نادية حرحش تكتب لـوطن: بين احتلال الحواس واختلالها.. عبارة تختزل الواقع في مسيرة عودة مختلة

20.04.2018 10:44 AM

تحت عنوان "احتلال الحواس في القدس" بدأت الدكتورة نادرة شلهوب محاضرتها في مؤتمر عن القدس بجامعة القدس، بدأ تفشي الخلل في حواسنا كشعب يقبع تحته ومن فوقه الاحتلال.

نشبه الحمار المربوط امامه جزرة للتقدم، اظن بلا تهكم ان هذه هي السياسة المتبعة علينا منذ الاحتلال.
هذا الوطن مليء بما يمكن ان نستثمر عليه من موارد بشرية قد تكون حقيقية، ولكننا بسبب موروثنا الفطري على ما يبدو نكتفي بما نبدأ به وننتهي اليه.

نحن رواد في البدء وقد لا نصل الى اي نهاية، فتصبح سياسة الحمار والجزر هي الانسب في تطبيقها علينا من عدونا، وعلى ما يبدو اعداؤنا كثر.

الدكتورة نادرة شخصية يفتخر بها كل انسان فلسطيني على وجه الخصوص، وكل طامح متطلع للعالم الاكاديمي والبحثي على وجد التحديد، تقدم اطروحة مهمة بتوصيف الوضع القائم بعبارة صحيحة جدا، ما يجري هو "احتلال للحواس" ، وبلا شك يحتاج هذا الموضوع التبحر فيه منفصلا واعطائه حقه بالنقاش.

تصف بشغف كيف يتم احتلال حواس عائلتها بصرياً عندما تفتح شباك منزلها وترى صورة لرواية يهودية لمسن في احد الاعياد التي صنعها الاحتلال في المدينة.

نادرة استاذة ومحاضرة في الجامعة العبرية، اقمع افكاري المختلة واركز ... هنا توقف غضبي من احتلال الحواس وصرت افكر باختلال الحواس. كم نحتاج لامثال نادرة ومن يستثمر بقدراتها التي تتأكد انها تخدم من خلالها قضيتها الوطنية بلا خدش.

يتقدم استاذ الاثار هاني نور الدين للتكلم عن تاريخ المدينة منذ كان اسمها "اورشاليم"، ويحذرنا من الانحدار نحو ما تروجه الرواية اليهودية الصهيونية في تهويد المدينة.

وانتهت المحاضرة برمي ما يشيه القنبلة، يبوس على سبيل المثال ليست اسم مدينة على مر العصر الحقيقي للمدينة، ولكن الاسم جزء من الرواية اليهودية.
كمسلمين ،تعلمنا دائما ان كل ما لا يطابق المنطق في القصص الدينية والتشريعات هو من الاسرائيليات، وبالتالي كمل ما لا يعجب المفتي يصبح اسرائيليات.

بينما يحذر بصوت عال من هكذا اساءات نصبح من خلالها مروجين لقصة يريد الاحتلال تثبيتها، لا نزال نصر على ما نعرفه من التاريخ، وكأن كل منا يستطيع ان يكتب كتاب تاريخه الوطني الخاص ويطبقه كوثيقة معتمدة.

تأتي محاضرة ثالثة تتكلم عن التخطيط والتحذير من مخططات الاحتلال، ويتخلل هذا محاضرة عن مدى تأثير دور اليونسكو في الحفاظ على الاماكن التاريخية وحفظ التراث الفلسطيني.

يرجع الاختلال الى احتلال، ويبدأ بخضخضة ما تبقى من دماغي المختل اصلا، يجب ان نقاوم ! ولكن هناك تأطير ممنهج من السياسات التهجيرية والقمعية.

هوية الانسان المقدسي، ما هي القدس.
بين من يريد تثبيت القدس الى حدود الرام، وهناك ما يبدو كمخطط ان تكون بيت حنينا القدس العاصمة.
ما الذي نريده ؟
ما هي بوصلتنا واين هي وجهتنا؟
ما الذي يحدد هويتنا؟

أسئلة بقيت أتخابط معها في عقلي الصغير لعدة أيام ... جاءت مسيرة العودة.
حدث يضخ الدماء من جديد في العروق الفسطينية المحتلة.

على مشارف الطريق من القدس الى حيفا، تتزاحم الجوانب في كل ما هو أخضر بعائلات اسرائيلية تحتفل باستقلالها، ونحن نسير في التفتيش عن قرية كان اسمها عتليت ولا يزال... كان بها قلعة وعوائل ....وباتت اليوم مستعمرة ربما يبقى فيها سجن كبير ، وهواء يتخلله اشباح ربما لما كان سكان في  يوم بعيد.

الاف المحتشدين نحو المسيرة، طردت افكاري المختلة وقلت في نفسي: ضخي بعض الدماء في عروق وطنيتك واسكتي.

بدأ سجال عقيم بيني وبين ابنتي التي استثارها وهج المشهد المليء بالاعلام الفلسطينية، وتحيطه سيارات الشرطة الاسرائيلية والاعلام الزرقاء والبيضاء بترقب.
"انهم ابطال" قالت لي ابنتي مضيفة: "انظري، لولا هؤلاء لنسيت القضية، انهم يحتشدون بالالاف، اين باقي الفلسطينيين في كل مكان".

كان علي ان اذكر ابنتي ان هناك الملايين الذين يعيشون وراء الجدار العازل الذي مررنا منه ولم ننتبه اليه، صورة تبدو وكأنها جزء من مسح الحقيقة وفرض واقع مزيف يطغى ليكون هو الواقع الحقيقي في اذهان اجيال قادمة.

كان علي ان اذكرها كذلك ان هناك من يقاومون يوميا، انظري الى ما يجري في غزة، لماذا لا نذهب نحن الى هناك؟ الى الحدود الممكنة؟.

باتت العودة مسيرة نحشر فيها ونعبر فيها ونرفع الاعلام، ونلقي الخطابات ونتلو قسم العودة ونعود ادراجنا لاحتلال يعشش في حواسنا.

جذبني مشهد هرولت اليه، فلقد مللت الاعادات وتكرار المشاهد . علم سوري يتقدم بحذر. شعرت بنشوة ما ، هناك قضية ما لا يزال هناك من يحمل علما من اجلها . تناسيت ان العلم السوري يجب ان يرفع كما العلم الفلسطيني في هذه المناسبة ، وكأن الجولان بلع في قعر هذا الوادي من القرية الساحية كما مسيرتنا هناك.

الاحتلال يا سادة !!! هل تذكرون ؟ هناك جولان محتل كذلك، كما هي فلسطين ؟
ولكن .. النجوم بالاعلام تتحكم بالموقف، والفرقة الفلسطينية توحدت في علم واحد، ولكن الشأن السوري لا يزال يفرق، فالعلم السوري بالنجمتين علم النظام، وهذا امر يتحسس منه دعاة "حقوق الانسان الديمقراطية والدعم القطري والسعودي واصحاب الفكر الشيوعي والتحريريين والقوائم الاسلامية ووووووو" سوريا شأن نختلف عليه، هذا علم النظام وليس علم سوريا.

في تلك اللحظة تهاوت المسيرة امامي ، ولم اعد ار إلا اعلام الاحتلال الزرقاء والبيضاء عن بعد قريب، وسيارات الشرطة المحيطة، وذاك الهجوم على العلم السوري اليتيم، شعرت بالغربة، وبمعنى الخلل الذي تخلل في عروق اجسادنا المحتلة.

بين خوف ورهبة من حاملي العلم اليتيم، وبين اصرار على ان سوريا بعلمها ترفع على الصدور، اخذت العلم وربطه على ظهري وشددته حول رقبتي ومشيت نحو المقدمة.

نظرات كانت كثيرة تقترب مني لتقول شكرا.
نظرات ملأى بالقمع الذاتي.
نظرات ترى بهذا العمل استفزازي.
تخيلوا ان المشاركة بعلم دولة اسمنا يشتق منها، ولا تزال تقف مدافعة عما تبقى من عروبة اختل توازنها فاحتل الهوان العربي حواسها.
تخيلوا ان الانسان يصبح علما، وتصبح القضية قضية نظام او معارضة، يصبح ولاؤنا مكبل بالخوف من التعبير عن رأي قد يزعج احدهم.
تخيلوا ان الاحتلال تم اجتزاؤه حتى بين اصحابة، ولكن العلم الفلسطيني بقي واحدا، لساعات محددة في مسيرة عمياء.

كل عودة ونحن بخير

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير