المسألة الإيرانية : احتمالات الصراع العسكري مع إسرائيل تظل واردة

30.04.2018 05:09 PM

ترجمة خاصة- وطن: تخلى الشاه الفارسي عن الحكم في بلاده، قبل نحو (39) عاما، فأعلنت طهران قيام جمهورية إسلامية، بقيادة آية الله الخميني. وكانت أبرز ميزات الجمهورية الاسلامية تكمن في الشمولية الدينية، وعبادة الشخصية الاعتبارية للمرشد الأعلى، والسيطرة المطلقة على الاقتصاد من قبل الدولة، مع محاصصة لأذرعها المختلفة، بالإضافة الى الانتهاك المتواصل لحرية الرأي والتعبير، وفق الكاتب. وبالنسبة للتقدير الإيراني، فشلت ثورة الخميني في تحقيق أهدافها، كما عجزت عن ايجاد سابقة جذابة، وقدوة حسنة، تُحتذى من قبل الدول الأخرى.

وعلى الصعيد الاقتصادي، نما دخل الفرد الإيراني بمعدل (0.5%) سنويا، منذ العام 1980. غير انه لم ينمو على الإطلاق خلال السنوات العشر الأخيرة. وتحولت القوة الصناعية والتكنولوجية الإيرانية، إلى سوق شبه راكد، وبضاعة غير مرغوبة، والى سوق سوداء للسلع الاستهلاكية المرغوبة في الغرب، وفي الدول العربية المجاورة لإيران.

يتغذى الاقتصاد الإيراني من النفط وحده، وما يزال مفتقدا الى الاستثمارات الفعالة. حيث انه بحاجة الى ضخ ما لا يقل عن (200) مليار دولار، وبشكل مباشر، من اجل تحسين قطاع النفط والغاز المهملان استثماريا، وفقا لبيانات رسمية إيرانية. كما ان إصرار القيادات الإيرانية العليا على تطوير سلاح نووي أسهم في تدمير القدرات الاقتصادية للبلاد وبشكل متسلسل، فضلا عن تسببه بعقوبات دولية انعكست على البلاد بشكل عميق وطويل الأمد.

ولم تَزُل خيبة الامل لدى المواطنين الإيرانيين رغم رفع العقوبات الدولية عن إيران قبل نحو عامين. حيث انه لم يطرأ على وضع الإيرانيين سوى تحسنا هامشيا فقط، ولم يتدفق رأس المال الغربي إلى إيران كما كان متوقعا، وظل الحضور الاستثماري المدني لإيران في الساحات الدولية محدودا جدا.

ويجب ان لا يدعو هذه الامر الى المفاجأة، حيث ان نسبة (45%) من الاقتصاد الإيراني مملوكة للحكومة، بالإضافة الى (33%) مملوكة من قبل الحرس الثوري، ونحو (5%) مملوكة لجماعات دينية تعتبر فاسدة وغير خاضعة للرقابة، وتخضع مباشرة للمرشد الأعلى.

اما معدل البطالة بين الشباب الإيراني، فيبلغ نحو (28%). وتشارك (15%) فقط من النساء في القوى العاملة الإيرانية. وبالنسبة الى سعر صرف العملة الإيرانية في السوق الحرة، فينحدر الى عشرات النقاط المئوية عن السعر الرسمي لصرفها.
كما هَبّت في الفترة الأخيرة العديد من المشكلات، وكانت مجتمعة هذه المرة، وهو ما يفسر السلوك العصبي الذي تظهر عليه طهران خلال الفترة الأخيرة، وفق الكاتب، وهي: أولا، تهديد رئيس الولايات المتحدة، ترمب، بالانسحاب من الاتفاق النووي الدولي مع ايران، وهو تهديد دفع الشركاء الأوروبيين إلى البحث عن شروط جديدة من شأنها تصعيد العقوبات على ايران بهدف المحافظة على الوجود الأمريكي في الاتفاق؛ ثانيا، الجو العام المناهض لإيران في العالم العربي، في ضوء دعمها للنظام الفتاك لبشار الأسد؛ وثالثا، اتفاق المصالحة الذي يتشكل بين كوريا الشمالية من جهة والولايات المتحدة من جهة اخرى، والذي من شانه ان يؤدي الى تخلي "بيونغ يانغ" عن تطوير سلاح نووي، والذي من شأنه، بالتالي، ان يوجه ضربة كبيرة للبرامج العسكرية الإيرانية.

أضافة الى ذلك، تبرز مشكلات من ضفة أخرى، وهو المشكلات في الكرملين. فروسيا بوتين تبدو بعيدة كل البعد عن كونها دولة قوية ومستقرة ومتقدمة. فالفجوة العلمية والتكنولوجية بين روسيا من ناحية، والغرب من ناحية أخرى، أوسع بكثير مما كانت عليه في نهايات الحقبة الشيوعية. كما ان تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشأن الأنواع الحديثة من الأسلحة التي يزعم أن بلاده طورتها تبدو أوهاما خالصة، ويبدو ان الغرب لا يأخذها على محمل الجد الكامل، وفق الكاتب.

وعاجلا أم اجلا، سيدرك بوتين، وأعضاء دائرته المقربة، أن الوجود الروسي في سوريا ما هو الاّ عبء كبير عليه، وليس رصيدا له باي حال. وليس ادل على ذلك من الفشل الروسي البائس في منع الهجوم الأمريكي-البريطاني على قوات بشار الأسد، والذي نفذه الحليفان مؤخرا على اعين الروس. هذا فضلا عن فشل روسيا في تقديم مقنع للاتهامات الغربية حول استعمال جيش الأسد للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.

وعند "ساعة الصفر"، قد يرى المحافظون والمتشددون في إيران، بقيادة الحرس الثوري، ان صراعا محدودا مع إسرائيل، كخيار للهروب من العزلة والوهن الداخلي، وكطريقة لكسب التأييد والتعاطف في صفوف الجماهير في الدول العربية، بالإضافة الى محاولة تجنيد روسيا بوتين كدولة داعمة، بشكل مستدام واستراتيجي. وعلى الجانب الاخر، يمكن أن تؤدي هزيمة سريعة على يد إسرائيل الى نزاع داخلي غير متوقع، يؤدي إلى انهيار النظام في طهران.

ويعتقد بعض الخبراء الإيرانيين أن موقف القادة السياسيين، والعسكريين أيضا، يختلف بشكل جوهري عن الموقف "العنيف" لمتحدثي الحرس الثوري. حيث يميل الحرس الى الاعتقاد بأن الأمر يستحق القتال على عدة جبهات في سوريا، مما يسمح لهم بتحقيق حلمهم القديم المتمثل بتحويل لبنان إلى "جمهورية إسلامية" أيضا.

وعلى الجانب الاخر، يدرك الفريق الاخر قدرات إسرائيل العسكرية والاستخبارية. وبالتالي فهو لا يبحث عن صراع مع إسرائيل، إدراكا منه أنها "مغامرة" خطيرة، وغير واقعية، وستكون عواقبها وخيمة على إيران، وفق الكاتب. ويأخذ هؤلاء تحذيرات إسرائيل على محمل الجد، ويدركون بان إسرائيل مصممة على عدم السماح للإيرانيين بترسيخ وجودهم في سوريا مهما كان الثمن، وفق الكاتب.
غير ان كل ما سبق لا ينفي، مائة بالمائة، احتمال حدوث صراع محدود بين إيران وإسرائيل، مع الإشارة الى انه لا يمكن التنبؤ بالحروب في الشرق الأوسط بالذات، فهي في العادة تاتي غير منطقية، من ناحية التحليل ومن ناحية التوقع الاستراتيجي.

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: موقع "واي نت" بالإنجليزية

تصميم وتطوير