خالد بطراوي يكتب لـ"وطن": بين المطرقة والسندان

23.04.2018 07:24 AM

دوما أيها الأحبة أعشق حتى الثمالة " الحكي من الآخر" كما يقولون في أمثالنا الشعبية. 
كنت قبل عشرات السنين أجلس في منزل والدي ووالدتي – رحمهما الله – عندما تطاول " شاب ثوري للغاية " كان في زيارتنا على شخصية فلسطينية وطنية فقط لأنه وضع نفسه خارج فصيل سياسي واصفا إياه بالخائن .. حتى قلت له " وهل تعرف لماذا هذه التشوهات في وجه من تنعته بالعميل" ... إرتبك وقال "لا" .. قلت له لماذا لا تقرأ التاريخ أو على الأقل تتابع على الشبكة المعلوماتية لتجد أن طردا أرسل له من قبل الموساد الإسرائيلي إنفجر في يديه وأحدث تشوهات في وجهه سبعينات القرن المنصرم ... إن اختلفنا فصائليا يجب أن لا نخوّن بعضنا البعض.

استمر هذا الشاب الثوري للغاية في الحكي " بالوساع" عن تحرير البلاد من النيل الى الفرات .. فأحضرت له من مكتبتنا خارطة ورقية للعالم وطلبت أن يستخرج أرض فلسطين .. فلم يجد .. بل وجد مكانها "إسرائيل" ... أحضرت له السائل الأبيض الذي يزيل والمسمى " تيبكس" وقلت له " إن مسحت كلمة إسرائيل بالتيبكس وكتبت مكانها فلسطين .. فهل يتغير من واقع الحال شيء" ... قال " نعم" ... قلت له عندها " أنتهى النقاش .. دعنا نستمع الى حوار ثقافي مع والدي.

في بعض الأحيان .. إن لم يكن في أغلبها .. فان " الحكي من الآخر" أكثر هدوءا لدواخلنا أمام هذا الآندفاع الثوري العاطفي المغامر. 
إن قلبنا التحليل .. ومن الآخر ... هل موازين القوى العالمية والإقليمية والعربية وحتى الفلسطينية في صالح القضية الفلسطينية الوطنية التحررية؟

فإن قال لك أحدهم " نعم" فإن النقاش ينتهي والأفضل أن تحافظ على علاقة الصداقة مع صديقك وتستمع لأغنية أم كلثوم " أروح لمين ... واقول لمين ... ينصفني منك".

وإن قال لك آخر " لا وألف لا " فانه من المجدي أن تستمر في النقاش معه حتى لو إنتهى النقاش بأغنية " مناضلون .. مناضلون .. مناضلون .. قادمون .. قادمون .. قادمون".
على الأقل تكون أنت قد وصلت واياه الى بلورة رؤيا لتحرك وإستنهاض.
وبين " النعم" و الـ "لا" هناك يا أفاضل "الحردان" الذي ينطبق عليه المثل " ما بيعجبو العجب ... ولا الصيام في رجب" ... ليتني أعرف ما الذي يريد أن يصل اليه " بحرده " وما الموقف الذي يريد أن يسجله أيضا؟
وهناك المتذمر دوما الذي ينطبق عليه بيت شعر الشاعر إيليا أبو ماضي القائل " أيها الشاكي وما بك داء ... كيف تغدو أذا غدوت عليلا".

اما الطامة الكبرى ( عجبتني هاي .. كيف طلعت معي ما بعرف) فهي ذلك الذي يقول لك دوما " منيح .... بس لو " ...  ولو هاي ... تطيح بكل "المنيح" ولا تشعل مطلقا شمعة ولا ترى " النور في آخر النفق".

ان الوضع العالمي والاقليمي والعربي والفلسطيني في غير صالح شعوبنا .. ذلك يستدعي طرحا واقعيا قابلا للحياة والتطبيق بعيدا عن الثورية المفرطة المغامرة التي ستزيد من حالة تبعيتنا للنظام الإمبريالي العالمي الإستعماري التوسعي الناهب لكل خيرات ومقدرات بلادنا الساعي لتعميق الظلام والظلامية في بلادنا.
لا يتأتى ذلك الا بنفض الغبار عن ثيابنا، فان المقولة الرائعة تنطبق علينا " إذا ما وقعت ... قم .. إعتدل .. أنفض الغبار عن ثيابك .. وواصل السير مجددا".

إن تكاتف ووحدة كل القوى التواقة للنور في عالمنا العربي يستدعي الإطاحة بمقولة " مش معجبو العجب ولا الصيام في رجب" ووقف " الحرد" وعدم الاستسلام للتذمر والشكوى، فالشكوى لغير الله مذلة.

هذه كانت المطرقة أيها الأحبة، أما السندان فهو أننا يجب أن لا نتعامل بردود فعل في غير ذي محلها، حيث لا أستطيع أن أفهم بأي حال من الأحوال، أن "يشطب" مناضلا رفيقا له في النضال لمجرد أنه "أختلف معه" أو " حرد منه".

ولا أستطيع أيضا أن أفهم مفاهيم " صك الحرمان" من المقدرات والمخصصات أو حتى التلويح والتهديد بها، ذلك ليس له علاقة مطلقا بمعادلات وأضبارات العلاقات والنضالات الكفاحية المشتركة ولا ينبغي لأي منا أن يسلم بمقولة " طعمى التم تستحي العين" ...  وتعجبني دوما مقولة " قد أختلف معك .. لكنني على إستعداد أن أدفع حياتي ثمنا لكي تقول كلمتك".

وفي هذا السياق، فان حنفية المقدرات والمخصصات ليست حكرا على أحد، إنها أستحقاق للجميع أتفقت معه أم إختلفت. نحن جميعا ... في عالمنا العربي وفي شأننا الفلسطيني .. بين المطرقة والسندان .. مطرقة الأمبريالية وسندان التبعية والاحتلال والظلام والظلامية ... فلماذا نصنع لأنفسنا مطرقة وسندان جديدان ... تفرمنا فرما أكثر فأكثر لنسهل بذلك على أعداء الشعوب تقليبنا و" شواءنا" على نار ليست هادئة بل مستعرة؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير