صور| بين الليطاني و تخوم غزة يزهر ورد الشهداء

02.04.2018 06:49 PM

كتب -جمال زقوت: 

من يصدق أن أربعون عاماً مرت على أبديتك الخالدة يا بشير ؟! هكذا ،و بهذه السرعة، فهي بالنسبة لي تأتي و كأنها بالأمس،فما زال حضورك طاغياً، و ذكراك متجددة ندية نضرة ، بل و حية في قلوب كل من عرفوك .

 ما زلت أذكر كابوس تلك الليلة ، و الذي ملأ صدري بالضيق ، بأن حادثاً جللاً قد ألم بك ، و فقط في اليوم التالي اتضحت لي مدى خطورة هذا الكابوس دون تحديد واضح لطبيعة هذا الخطب الخطير، حيث وصلني "تلكس" يطلب مني الحضور فوراً إلى "بيروت بسب =====اخوك بشير "، مشطوباً منها كلمة و كأن الذي سجلها في مكتب بريد القاهرة لم يطاوعه قلبه بنقل مثل هذا الخبر الصادم ،فظل قلبي منقبضاً إلى ان اتضحت الكلمة المشطوبة من البرقية بعد وصولي إلى دمشق و منها لبيروت .

نعم ، من يصدق ؟ فهي ذكرى موجعة و ما زالت تنز دماً و ألماً من وسط جرح الذاكرة ، و لكنها مجللة بالغار .. ندية عطرة تفوح منها رائحة الشهداء في خلودهم بين "مقبرة الشهداء في بيروت " و مقابر شهداء فلسطين في كل مدينة و قرية و مخيم و آخرهم شهداء يوم الأرض في مسيرة العودة الكبرى!

أربعون عاماً كانت حبلى بأحداث كبرى في مسيرة الثورة و أحلام الشعب الذي قضيت من أجل تحقيق أهدافه بالحرية و العودة و تقرير المصير ، فصمودكم في مواجهة الاجتياح الاسرائيلي في الليطاني في الخامس عشر من آذار 1978، مهَّد لملحمة الصمود الكبرى في بيروت عام 1982، و كلاهما أثمر انتفاضة كبرى مهدت لها تضحيات و معاناة و عمل و مثابرة أجيال حملت في وجدانها برنامج الدولة و العودة ، فانتقل الشعار الذي حيرني  و ظل يتنقل مع ذاكرتي بأن "لا صوت يعلو على صوت تحرير الجنوب " الذي حمله الشباب و المقاتلين في تشييعك إلى خلود الأبدية ،ليصدح مجلجلاً بهتافات شعب ، و حيث يجب أن يكون ملعلعاً في كل ساحات الوطن و ميادينه و أزقته  "بأن لا صوت يعلو على صوت الانتفاضة" التي حملت أحلام شعب ،و تضحيات آلاف الشهداء و عشرات آلاف الجرحى و مئات آلاف المعتقلين و المشردين و المنفيين ، لتزهو بهم في نشيد شعب يعاهد الشهداء بقسم الحرية و السير علي خطاهم نحو الخلاص من الاحتلال و الانعتاق من ظلمه، و تزهر وردة لكل أم و عاشق للحرية و الحياة...

أحداث كانت دوماً حبلى بأمل الانتصار  ونشيد العودة. اسمح لي يارفيقي أن أكتم في قلبي ما يمكن أن يوجع روحك و أرواح كل  الشهداء ، فلن أخبرك عن التيه و تمزيق الأمل و التفريط بالألم و الدموع الذي انسكب من عيون الأمهات الثكلى و الآباء و الأبناء على رحيل أغلى البشر ...عشاق الحرية و الحياة ، و سأرجو  الذين التحقوا و استحلفهم واحداً واحداً  أن لا يخبروكم عما حل بنا ، لعلنا نكون قادرين على استجماع قوة الضمير و إرادة الوفاء التي نستمدها من صفاء أرواحكم على محو هذا الفصل المعتم من مسيرة شعب استحق ان يكون شعب الشهداء، لنعود قادرين و نجرؤ على لقائكم متحدين خلف نهوض وطني عارم اجترحه الإبداع الشعبي على تخوم غزة مقدماً عناصر استراتيجية فاعلة للكفاح الوطني ترتكز  على المقاومة السلمية و الوحدة الشعبية التي لا يمكن أن تقهر ، كي نستمر موحدين نتوارث حكايات التغريبة الفلسطينية و دروسها التي تجعلنا نستحق الوفاء لأرواحكم ، و نستعيد رفاة جثامينكم لتراب وطن سيظل فخوراً بتضحياتكم وفياً لدموع الأمهات الثكالى ،و لوعد الفرح على شفاه أطفال و صبايا يرقصون كفراشات في يوم النصر القادم .

قم يا أخي ورفيق درب المناضلين القابضين على جمر الحياة و أخبرهم أن هذه السنين لم تكن سوى كابوس ثقيل يغادر ليلنا لنظل ممسكين بوعد الوفاء  واقفين نتحدي الريح .

نعم ، من اعتقد أن تضحياتكم تذهب هدراً و أن تدجين الشعب و جعل قضيته لقمة صائغة بات في متناول اليد ، فهو لا يعرف الفلسطيني الذي ما يلبث أن يهدأ إلا لينطلق مجدداً كطائر الفينيق.

قم و عُد لنا، فنحن بحاجة لمن يُطفئ نارنا و يمسح غبار المرحلة ، عُد يا بشير و صحبك الشهداء لتبشر  الأجيال و تروي لهم عن مستقبل لن يحيد عن قسم الوفاء و وعد من يستحقون الفرح، و عن تاريخ لن ينجح العابرون في تزييفه، و لا سرقة ابتسامات أطفاله.

عد فلم نعد نحتمل العبث. و ها هم شبان و صبايا غزة ينهضون كماردٍ لا يمكن تدجينه أو إطفاء روح تمرده .
عد فقد وعدتني بأن الشهداء يعودون هذا الربيع .
و ها قد انتظرناك أربعين ربيعاً يا بشير !
عد يا أخي كي نسقي الدالية و الزيتونة و نوقد شمعة تكسر ظلمتنا و علّها تدلنا على الطريق !

* في الرابع من نيسان تحل الذكرى الأربعين لاستشهاد المناضل بشير عوض زقوت

* ولد بشير في 17ديسمبر 1950 في مخيم الشاطئ بغزة بعد حوالي عامين من نكبة فلسطين لأسرة لجأت من بلدة اسدود الى مدينة غزة .

* التحق مبكراً بالنضال الوطني . وانتسب إلى كلية الهندسة في جامعة "شبين الكوم" في مصر حيث كان عضواً في الجبهة الشعبية ومن ثم في الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين .

* أبعد من مصر عام 1969 إثر اعلان ما سمي  بـ"مبادرة روجرز "، حيث واصل دراسة الهندسة في بغداد ،والتي أُبعد منها بعد أن شكلت بغداد جبهة الرفض ضد البرنامج المرحلي للمنظمة عام 1974، و واصل دراسته في جامعة دمشق إلى أن أعتقل و أُبعد منها مجدداً إلى بيروت عام 1976 إثر التدخل العسكري السوري ضد الثورة الفلسطينية في لبنان .

* انضم إلى القوات المسلحة الثورية للجبهة الديمقراطية و عمل مفوضاً سياسياً لكتيبة بيسان .

* تصدى و رفاقه من قوات الثورة الفلسطينية و الحركة الوطنية اللبنانية لقوات الغزو الاسرائيلية التي اجتاحت الجنوب اللبناني في "معركة الليطاني" 15آذار 1978، حيث قاتل ببسالة في معركة الحاصباني، و كلف بعد وقف إطلاق النار بمتابعة العلاقة مع قوات الطوارئ الدولية في هذا المحور من جنوب لبنان.

* استشهد يوم 4-4-1978 إثر إصابته بقنبلة عنقودية بعد عودته من اجتماع مع قوات الطوارئ الدولية .

* شيعت جنازته في بيروت بموكب جماهيري و وطني وعسكري مميز، و لم تتمكن سوى والدته و معها شقيقه منير من الوصول  إلى بيروت للمشاركة في جنازته، حيث أعيد والده و أعمامه من الحدود العربية واحداً تلو الآخر .

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير