وجع الدراما الفلسطينية
كتب - رياض سيف:
في كل بلدان العالم المصنعة للدراما أو المنتجة لها او المحاولة ان تجد لها مكانا في هذا الفن , نجد ان هناك جسما يمثلها سواء بنقابة او رابطة او اتحاد مؤثر له كيانه واستقلاليته يقوم على التنظيم والرعاية والتنسيق مع الجهات الاعلامية المسؤلة والقطاع الخاص لحماية الفنان بل وفرض سلطته المستندة الى القرارات القانونية والشرعية للنهوض بالدراما بجميع أشكالها والزام الدولة بدعم المنتج الوطني ماديا ومعنويا ولوجستيا بما يكفل خلق حالة فنية سوية تعكس حضارة البلد وتنمي روح الابداع بل وتجني موردا يعود عليه بالنسبة التى يرتقي بها فنه وابداعه .
ولعل أقرب مثل للحالة التى اود ان اتناولها في معرض حديثي عن الدراما الفلسطينية , هي التجربة الاردنية التى بدأت برابطة الفنانين الاردنيين والتى كانت مجرد تجمع موحد لفناني الدراما التلفزيونيه والسينمائيه والمسرحية تعتمد على اشتراكات اعضائها وعلى جهود ابنائها وكانت نواة لخلق حالة من الدراما شهدت لها كل شاشات الوطن العربي بل ومع دعم المؤسسة الوطنية بإنشاء شركة للانتاج التلفزيوني اصبح بيت الفن في الاردن محجا لصناعة استفادت منها الدراما السورية والمصرية بإشراك نجومها في اعمال تلفزيونيه اردنيه بوجود حركة انتاج خاصة فاعلة سيطرت على الشاشات العربية بتفوقها , ومع تراكم تجارب الحركة الفنية في الاردن واثبات وجودها استطاعت ان تحقق شرعيتها كنقابة شملت اشكالا اخرى من الفنون كالموسيقى وغيرها من الفنون التى لها علاقة بالعمل الدرامي و تعددت مواردها واصبحت مسيطرة على كل الاعمال الفنية الداخلة الى الاردن فارضة رسومها من العقود والحفلات كمورد يضمن لمنتسبيها الضمان الاجتماعي من علاج وتقاعد وبموجب قوانين تشريعيه لا بمنة او عطاء من احد ..
وفي زمن غابت فيه الدراما الاردنيهة عن الساحة العربية او كادت ومع تراجع القطاع الخاص عن الانتاج , عملت النقابة على التواصل مع المسؤولين من اعلى القمة من اصحاب القرار لتصل بشرعيتها الى حقوقها في المؤسسة الاعلامية الاردنية , بتبني التلفزيون الاردني لانتاج او المشاركة بالانتاج لاعمال اردنية تزيد في بعض السنوات عن خمس اعمال درامية على حساب شرائها لاعمال درامية عربية والتى تتكرر في محطات عربية , لكن العمل الاردني ميزة لاتتكرر الا في تلفزيونه الوطني , وفي احيان يوزع لمحطات أخرى ..والهدف الاساسي هو تفعيل الدراما الاردنية والاخذ بيدها حتى تبقى صامده الى حين عودتها الى وضعها الذي بدأت عليه وهي خطوة قد لاتكفي لكنها افضل من لاشئ .
هذا شأن الدراما في بلد يعاني من قصور الانتاج قياسا لما حوله من البلدان التى تزيد انتاجاتها عن مئات المسلسلات او تزيد في زمن اصبحت فيه بعض انتاجات الدراما تستمد مواردها من غسيل الاموال ( المال الوسخ ) لتصل ميزانياتها الى ارقام فلكية بمضامين فارغة واجندات مغرضة هدفها "التعهير والتجهيل واثارة الغرائز" للوصول الى حالة التعتيم على الواقع وتحريم كل ما يتعلق بقضايا الامة وعلى رأسها فلسطين التى اضحت محرما وحيدا في الدراما العربية للوصول الى ما اصبحنا عليه بقبول الاصوات المأجوره بالقدس عاصمة للدولة المزعومة ووصف الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المقاومة للتطبيع بالحقيرة وعلى نفس الشاشات التى عمدت الى اخذ شبابنا الى زاوية اباحة العهر وابعادهم عن جذورهم وقضاياهم الوطنية .
في هذا الخضم نأتي الى الموضوع الاساس (وجع الدراما الفلسطينية) وما تعانيه من اهمال وتهميش بل وضرب تحت الحزام من قبل متنفذين فضلوا بضاعة الاموال الفاسده على بضاعة المنتج المحلي فأنفقوا الالاف على مسلسلات مهينة للشرف الوطني الفلسطيني او لاتستقيم مع المشاهد الفلسطيني سواء في مسلسل الرجل العجوز فرقة عطا الله ناجي او حارة اليهود او اعمال بدويه او ماشابه من اعمال لاتمت لفلسطين بصلة.
مما يجعل السؤال هنا حائرا , لماذا وما المقصود من ذلك ومن المستفيد من هذا كله ؟ في الوقت الذي يشتكي فيه المنتج الفلسطيني الفقير من رفض عمله الذي باع بيته واملاكه من اجل تحقيقه ليس حبا بالكسب وانما انتماء الى الوطن وتلبية لحاجة لا يدركها غير الفنان نفسه .
ومهما كان المنتج المحلي اقل جودة من غيره من الاعمال اليس من حق الفنان الوطني أن يرى عمله على شاشته ليكون له حافزا الى التطوير بأستمرار للوصول الى السوية المطلوبة؟, واليس الواجب على المؤسسة الوطنية ان تحمل هم الفنان الفلسطيني وتأخذ بيده وتقدمه على ما سواه من فناني العالم لتصنع منه مستقبلا واعدا للفن والدراما الفلسطينية ؟.
واذا كانت المؤسسة الاعلامية الوطنية قد اسعدتنا بخطوتها في العام الماضي بعمل وطني ايا كان مستواه بتمويله من الفتات القليل وهو مسلسل ( كفر اللوز) بينما في المقابل دفعت اضعاف هذا المبلغ لشراء اعمال عربية شاهدناها على محطات اخرى ولم نشاهدها على تلفزيون فلسطين .
الا ان هذه الخطوة لم تكتمل هذا العام . حيث نفذ خمس حلقات من المسلسل وتوقف والسبب ان كل ما توفر له هو مئة الف دولار فقط . وفي المقابل ستصرف اضعاف اضعاف هذا المبلغ على شراء دراما عربية اظن معظمها لن يرقى الى جماهيرية ( كفر اللوز الفلسطيني ايا كان مستواه ) . فهل من تفسير لما يجري . ام ان هناك في الجراب ما لايعرفه الغائبون عن الوعي .سؤال يحتاج الى اجابة.
والسؤال ايضا يبقى : لماذا هذا التهميش والتهشيم والاستعلاء على الفن الفلسطيني ومنتجه ..
الجواب الاولي هو ما اسلفنا ذكره بعدم وجود شكل فاعل للجسم الفني في فلسطين يحاسب ويطالب ويفرض .وهذا لايعني ان هناك اجساما بشكل اتحادات او جمعيات سينمائية او تجمعات مسرحية , فهي بعدد العاملين في مجال الفن وكل يغني على ليلاه لكون هذا التشتت كزبد البحر لايشكل اثرا ولا يغني من جوع .
اتحاد الفنانيين التعبيرين وهو الجسم المعتمد هو ( اتحاد الزجالين) الذي لا علاقة له بالدراما او الصورة وهو من بقايا مؤسسات منظمة التحرير شاخ من فيه من الشعراء والزجالين ولم يتغيروا , ومع انتمائهم لمؤسستهم الهرمة الا انهم لايجدون ثمن فنجان القهوة لضيوفهم .
فكيف يستقيم هذا الحال مع واجباتهم التى لايعرفونها اصلا , ولايعرفون سوى انهم هيكل من هياكل السلطة لا ينشطون الا في المناسبات السياسيه ولفريق واحد ينتمون له، وكفا الله المؤمنين القتال . واتحدى ان يتدخل اتحاد كهذا لفرض مسلسل فلسطيني على التلفزيون الفلسطيني حتى بالتوسل.
فكيف اذا افترضنا انه من الممكن له ان يعقد ميثاق شرف مع المؤسسة الوطنية من اجل انتاج او تبني او شراء عمل فلسطيني .وهذا من سابع المستحيلات فهو لا يملك من أمره شيئا كونه مأمور وغير مدعوم بشرعية قانونية تحميه وتحمي اعضاءه .
اما عن الجمعيات والاجسام الاخرى فحدث ولا حرج . فكل درامي تلفزيوني وسينمائي ومسرحي يشكل حالة لاتتوافق مع غيره من الحالات وكل في هواه يغني , ولا عزاء للفن بعد هذا في بلدي .
منذ قيام السلطة ونحن نسمع بصندوق الدراما وما من وفد او زائر للمقر الرئاسي الا ويخرج علينا بالبشرى , فما المانع من قيام هذا الصندوق ورفده وتطوير الدراما الفلسطينيه التى لم ولن تشهد لها الشاشات العربية مثيلا في حدثها واحداثها . والتى هي حاجة نضالية ووطنية في اعلى مراتب الحاجة كونها تغني عن الف خطابة والف مخطوط . وتغير في الرأي العام الذي شوهت افكاره حتى اصبح يقبل بفكرة القدس عاصمة للدولة المزعومة ..
الجواب هو بعدم وجود ذلك الجسم الحقيقي المطالب بحقه وحق وطنه اولا . وثانيا تحكم السياسي بقرار الفن والثقافة بحيث اصبح السياسي اكبر من الوطن واصبح المبدع والمثقف اصغر ما في الوطن .فمتى تستفيق فلسطين كل فلسطين من غفلتها بمثقفيها وفنانيها ..ومتى يصبح لدى فلسطين جسما فنيا مشرعا وقانونيا يفرض اجندته ويجبر اعلامه على السير في طريق الوطن .هذا سؤال برسم الفعل على عاتق مبدعي فلسطين ومثقفيها ..والى ان يتم ذلك نقول لن تقوم للابداع قائمة الا بالاستفاقة من الغفلة , وهي غفلة قاتلة لامحالة .
(كاتب وسيناريست)
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء