السلطة الذكورية.. منبعها وآثارها المدمرة على المرأة

02.04.2018 09:32 AM

كتبت: المحامية املي عبد الرازق غزاوي

لا يزال المجتمع العربي الشرقي يتغنى بالرجولة في كافة تفاصليها ومراحلها منذ الأزل ، فرغم ازدياد الوعي النسوي بحقوق المرأة ورغم العمل الدؤوب للجمعيات والمؤسسات المعنية بالنوع الاجتماعي ، ورغم كل الوسائل التي يتم إتباعها لإيقاف جميع أشكال العنف ضد المرأة ، وتوقيع الاتفاقيات الدولية المعنية بذلك وسن القوانين والأنظمة الخاصة بحمايتها ، إلا أن هناك بعض العائلات العربية وأخص بالذكر هنا بعض العائلات الفلسطينية ، لا تفتأ تتشبث بمعتقداتها الشرقية الذكورية ، وفكرة أن المرأة عورة بكل المقاييس ، وسعيهم لتزويجها في سنٍ مبكرة خوفاً من العار أو فوات القطار ، ولا تزال النساء تصطدم بواقع الحياة الزوجية في سن الطفولة، ليدركن بأنه ليست مجرد كلامِ معسول ورقص على قرع الطبول، وليس نزهات ، هدايا وفساتين فقط ، وأن تعريف الزواج الذي رُبينّ عليه ما هو الا كذبة أبريل البيضاء ، التي قد تشوبها بعض الدماء.

في احدى قواعد الفيزياء نجد اجابة عن العديد من الأسئلة التي تطرق جدران أدمغتنا وتعصرها ، فلمَ قد تنتحرُ فتاةٌ في عمر الزهور ؟! ، ولم تقتل أخرى وتدفن تحت شجرةٍ أو تلقى في بئرٍ أو حاويةِ أو في مكانٍ مهجور او قرب ركام صخور بجانب سور ؟؟! ولم تتعرض ثالثة للتحرش في الطرقات العامة أو أماكن العمل أو الاغتصاب وهتك العرض على يدِ قريبٍ لها سواء كان أخاً ، أباَ ، خالاً أو عماً ؟؟؟ ولم تعنفُ رابعةً من زوجها جسدياُ أو لفظياُ صباح مساء دون ذنب أو إثم ؟؟!! ، تلك القاعدة الفيزيائية تقول :" لكل فعلٍ ردةُ فعلٍ مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه " ، وبإسقاط هذه القاعدة على الواقع نجد أنها فعلا تعطي إجابات قد تكون إلى حد كبير (إجابات وافية).

يربى الذكر في هذه العائلات على السلطوية ، على العنف النفسي واللفظي ابتداءا، وقد يصل إلى العنف الجسدي في كثير من الأحيان . يربى على فكرة أن المرأة خلقت للطاعة، للخدمة ، للمتعة وللإنجاب فقط ، وأنها في درجة أقل من منه بكثير ، وتزرعُ هذه الشتلة وتسقى من قبل الأم والأب على حدٍ سواء.

ويبدأ الفعل منذ الصغر ، ضغوط متراكمة ، تجاهلٌ للاحتياجات الطفولية ، سلطة مطلقة لذكور العائلة ، عنفٌ متكرر متفاقم نابعٌ من شعورٍ بالنقص أو أفكارٍ مريضةٍ رجعية ، وكبت للمشاعر، للأفكار، للمواهب وحتى لردود الأفعال الوقتية ، وهنا يزداد الأمر سوءا ، فتلك الفتاة أصبحت كتلة بارودٍ تنتظر شرارةً لتشتعل ، وعادة ما يكون اشتعالها داخليا ذاتيا، أي أن اشتعالها إما أن يخرج كمحاولة انتحار أو سلوك شاذٍ أو سلوك مخالفٍ لبعض القيم الأخلاقية ، فتظهر قصص الانتحار وتزداد جرائم الزنا وجرائم القتل حفاظاُ أو تطهيراً للشرف وفق مفرداتهم.

أما أولئك الأطفال من الذكور من تربى على السلطوية والجبروت والعنف اللفظي والجسدي ، هم نفسهم من يرتكبون جرائم الإيذاء الجسدي أو النفسي أو التحرش أو جرائم الاغتصاب وهتك العرض ، فأولئك تجرعوا العنف واتخذوه سبيلاً للحياة حتى بات سلوكاً طبيعياً لديهم ، ويمثل حرفيا معنى (الرجولة) .تربوا على أن التنمر قوة ، والضرب حوار ، وأن المرأة صغيرة العقل محدودة الفهم قاصرة ، وان مهمتها في الحياة محدودة ، وانها باب فتنٍ وعار . تربوا أن لا احترام متبادل بينهم وبين المرأة بل أن المرأة خلقت أصلاً لتطيعهم وتلبي احتياجاتهم ورغباتهم ، وان لا رأي لها ولا حوار أو نقاش معها ، وبذا أصبح تصرفاتهم انعكاساً طبيعياً لما تروبوا عليه.

إذا، فما تزرعه اليوم في أطفالك ، يحصده المجتمع لاحقا ، وما تَسقي به أدمغتهم ستُسقى به أدمغة أجيالٍ قادمة فحاذر ، وفكر ملياُ قبل القيام بأي فعل ، في ردة الفعل ، وتذكر دائماً أن من حملتك تسعا ، ووضعتك كرهاً ، وربتك عمراً .. أنثى . أبدأ بنفسك ، أصلح نفسك يصلح مجتمعك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير