المواجهة بين طهران وتل أبيب ترتبط بمستقبل الاتفاق النووي

21.04.2018 10:13 AM

وطن: يكتب تسفي برئيل في صحيفة "هآرتس" العبرية، أن الرئيس الإيراني حسن روحاني يمسك بيده حبة بطاطا ساخنة ـ الريال الإيراني. في خطوة يائسة، في الأسبوع الماضي، اضطرت حكومته إلى الأمر بمنع بيع الدولارات واليورو في محلات الصرافة. وفي مطار إيران يستطيع المسافرون المغادرون إلى دول قريبة شراء 500 يورو فقط، والمسافرون إلى أماكن بعيدة يستطيعون شراء حتى 1000 يورو، وحظرت على المواطنين امتلاك أكثر من 10 آلاف دولار أو يورو، وتم تحديد السعر الرسمي الحقيقي للريال بمبلغ 42 ألف ريال للدولار، وهو سعر يقل بحوالي 20 ألف ريال عن قيمته في السوق السوداء. إن هبوط سعر العملة بأكثر من 35 في المئة مقارنة مع السنة الماضية، بعد سنة من انتخابه للولاية الثانية كرئيس هو ليس ما كان يأمل روحاني حدوثه.

لم يعد من الواضح تماما من هم المنتقدون الأكثر حدة للرئيس: المحافظون الذين يتوقون إلى رؤية تحطمه، مؤيدوه الإصلاحيون الذين خاب أملهم وأصيبوا بالإحباط بعد خمس سنوات من ولايته، الجمهور الكبير الذي يرى كيف أن وعوده بمستوى حياة فاخر بقيت على الورق، أو ملايين العاطلين عن العمل الذي يعيشون على مخصصات الفقر. التظاهرات التي جرت في شهر كانون الأول الماضي في مدن كثيرة في إيران ما زال صداها مدويا. عشرات المتظاهرين الذين اعتقلوا في حينه ينتظرون محاكمتهم وفرضت على عدد منهم أحكام شديدة. وفي نفس الشهر أضرب عمال في مصنع السكر "هافت تافيه" في محافظة خوزستان الذي يشتغل فيه حوالي 5500 عامل، وذلك احتجاجا على تأخر دفع رواتبهم لعدة أشهر. لقد انتحر عدد منهم لعدم قدرته على الوفاء بتسديد ديونه.

هذه ليست حادثة منعزلة: لقد جرت إضرابات كثيرة في عشرات المصانع، وفي الأساس في المصانع التي تم خصخصتها وبيعها لرجال أعمال، لكن الخصخصة أيضاً لم تجلب نتائج مشجعة. في نهاية السنة الماضية قدر البنك الدولي أن نسبة النمو ستصل إلى 4 في المئة في الأعوام 2018 ـ 2019، وهي نصف النسبة التي كان يطمح الهيا النظام، النمو في الصناعة وصل إلى 18 في المئة في منتصف السنة الماضية ووصل إلى 4 في المئة هذه السنة، نمو الإنتاج يقارب الصفر والإصلاحات الاقتصادية التي أعلن عنها روحاني والتي كان من المقرر أن تتضمنها ميزانية هذه السنة تم وقفها تقريبا بصورة كاملة بسبب التظاهرات والاحتجاجات ضد الميزانية التي تضمنت ارتفاع الأسعار وتقليص كبير في الدعم.

بعد ثلاثة أشهر اندلعت تظاهرات للمزارعين في أصفهان على خلفية نقص كمية المياه والإدارة المتعثرة لقطاع المياه، الذي أدى إلى نقل أنبوب المياه على حساب المزارعين. يبدو أيضاً أنهم في السماء يحاربون روحاني: هذه السنة سجل الجفاف أصعب حالة خلال الخمسين سنة الأخيرة. كما أن مياه السدود خفت بدرجة عالية، هكذا أيضاً إنتاج الكهرباء يتوقع أن يتضرر بأكثر من 40 في المئة.

مشكلات النظام لا تتوقف في مكتب روحاني. ففي التظاهرات يشتمون الزعيم الأعلى علي خامنئي ويدعون لموته، والمحتجون يسألون لماذا تواصل إيران تمويل الحرب في سوريا واليمن. هذه الدعوات تصل إلى مكتب الزعيم وإلى قيادات محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري، وقاسم سليماني قائد قوة القدس في الحرس الثوري.

في وسائل الإعلام المؤيدة للنظام يمكننا قراءة الردود التي يكتبها مؤيدوه، الذين يسلون أنفسهم باحتمالية أن يضعوا على رأس الدولة رجل جيش بدل رئيس مدني. ليس واضحا إذا كانوا ينوون ترشيح شخص كهذا في الانتخابات الرئاسية القادمة في 2021، أو محاولة عزل روحاني خلال ولايته الحالية. التقليد السياسي في إيران سمح حتى الآن للرؤساء بإنهاء الولايتين اللتين يسمح بهما الدستور، لكن إذا خرجت الاحتجاجات المدنية عن السيطرة فإن حلاً من الحلول المحتملة يمكن أن يكون إجراء التغيير في القيادة. ولكن مثلما في دول أخرى في المنطقة التي اتبعت هذا الأسلوب من أجل تهدئة الجمهور، سيكون لهذا التغيير تأثير مؤقت فقط.

رعاية روسيا
في الوقت نفسه تنتظر إيران بتأهب 12 أيار، وهو الموعد الذي سيطالب فيه الرئيس ترامب بأن يقرر ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي. بالنسبة لإيران هذا القرار حاسم. الشعور بتأثير فترة الانتظار يظهر جيداً منخلال انخفاض الاستثمارات الأجنبية التي سجلت في الأسابيع الأخيرة، وتجميد المشاريع التي سبق وتم الاتفاق عليها مع دول، والضغط الشديد من أجل تقليص مصروفات الحكومة. رسميا أوضح روحاني أن إيران ستواصل التمسك بالاتفاق حتى بدون الولايات المتحدة. وهو يجري محادثات ماراثونية مع رؤساء الدول الأوروبية وتركيا وروسيا والصين، التي يسمع من معظمها حول نيتها الدفاع عن الاتفاق.

إن جهود ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لإقناع الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات أخرى، ولو رمزية، على إيران لإقناع ترامب بالتمسك بالاتفاق، لم تنجح. المحادثات التي أُجريت في الأسبوع الماضي في بروكسل انتهت بالفشل، لكن حتى لو لم ينجح الاتحاد والولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق حتى الموعد المحدد، فإن الانسحاب أحادي الجانب من قبل أمريكا من شأنه المس ليسفقط بإيران، بل بشركائها في التجارة. رئيس شركة النفط الفرنسية الكبيرة «توتال»، باتريك بويانا، أوضح في الشهر الماضي بأن شركته تلتزم باتفاق تطوير حقل النفط الجنوبي «فارس» وأنه يطالب بإعفائه من العقوبات إذا اتخذ قرار بفرض عقوبات أخرى. كذلك روسيا والصين ستواصلان استثماراتهما، ومثلهما أيضا العديد من دول أوروبا، لكن بدون الجهاز البنكي الأمريكي الذي يقاطع إيران، فإن الشركات الأوروبية أيضاً ستجد صعوبة في الاستثمار في الدولة.

إن قرع طبول الحرب المتوقعة بين إيران وإسرائيل، كماحذر في «نيويورك تايمز» الكاتب توماس فريدمان، ومثلما يحذرون في إسرائيل، يجب أن ينتظر حتى منتصف أيار، على الأقل. بصورة متناقضة فإن الصراع بين واشنطن والعواصم الأوروبية هو الذي يساعد كثيراً في ضبط النفس الإيراني إزاء الهجمات المنسوبة لإسرائيل. المنطق الإيراني لا يستطيع السماح باندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط لأنها ستخدم ترامب وإسرائيل وتحرر الكوابح الأوروبية. الاتفاق النووي والأزمة الاقتصادية تدفع إيران إلى زاوية ضيقة لا تستطيع فيها، ليس فقط تطوير مشروعها النووي، بل أيضاً خوض حرب تقليدية. إيران تستطيع على أبعد تقدير العودة إلى الاتفاقات التي وقعت عليها قبل الاتفاق النووي، مثل ميثاق منع انتشار السلاح النووي بدون البروتوكول الملحق، الذي يتضمن رقابة أخف مقابل الرقابة القاسية التي يحددها اتفاق فيينا، والتخلي عن الجدول الزمني الدقيق للاتفاق. ولكن إذا تم اتخاذ هذه الخطوات فإن إيران من شأنها أن تقطع بيدها أنبوب التعاون بينها وبين الدول الأوروبية وأن تضع روسيا أيضا في وضع معقد.

الضغوط التي تهدد من الداخل تجبر إيران على اتخاذ قرارات حاسمة أيضاً في ساحات أخرى تشارك فيها، لا سيما في سوريا. إن تبادل اللكمات الجوية واللفظية مع إسرائيل وإمكانية أن تزيد إسرائيل هجماتها ضد أهداف إيرانية في سوريا، تلزم إيران بتسريع العمليات السياسية التي تديرها روسيا.

هجمات كهذه بالتحديد ستعزز التعاون بين روسيا وإيران بهدف التوصل إلى اتفاق شامل يثبت نظام الأسد ويحدد حدود النفوذ للدولتين في سوريا، وينظم المناطق الآمنة ويعيد السيطرة السيادية للأسد ويقيد حرية عمل إسرائيل في سوريا. من أجل تحييد خطر الضربة المحتملة لقواعدها في سوريا تستطيع إيران تطبيق الاستراتيجية التي نجحت في العراق ومحاولة دمج المليشيات التي ترعاها في الجيش السوري. بهذه الطريقة نجحت بفرض ضم مليشيات الحشد الشعبي في العراق إلى الجيش حيث يتلقى مقاتلوها من الجيش رواتبهم.

وجود وحدات وقواعد سورية ـ إيرانية مشتركة سيصعب على إسرائيل الادعاء بأنها تعمل ضد تمركز إيران في سوريا، وكل هجوم ضد قاعدة مشتركة سيعتبر عملاً عدائياً ضد نظام الأسد. وهناك توجه آخر يمكن أن يتطور في التمركز الإيراني بدون تشويش، يتعلق بنقل سكان إلى سوريا وإعادة إسكان مئات الآلاف من اللاجئين الأفغانيين والباكستانيين الذين يشارك عدد منهم في القتال في سوريا برعاية وتمويل من طهران. رجال أعمال ومقاتلو مليشيات بدأوا بشراء الأراضي والبيوت في سوريا، ويتوقع حتى حصولهم على الجنسية السورية التي تمنحهم حق المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

كما أن مصانع صواريخ أو سلاح ثقيل تقيمها إيران في سوريا ستتحول إلى جزء من الترسانة السورية الشرعية، بصورة من شأنها أن تمس بالقدرة على التمييز بين السلاح الإيراني والسلاح السوري. مثلما هو الأمر في العراق ولبنان واليمن، ليس من المطلوب وجود قوات إيرانية نظامية على الأرض من أجل ضمان تمركز النفوذ الإيراني. حسب هذه الاستراتيجية، إيران لن تضطر حتى إلى إقامة منظمة مؤيدة لها في سوريا تكون منفصلة حسب نموذج حزب الله. هذا الدور سيقوم به لصالحها الجيش السوري، وهو يحظى بحماية الكرملين من الهجمات الأجنبية.

هذه الخطوات إذا تم تنفيذها من شأنها مساعدة النظام الإيراني على مواجهة ليس فقط تهديدات إسرائيل، بل أيضاً الضغوط المتوقع حدوثها من الداخل إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق. صحيح أنه تم قمع احتجاج الجمهور ضد استمرار مشاركة إيران في الحرب السورية والحرب في اليمن، لكنه لم يتلاش تماما. النظام متيقظ ومتأهب لاندلاعه من جديد. الحاجة إلى الموازنة بين تثبيت النفوذ الإيراني في سوريا وبين تهدئة الجمهور في وجه النزيف الاقتصادي الذي تسببه الحرب في سوريا للاقتصاد، هو الذي سيحدد سلوك طهران أيضاً أمام إسرائيل.

تصميم وتطوير