نادية حرحش تكتب لـ"وطن": شو قصة رامي؟

04.04.2018 01:40 PM

منذ مدة وتجول في رأسي فكرة تخصيص مقال اسبوعي تحت عنوان إضاءات وطن، الهدف منه الإضاءة، ولو بمقال عابر، عن شخصيات ومواقف ملفتة، تعيش وسطنا وتمر مرور الكرام . في نفس الوقت، تكون هذه كلمة شكر منا، لأولئك الذين يعملون من اجل بناء الوطن بلا ماكنة إعلامية تروج من اجل اهداف خاصة بهم .

الا ان الوطن على ما يبدو انفجرت فيه محطات توليدالكهرباء والإضاءات أصبحت تشع داخل كل النوافذ المغلقة .

رامي سمارة وجد نفسه اضاءة هذا المقال. شاب على الأرجح عادي يعيش يومه ويكتفي بالامل وعدا لوطن يتم بناؤه. صحفي هي جريمته.

أو يكون احد المروجين الكثر على صفحات التواصل الاجتماعي لشتم شخص ما أو الاحتفاء به.

في كل الأحوال تحول كل ما نعيشه لقضايا رأي عام تتساوى الجرائم فيها، فقضية قتل لا تختلف عن قضية بضائع تالفة ولا تختلف عن قضية تهريب أو تعشيب لمخدرات حققت فيها قوى الأمن المختلفة . فالصلاحيات والاختصاصات والجرائم توحدت. لم نعد نعرف ما هو الشخصي وما هو العام. المهم ما يتم تحويله لكي يصبح هو الرأي العام .

وقصة رامي سواء كانت قصة تعبير عن الرأي أو شتمًا لشخص في حد ذاته ، لم تعد مهنة وسط التيه الحاصل.

بالمحصلة فمن اجل العيش وحلم الوطن يجب اولا التأكد بأن املك مرتبط ارتباطا وثيقا بحلم السلطة، وان من تمسه برأي خاص أو عام لا يمس من يمكن المساس به. ذلك الملاك الحارس على بوابة أحلامك. اذا ما عكرت صفو السلطة فحلمك سيكون كابوسا... كابوسا تستيقظ منه في غياهب المعتقلات لا على سرير بيتك الدافيء.

رامي سمارة اخر ضحايا قضايا قمع الحريات ... أو ربما كان هناك من هو ضحيته ... ليس الاول ولن يكون الأخير ... وقصته تكررت وتتكرر في كل يوم ... سياسة الترهيب وقمع الحريات تأخذ اشكالها العلنية والسرية، وأحيانا تتسرب الى الرأي العام، ليكون الضحية محظوظا ولو لحين ..

لن أخوض بالتفاصيل ولن ابحث فيها ، فالقصص تعيد نفسها بأسماء جديدة فقط .
ولن اشيد هنا بدور نقابة الصحفيين ولن اشكر الرئيس ولن أصفق لانتصار الحق .

فما حدث ليس بحق .. وتدخل النقابة ليس انتصارًا . ووصول الامر الى الرئيس ليس الا فضيحة جديدة في حياتنا الهزلية ..
ان يصل المرء الى وضع يُسجن فيه من اجل كلمته، او يخرج من قضية بسبب سب وقذف، في ظل حياة يتربع فيها احتلال عسكري يحيط بِنَا من كل الاتجاهات، لا يمكن وصفه الا الانحدار الى هاوية ستسحقنا قريبا.

الحق في التعبير والمساءلة لن يكون هبة تقدمها شفاعة الرئيس، ولن يسجل انتصارا لنقابة، ولا لغيرها ... هذه أمور بديهية، لا يجب التفاوض عليها. يكفينا ما تطاله نفوسنا يوميا من قمع تظلله حياتنا تحت الاحتلال.

يكفينا ما نراه من مرارة قتل، وقنص، وإصابات، واعتقال للابرياء، وكسر قلوب الأمهات يوميا ...

يكفينا نضالنا من اجل ان نكون وسط هذا الهدر من وطن يباع ويُشترى امام اعيننا ولا نزال نحاول العيش بالرغم من بطش احتلال ينهج على تصفيتنا تدريجيا .

رامي قصة، تعيد نفسها يوميا، في نظام يفقد السيطرة على كل شيء، فيتشبث في قمع الكلمات .

قصة رامي، قد تصبح قصة اسامة وَعَبَد الستار ونزار وعلاء ومحمد .....وقصة ضحايا لم نسمع عنهم أبدا، نفقوا تحت رعب الترهيب والتهديد والقمع.

قصة رامي هي قصة الهاء مستمرة لنا عن القضايا الحقيقية ... قضايا تفتك بِنَا يوميا ... قصة ما جرى بغزة من جريمة لم ترق الى مستوى التنديد المستحق. جريمة لم ترق بردة الفعل من قبلنا بمسيرة خجولة متشابهة .

قصة رامي هي قصة وطن يعيش في تيه اللحظة العابرة عنه ولا يزال افراده يقيمون الوطن حلما هادئا يزورهم في غياهب افكارهم ...ربما.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير