سوريا: ترمب يمهد الأرض امام اعتداءات دولة الاحتلال

23.04.2018 04:15 PM

ترجمة خاصة-وطن: مهد رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترمب، طريقا مليء بالفوضى والمفاجئات، ومفتوحا على كل الاحتمالات، سعى من خلاله الى ارضاء الأوروبيين، وارضاء نفسه بشكل خاص، وتمهيد الطريق امام دولة الاحتلال  لأخذ الأمور بيدها حيثما احتاج الامر، وحيثما كان الظرف مناسبا.

لم يتسبب الهجوم الثلاثي على القواعد والمراكز الكيميائية السورية بإزعاج اللاعبين الاخرين المنغمسين في الازمة السورية، ولم يقترب من مصالحهم. ولكن، مع التطورات على الأرض، من الصعب معرفة من سيكون الكاسب الاكبر في هذه الحرب القذرة، الملطخة بالدماء، والجماعات الإرهابية، والإيرانيين المتوغلين في سوريا؟ والسؤال الاخر، ما هو السيناريو المحتمل ان غادر الأمريكيون بقواتهم الى خارج الأراضي السورية؟

وبالقدر الذي تشعر فيه إسرائيل بالقلق، وترحيبها باي تدخل عسكري يصب في مصلحتها، الا ان الضربة الثلاثية الأخيرة "لم تعجبها"، لأنها لا تحسن من الوضع الاستراتيجي لإسرائيل باي شكل من الأشكال، وفق الكاتب. ولهذا، تبقى إسرائيل عند نفس الموقف بالضبط، حيال الصراع المتصاعد مع إيران، وهو الضرب بنفسها كلما كان هناك فرصة مواتية.

اما الضربة نفسها، فلم تؤدي الى شيء يذكر. حيث لم يتم اضعاف موقف الرئيس السوري بشار الأسد. بل على العكس، فقد ادى الهجوم الى تكثيف الالتزام الروسي بدعم نظام الأسد، وتلميع صورته بعض الشيء. فقد تحدث الروس عن بيعهم سوريا صواريخ مضادة للطائرات، من طراز (S-300)، وربما من طراز (S-400)، مما قد يجعل من الصعب على سلاح الجو في جيش الاحتلال العمل في العمق السوري. ويبدو ان الاسد فهم بان بإمكانه الخوض في مخاطر أكبر، حيث أن رد الفعل الروسي أوضح له أن الروس سيدافعون عنه في أي اشتباك.

غير انه لا يمكن اعتبار رد الفعل الغربي على استعمال النظام للأسلحة الكيميائية، والضربة الثلاثية تحديدا، الا كونها نفاق سياسي من الدرجة الأولى. فقد استخدم السوريون الأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين (6) مرات على الأقل منذ أن قصفت إدارة ترمب، قبل عام، قاعدة جوية سورية انطلقت منها الطائرات التي أقلعت لمهاجمة المدنيين بالأسلحة الكيميائية. غير تلك الهجمات لم تحظى بتغطية واسعة، كما حدث هذه المرة في دوما.

ومن المؤكد انه لم يكن لدى الأمريكيين اية رغبة في تغيير الوضع، أو إسقاط الأسد، أو حتى احداث اضرار جسيمة للنظام السوري. وانما كانت عقوبة رمزية لا تحمل اية مخاطر، ولا تتسبب بإزعاج الروس.
والى ما قبل ثلاثة أيام من الضربة الجوية، كان الروس يصدرون اوج تهديداتهم، وبطريقة استفزازية، وغير مسبوقة، ضد اية هجمات قد تستهدف سوريا. لقد قدر الروس، او عرفوا، بشكل مسبق، أن الولايات المتحدة لم تكن تخطط بالفعل للقيام بعملية كبيرة، ولهذا أطلقوا السنتهم للتهديدات الكبيرة.

ووفق الروس، كانت خطة الهجوم التي أعدها الأمريكيون بسيطة، فقد شملت مطارات، ومنشئات تابعة لمركز العلوم والدراسات السورية، وقاعدة عسكرية في الكسوة، القريبة من دمشق. وهذا يعني ان كل الاهداف كانت سهلة وميسرة وفي متناول طائرات التحالف الثلاثي. ومما زاد من بساطة الخطة الامريكية، في نظر الروس، هو تركيزها على التهرب من أنظمة الدفاع الروسية على حساب قوة الضربة وهدفها الجوهري. وبالتالي فضل الامريكيون استخدام الأسلحة الموجهة طويلة المدى، وبشكل رئيسي صواريخ "توماهوك"، التي لا تستطيع تدمير مدارج المطارات،ولا تعطيلها عن الخدمة، كما لا يمكنها اختراق الاسطح والمباني المحصنة.

ولعل الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في الضربة الثلاثية لا يكمن في جانبها العسكري، بل في جانبها الدبلوماسي. فقد كانت المرة الأولى التي أطلقت فيها الدول الثلاث عملية مشتركة ضد هدف غير تابع لتنظيم "داعش"، منذ عدة سنوات. ويبدو ان كل شيء كان متفق عليه، فقد صرح وزير الدفاع الفرنسي، وبشكل علني، بأن "الروس كانوا على علم بالضربات قبل تنفيذها".

ولهذا، ليس من المستغرب أن يكون أول بيان صادر عن وزارة الدفاع في روسيا بعد الضربة يشير الى أن "روسيا لم تلجأ الى استخدام أنظمة الدفاع الجوي"، مع العلم ان روسيا كانت تهدد باستخدامها. وادعت الوزارة الروسية ان صواريخ "كروز" الأمريكية لم تدخل "مجال المسؤولية" لأنظمة الدفاع الجوي الخاصة بها. وقد بلغ التنسيق مبلغه، حيث كان الأمريكيون حذرون للغاية، لدرجة أن منشات انتاج وتخزين المواد الكيماوية التابعة للنظام السوري في اللاذقية لم تتعرض لصاروخ واحد، بسبب الوجود الروسي هناك. وبالملخص، حققت الضربة أدني نتيجة يمكن تخيلها، وخصوصا في ظل الخطاب حامي الوتيرة، وعالي التوقعات، من ترمب.

وعلى الجانب الاخر، أصدر "البنتاغون" الأمريكي بيانا مخجلا، حيث قال: "لقد كانت ضربة لمرة واحدة". وهذا يعني أنه حتى لو لم يتم تدمير الأهداف، او تم اعتراض عدد كبير من صواريخ "كروز"، فانه لم يكن في نية الأمريكيين إعادة الضربة على ذات الموقع مرة أخرى للتأكد من إصابة الاهداف. وهذا يؤكد ان الأمريكيين لم يكونوا مهتمين بالنتائج، بل بالأخبار والحديث عن الضربة قبل كل شيء.

وبشكل مفاجئ، اتضحت الصورة الكاملة. فعندما تم إسقاط طائرة بدون طيار، بعد العشرات من الحوادث المشابهة، دون ان ترد عليها إسرائيل، لم يعرف الجمهور الإسرائيلي المبرر لفقدان طائرة من طراز (F-16)، مما دفعنا إلى صراع مباشر مع إيران.

واتضح فيما بعد أن الطائرة المسيرة كانت محملة بالمتفجرات، وكان من المفترض أن تنفجر فوق هدف معين في إسرائيل، لإيصال رسالة واضحة من الإيرانيين، مفادها بان إيران تسعى الى فرض قواعد اللعبة في سوريا، وعدم التنازل عنها. وجاءت الطائرة الإيرانية المسيرة كتهديد عقب الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المنشآت الإيرانية في سوريا، والتي أدت الى مقتل عسكريين إيرانيين كبار، ومتطوعين مؤيدين لها. وتعتبر الطائرات المسيرة، المحملة بالمتفجرات، من "الأسس الراسخة في العقيدة العسكرية الإيرانية الجديدة"، الى جانب الصواريخ الموجهة. بالنسبة الى معلومات إسرائيل، فان كل ذلك نشأ وانطلق من قاعدة "تي فور"، ولهذا قالت إسرائيل انها أصبحت هدفا مشروعا لسلاحها الجوي، وخصوصا انها كانت منطلقا لنقل الأسلحة الى حزب الله في لبنان، وفق الكاتب.

ولهذا، ما يزال توقع إسرائيل قائما حيال احتمال تلقيها لهجوم ايراني انتقاما من مقتل (7) عسكريين إيرانيين، في القصف الإسرائيلي على "تي فور". وتتوقع إسرائيل ان يطلق وكلاء إيران صواريخ "كورنت" من مدى يصل إلى (5) كيلومترات، من الحدود السورية أو اللبنانية، على مركبات تابعة لجيشها، وفق الكاتب. كما تتوقع الهجوم بطائرة مسيرة محملة بالمتفجرات، تضرب هدفا عسكريا او مدنيا معينا. وفي النهاية، سيعتمد حجم الحرب الشاملة او الجدية بين الطرفين على عدد القتلى الإسرائيليين، وفق الكاتب.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية

تصميم وتطوير