فكروا في أحمد

26.03.2018 07:46 AM

كتب: محمد حسين

حين حصل على تأشيرة سياحة أميركية لثلاث سنوات، اعتقد أحمد أن صفحة جديدة من حياته ستفتح حاملة معها ما هو مختلف عن السابقة. قرر أن يترك كل شيء وراءه، فلسطين الوطن، خبز أمه، العوسج الذي غناه مارسيل خليفة، واللوز الربيعي الأخضر.

أول ضابط حدود أميركي صفع أحمد ختما يحدد إقامته في البلاد شهرين فقط، وعليه العودة إلى بلاده، فقد اشتم الضابط رائحة الرحيل في عيون ذلك الشاب المقهور.

كان أحمد يعمل صحافيا محليا في فلسطين، وهو أب لطفلين، وزوجته فلسطينية تجيد كل شيء إلا الغربة. اتصل بي مستفسرا عن مخرج يدخله إلى حياة الحلم في أميركا، لكن الحلم هنا في بلاد العم سام، لا يأتي مع النوم، بل تجذبه رائحة العرق والعمل المتواصل، مع أوراق رسمية في بلد تعشق القانون، وتكره كل مخالف.

أحمد ينتظر، لا يعرف ماذا يفعل، هل يخالف قوانين أميركا؟ أم يعود لفلسطين التي حرق سياسيوها كل أمل؟ يبدو أن أحمد يؤمن أن مخالفة القانون في أميركا أهون عليه من ظلم الأخوة المتقاتلين في شطري الوطن. أحمد يفكر باللجوء السياسي.

فكروا في أحمد وشبابنا، هم يحلمون بالهجرة، يبحثون عن أي شي غير الوطن.

يبحث محمد الغزي عن أقارب له من خارج غزة، فوجد ضالته عندي، فنحن من ذات العائلة، ولم أكن أعلم أن أقارب لي يعيشون هناك، في الزمن المنسي في غزة.

كان يعتقد أني من الضفة بطبيعة الحال، وفي هذا أمل كبير. لكن محمد انهال علي متوسلا حين علم أني أقيم في الولايات المتحدة، شعر أن واجبه علي أن "أسحبه" إلى بلاد العم سام. ربما شتمني في داخله حين قلت له أن لا حول لي ولا قوة. وأنني أفكر بالعودة إلى بلدي حين أنهي مهمتي في أميركا، فأنا لم أصل إلى هنا مهاجرا أو هاربا. وقبل أن يغادر المحادثة الفسيبوكية حزينا ممتعظا مني قال لي " أنصحك أن لا تعود".

كلهم نصحوني أن لا أعود، إذن كلهم ناقمون، فمن فعل بشبابنا هكذا؟ في عام 2014 حين عزمت الرحيل إلى الولايات المتحدة، قال لي صديق "أنت مجنون، من يترك بلده وعمله وأهله وأقاربه إلى بلد أجنبي لا يعرفه؟"، رنت كلماته في أذناي وزاد من القلق عندي، قلت له معك حق، لكن أنا أحب التجربة والمغامرة، إن لم أنجح سأعود. عام 2017 زرت فلسطين، فسألني ذات الصديق، ألا تستطيع مساعدتي في الحصول على عمل في أميركا، هذه المرة حزنت، وذكرته بما قال لي أول مرة، فرد علي " كنت لا أرى المستقبل".

لقد دفع السياسيون الفلسطينيون أبناء الوطن من الشباب إلى الاعتقاد أن المستقبل هو ما بعد جسر الملك حسين، أو معبر رفح، وقبل هذين المعبرين حياة مرة لا يرغب أحد منهم في البقاء أسيرا لها.

القدس لن تعود مادام شبابنا يفكر بالهجرة، واللاجئون لن يقبلوا بالعودة إلى وطن ممزق، ولن تقام الدولة على إلا على أكتاف أولادها. فكروا بأحمد.
• قصة أحمد حقيقية، لكن الاسم مستعار.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير