عن قمة "الكوشوك" والصحفي الشهيد !

07.04.2018 04:27 PM

رام الله- وطن- كتبت: رولا حسنين

بعد كل هذا الضجيج الذي أحدثه استشهاد الصحفي ياسر مرتجى برصاص الاحتلال اثناء تغطيته مسيرة العودة الكبرى على حدود غزة، وما تجلى عقب هذه الفاجعة من أحلام وأمنيات كان ياسر يأمل يوماً أن تتحقق، إلا أن الموت كان أسرع من طائرة تصوير كان يملكها ياسر يتلقط بها صوراً جوية لقطاع غزة، وكان الموت اسرع من طائرة كان يتمنى الشهيد لو انه يركبها ذات يوم ويرى من خلالها فلسطين كل فلسطين، من بحرها لنهرها، فلسطين موحدة لا يقسّمها احتلال، ولا يفرّقها حصار، ولكن رحل ياسر ورلحت معه أمنياته البسيطة تلك.

فعندما يكون أقسى أمنية الإنسان هي "السفر" في ظل المادية المتفشية في العالم المتفاخر بالتطور المستمر والتكنولوجيا الخارقة لكل الحدود، اعلم أن شعباً يعيش حالة قهر لا يمكن كتابتها أو قياس نسبة ضررها، اعلم ان السفر عندما يكون أمنية صعبة التحقق في عالم بات يطوّر طائراته الحربية أكثر من طائراته المدنية، فهو حلم ليس صعب التحقق فقط، إنما مُحال تحققه، فياسر كالاف الغزييم  الذي يشاهدون الطائرات الحربية الاسرائيلية يومياً، وشاهدوها وهي تقصفهم مراراً وتقتل أحبتهم وتنقلهم في رحلة العذاب والمشقة والفقد، ولكنهم لم يشاهدوا طائرة مدنية تقلّهم في رحلة عذبة.

ياسر وعشرات الصحفيين الذين استعدوا جيداً لجمعة الكوشوك والتي أحببتُ أن أسميها "قمة الكوشوك" ارتدوا لباس الصحافة، ولكن حتى هذا اللباس لم يكن درعاً حامياً لهم من رصاص الاحتلال الذي لو رأى مُسعفاً قتله، وصحفياً قتله، وطفلاً بريئاً قتله أو يتّمه، ومسناً لا يقوى على المشي قتله أيضاً، فنحن في عالم لا يُخضع القوة الاستعمارية للحساب، إنما يزيدها بدلاله لها بطشاً.

دوماً كان ياسر ينقل الحدث، واليوم بات هو الحدث، ربما كان ياسر كلما التقط صور الشهداء يخبئ في قلبه أسئلة كثيرة تحيّر دائماً الأحياء، ربما كان يتمنى لو أن الشهداء يعودون ليمارس معهم لقاء الصحافة ويسألهم "صف لنا الشهادة، ماذا بعد الشهادة، صف شعورك وأنتَ ترى الناس تحملك على الأكتاف تهتف باسمك، بينما أنتَ مضرّج بدمك، غارق في مشاهدة مراسم استقبال الملائكة لك؟" لو أن الشهداء يعودون لمارس ياسر هذا الفعل، ولو أنهم يعودون لمارسنا فعل الصحافة معه اليوم، واستدرجناه بالقول والوصف عن تضحية شاب يافع بعمره وروحه لأجل صورة الوطن..

أمس استشهد الصحفي ياسر مرتجى دون أن يودع حبيبته الزوجة والطفل، دون ان يودع منزله وذكرياته، وعائلته الثكلى، قل لنا بربك يا ياسر كيف رحلت عنهم بهذه السرعة دون اذن، اتظن وحدك تملك قلبك وروحك وجسدك؟ ماذا عن من أحبوك والان ينتحبون فراقك؟ ماذا عن زوجتك واسئلة طفلك المستقبلية ! أهانوا عليك ، وسافرت محققاً أمنيتك ، ليس سفر من الارض الى الارض ، انما سفر الخلود الى السماء.

لماذا قمّة الكوشوك؟

لأن مشاهد مسيرة العودة الشعبية على حدود قطاع غزة كانت أجمل من قمّة عربية اجتمعت قبل ايام لبحث أوضاع غزة ولم تخرج الا بتصريحات صحفية عفّ عليها الدهر، ما عادت تليق بالاحداث التي تشهدها القضية الفلسطينية، أجل قمة أجمل وأكثر قوة من كل القمم الدولية التي كانت تميّع القضية الفلسطينية حتى سلبتها كينونتها وحضورها الدولي الكاسح، بل باتت القضية الفلسطينية طرف النقاش فيه اذا اتسع لها الوقت فقط.

فكانت قمة الكوشوك أكثر رعباً للاحتلال الذي اتخذ كل احتياطته العسكرية لمنعها، وجنّد اعلامه للنيل منها، وبعث بوساطات دولية لوقفها، فقالت هذا قمّة الكوشوك كلمتها أمس"نحن أصحاب الأرض وأسيادها، البقاء لنا والاحتلال الى زوال".

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير