التشويش على حملات تخضير فلسطين المليونية،  كما تسببت الظروف المناخية خلال السنوات الخمس الماضية في ارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ ما أدى إلى تراجع أعداد الأشجار الناجحة، وخاصة اللوزيات، التي تضررت نسب عالية منها بفعل الجفاف.
فيما أوضح مدير دائرة الخدمات الإرشادية في مديرية زراعة جنين م.محمد بشارات أن الوزارة غيرت هذا العام من نهج توزيع الأشتال؛ لعلاج المشاكل السابقة، وبدأت بتأسيس مزارع نموذجية لقياس آثار المشاريع، وتجنب التوزيع العشوائي، ولضمان غرس الأشجار.

رقابة أعلى

وقال: "في السابق كانت علاقة الوزارة بالمزارعين الراغبين في الأشتال تنتهي بعد التسجيل واستلام الأشتال، ولكن الصورة هذا العام تغيرت، مع تأسيس مشاريع نموذجية بمساحة 4-5 دونمات، توزعت على محافظات الوطن، وتبعًا للأصناف التي تنجح في كل منطقة، إضافة إلى توزيع مباشر، وحظيت جنين بـ 27 قطعة عنب بيروتي، و6 للزيتون، وقطعة كيوي واحدة كتجربة، ولم ننجح في إيجاد صنف مناسب من المشمش."

ووفق بشارات، فقد حصلت كل محافظة على ثلاثين قطعة نموذجية، وصارت كل واحدة تحظى بإشراف مباشر من الوزارة قبل الزراعة وبعدها، مع وجود اتفاقية مع المستفيدين، ورقابة، وإرشاد، وتنظيم عالٍ كوجود سياج، وإدخال أصناف جديدة بكميات أقل، وشبكة ري، ومساهمة مالية أعلى من المزارعين (نحو 30%)، وتقييم دقيق، ومشاهدات لمزارعين آخرين بخلاف الفترة السابقة.
أشجار بلا زراعة!

وقدم اجتماع للجنة متابعة ( المليون في يوم)  عُقد في محافظة طوباس في 5 شباط 2017، إجابات جزئية على مشاريع تخضير فلسطين المتعاقبة.
وقال مدير التربية والتعليم في المحافظة سائد قبها إن مجلس الوزراء كلّف وزير التربية بمتابعة الحملة، التي تنسجم مع الحملة العالمية ضمن خطة لتخضير العالم2030 ، وللمساهمة في تقليل الاحتباس الحراري، كون فلسطين من الدول الموقعة على اتفاقية المناخ.

وأضاف: "ننسق مع وزارة الزراعة والحكم المحلي لتوفير الكادر البشري، ولتنفيذ حملة زراعة في طوباس، وعقد لقاء ضم وزارات، ومجالس محلية، لتحديد الأشتال المطلوبة، وحصر المناطق المراد زراعتها، وخرجنا اللقاء بالاتفاق على شكل إطلاق الحملة، وتحديد الاحتياجات وتأسيس لجنة متابعة لما ستتم زراعته."

وعرض مدير وزارة الزراعة في محافظة طوباس والأغوار الشمالية م. مجدي عودة تجربة سوداوية لحملات التشجير التي شهدتها المحافظة، ووزعت الزراعة فيها نحو 60 ألف شجرة، وخلال تجواله على المواقع التي طلبت تزويدها بالأشجار، تبين أنها لم تغرس، منها 15-20 ألف طلبتها المدارس، و10-12 ألف للبلديات والمجالس القروية، عدا عن الأعداد التي طلبتها المؤسسات، ولا يعرف أين تذهب أشتالها، مؤكداً أن حملات التشجير ليس ذات بعد إعلامي فقط، أو لالتقاط صور أثناء الزراعة، بل هي تكلفة مالية، إذ تتطلب كل شتلة 3 دولارات.

وأضاف عودة: "بدأت الوزارة  بتغيير سياستها، فأصبحت تخصص منطقة محددة، وتتولى بنفسها تشجيرها ومتابعتها، ومؤخراً غرسنا عدداً كبيراً من الأشتال في سهل عينون وكلها نجحت."

وأكد أن مشروع تخضير فلسطين عام 2010 كان ناجحا، وحقق أهدافه، لكن عمليات التشجير التي تلته كانت سوداوية، مؤكداً استعداده دعم المزارعين والمواطنين الذين يتعهدون بمتابعة ما يزرعونه.

وكشف مدير الزراعة عن تقرير أعدته مديرية طوباس، بيّن أن أعداداً لا بأس بها من طلبة المدارس ينفذون اعتداءات يومية على الأشجار التي تزرع، كما أن المؤسسات التعليمية لا تمتلك مساحات صالحة لغرس الأشجار.
وأشار مدير التخطيط والمشاريع في محافظة طوباس م. إياد العامر إلى أن تحديد الاحتياجات لحملات التخضير عملية مهمة، كما أن حلّ الإخفاقات السابقة يكون بمنح وزارة الزراعة كجهة اختصاص صلاحية اختيار الأمكنة المراد غرسها وإجراء متابعة دائمة لها.
وأوضح رئيس بلدية طمون بشار بني عودة أن المطلوب تقييم التجارب السابقة، ومنح وزارة الزراعة صلاحيات لتحديد المواقع، والإشراف والمتابعة على ما يجري تنفيذه من حملات.

وأفاد بني عودة أن البلدية تشجع المواطنين على زراعة مساحات خاصة، لأن ذلك أنجح من ترك الأشجار دون عناية، أو عدم غرسها، أو تكرار التجارب وحملات التخضير غير الجيدة.
وعرض إبراهيم عبد الله، وهو موظف خدمات في هيئة محلية تقييم تجربته في حملات تشجير سابقة، وقال: "للأسف في كل مرة كانت عدد الكاميرات والصور أكبر من عدد الأشجار المزروعة، وبعد انتهاء التصوير، تترك الأشجار دون  متابعة، ولا يتم غرس كل الأشجار التي وصلت إلى الموقع".

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير