استمرار الاحتلال.. خطر وجودي

08.05.2018 04:45 PM

ترجمة خاصة- وطن: هل هناك ثمة شخص واحد في العالم يعتقد بجدية أن برنامج إيران النووي كان للأغراض السلمية فحسب؟

الم تستغربوا من الصمت الإيراني المطبق طوال، السنوات الماضية، عندما كان عملاء وكالات استخبارات دولية يقومون بخطف العلماء النوويين الإيرانيين، الواحد تلو الاخر. هل يمكن لاحد ان يصدق ان إيران كانت تبنى منشات نووية بهذه الضخامة تحت الأرض، وبشكل سري لفترة طويلة دون ان يكتشفها أحد؟

هل أخطأ نتنياهو لأنه لم يتخذ الاجراء المناسب عندما تم اكتشاف مفاعل الماء الثقيل في إيران؟ لماذا لم يعلم الموساد أن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة (20%)، وهي نسبة تتجاوز بكثير النسبة المطلوبة لإنتاج الطاقة؟

ما الذي سيخبرنا إياه نتنياهو، وكيف يمكن له ان يطمئن مواطنيه بعد ان فاضت وسائل الإعلام الإسرائيلية بنشر مسببات الهلع بين المواطنين من ناحية، بالإضافة الى ما قام به أصدقاؤه في البيت الأبيض من تأييد كلامه من ان إيران تمتلك برنامجا نوويا عسكريا.

وفي تقديمه الأخير، لم يذكر نتنياهو كلمة واحدة عن وضع الصفقة التي وقعها المجتمع الدولي مع إيران. إذا، هي لم تكن صفقة بين الولايات المتحدة وإيران. بل انه تم التفاوض بشأنها والتوقيع عليها من قبل الدول الخمس الدائمة العضوية في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا، وتمت بدعم من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

ورغم ان الصفقة تمت تحت اعين نظام "الرصد والتحقق" الأكثر صرامة وتفصيلا وشمولية في تاريخ اتفاقات الأسلحة عبر التاريخ. الا انها لا تعتبر اتفاقية مثالية، فهي لا تغطي برنامج الصواريخ البالستية الإيراني. كما انها اتفاقية محدودة زمنيا، ولكن حتى بعد أن تنتهي، تبقى إيران عضوا في معاهدة عدم انتشار الأسلحة، مع كل القيود وأنظمة التفتيش التي تتعلق بها، عملا ان إسرائيل لم توقع على معاهدة عدم الانتشار.

ان معظم من رأوا "مستودع" نتنياهو للوثائق الإيرانية لم يطلعوا أبدا عل اي تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفيما يلي بعض الاقتباسات من تقرير الوكالة الأخير عن إيران، المؤرخ في 22 شباط 2018. ولم يتحدى نتنياهو صحة هذا التقرير. ولو كان لديه دليل لإثبات أن هذا التقرير كاذب، فإن ذلك سيكون خبرا كبيرا. ولا شك بان إسرائيل تفعل كل ما في بوسعها لإثبات صحة هذه التقارير. ولكن، حتى رئيس أركان جيش الاحتلال، غادي إيزنكوت، ذكر أن إيران "تفي" بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي.

ويرد في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن: "إيران لم تستأنف عملها في انشاء مفاعل أراك لإنتاج الماء الثقيل (مفاعل أي ار-40). ولم تقم إيران بإنتاج، أو اختبار كريات اليورانيوم الطبيعية المصممة خصيصا لدعم مفاعل (أي ار-40)، وظلت جميع حبيبات اليورانيوم الطبيعي تحت المراقبة المستمرة للوكالة. وواصلت إيران إبلاغ الوكالة عن مخزون المياه الثقيلة لديها، وسمحت للوكالة بمراقبة كميات مخزون المياه الثقيلة في المخازن الإيرانية".

وفي 11 شباط 2018، تحققت الوكالة من أن المصنع كان قيد التشغيل، وأن مخزون إيران من المياه الثقيلة بلغ آنذاك (117.9) طن. كما ان كمية المياه الثقيلة لدى إيران لم تتجاوز (130) طنا، طوال الفترة المشمولة بالتقرير.

ويمضي التقرير، "لم تقم إيران بأية أنشطة تتعلق بإعادة المعالجة في مفاعل طهران للأبحاث (تي ار ار)، لإنتاج الموليبدينوم واليود والإكسينون المشع، في هذا المفاعل، او في أي من المرافق الأخرى التي أعلنتها للوكالة. اما بخصوص أجهزة الطرد المركزي، في محطة "ناتانز"، لم يكن هناك سوى (5,060) جهاز طرد مركزي من نوع (أي ار 1)، وبقيت كما هي بموجب الفقرة (27) من الاتفاق. وفي التفاصيل، قامت إيران باستبدال (20) جهاز طرد مركزي تالف او معطوب منها، وإدخال (20) جهازا بدلا منها، من تلك الموجودة في المخازن الإيرانية.

وبخصوص التخصيب، واصلت إيران تخصيب اليورانيوم في مفاعل (اف أي بي). ولم تقم إيران بتخصيب اليورانيوم فوق نسبة (3.67%) يو-235.

وطوال الفترة المشمولة بالتقرير، لم يتجاوز مخزون إيران الإجمالي من اليورانيوم المخصب عن (300) كيلوغرام، متوافقا مع الاتفاق.

ان ما لم يقله نتنياهو أيضا، هو أن التهديد الوجودي الوحيد المتبقي اليوم امام إسرائيل هو استمرار الاحتلال والسيطرة على الشعب الفلسطيني، والانحدار نحو "واقع" الواحدة. وفي واقع الامر، وفي عمرها ال (70)، لا يمكن اعتبار إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، ولا دولة ديمقراطية، وهذا هو التهديد الوجودي لإسرائيل. غير ان نتنياهو لم يأتي على ذكر الأخبار الدرامية الحقيقية، التي تاتي من الجانب الفلسطيني، ومن غزة تحديدا. إذا، نتنياهو يكذب، ولا يشير الى هذا كتهديد وجودي.

وقد سبق للبيت الأبيض، في عهد كلينتون، إلى نتنياهو "يكذب". وهو حال هذه الأيام، حيث يتحدث نتنياهو باستمرار عن رغبته في التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، لكنه يعمل بجد كل يوم لمنع أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية على حدود العام 1967.

وفي في سن ال (70)، يوجد لدى إسرائيل الكثير لتفخر به، ولكن لديها الكثير لتخجل منه. وبدون مواجهة التهديد الوجودي الحقيقي الذي تواجهه إسرائيل، ينبغي على الشعب الإسرائيلي أن يعيش في خوف. إذا كانت إسرائيل تريد حقاً المزيد من الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، فعليها أن تفهم أن الطريق الحقيقي إلى الرياض ودبي وعمان والقاهرة والرباط وتونس، يمر عبر "القدس المشتركة"، وعبر "دولة فلسطين" التي تعيش بسلام وامن مع إسرائيل.

 

"ترجمة: ناصر العيسة، عن: ذي جيروزالم بوست"

تصميم وتطوير