14 أيار يوم فلسطين ..

15.05.2018 06:57 AM

كتبت: ثريا عاصي


تظاهر الفلسطينيون اليوم سلمياً في قطاع غزة،  على طول الشريط الشائك الذي يفصل بين القطاع وبين المتاريس التي يتحصن وراءها جنود المستعمرين الإسرائيليين . كان الفلسطينيون وحيدين ولكنهم كانوا جمعاً غفيراً، كانوا يحملون أعلام فلسطين ويرشقون الجنود بحجارة فلسطينية . تركوا البنادق والقواذف وساروا مع نسائهم وأولادهموشيوخهم بلا سلاح . المناضلون الوطنيون لا يتخذون أبناءهم دروعاً بشرية .  البريطانيون كانوا أول من استخدم الفلسطينيين المدنيين دروعاً بشرية ثم حذا الإسرائيليون حذوهم وكانوا أيضاً يرتكبون المجازر ضد السكان العزل إرهاباً !

كانت اليوم العواصم العربيّة، أنا استثني هنا مملكة السعوديين ودويلات الخليج، كانت العواصم العربية صامتة، لم يتظاهر الناس تضامناً مع الفلسطينيين ولم تستدعي حكومة عربية سفيراً أميركياً إحتجاجاً على سياسة بلاده التي صارت لا تتميز من سياسة حكومة المستعمرين الإسرائيليين، وطبعاً لم تقطع دولة عربية علاقاتها الديبلوماسية مع الولايات المتحدة الأميركية  .

ما الفرق بين أن ترتبط دولة عربية بعلاقة تبعية بالولايات المتحدة الأميركية من جهة وبين أن  ترتبط هذه الدولة بعلاقة طبيعية بدولة المستعمرين الإسرائيليين العنصريين ؟

كثيرون بحسب رأيي هم الذين يقفون اليوم مع سوريا، الشعب السوري والجيش العربي السوري والدولة السورية ليس لأنهم كانوا معجبين بالأداء السياسي السوري في لبنان وفي سورية نفسها أو لأنهم لم يلحظوا الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة السورية على الصعيد الإقتصادي بالإضافة إلى مظاهر الفساد الذي كان متفشياً وإلى القساوة الشديدة التي كان يُعامل بها المعارضون الذين لم تكن بعض تياراتهم أقل قساوة، وإنما هم مع الدولة والجيش في سورية لأن الحرب التي يشنها عليهما الثلاثي الغربي العدواني هي حرب من أجل إلغاء دور سورية بما هي جذوة العروبة وتقسيمها لصالح المشروع التوسعي الإستعماري الإسرائيلي، بكلام آخر المقاومة السورية وحلفاءها يخوضون في الواقع معركة وجود نيابة عن شعوب  الهلال الخصيب جميعها .

من البديهي أن المرء مضطر إلى التخفيف نسبياً من مآخذه سابقاً، على الحكم في سورية بعد أن تكشفت أمامه معطيات لا جدال حولها عن الداخل السوري (تمرد الإخوان المسلمين الذي لم يتوقف منذ 1970، تحت شعار مذهبي بغيض يدل على تخلفهم وسوء أخلاقهم وعلى اتجارهم بالدين ) والأخطار الخارجية التي كانت تحيق بسورية نتيجة لإنسحاب الدولة في مصر من الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتخليها الفعلي عن القضية الفلسطينية  ونكوثها بالروابط التي تجمعها بسورية بما هي مكون رئيسي في منظومة الأمن القومي المصري نفسه .
يحسن التذكير لعل الذكرى تنفع، ان سورية لم تساوم على أرض محتلة أو على حقوق مغتصبة ولم تطبع علاقاتها مع المستعمرين الإسرائيليين . لقد كانت الدولة  السورية على بينة من نوايا المستعمرين لجهة ما يضمرونه من أطماع في أجزاء من  الأرض السورية بالإضافة إلى تصميمهم على منعها من استغلال ثرواتها من الطاقة النفطية، مثلما استولوا أو إرتهنوا من العراقيين نفطهم .

هذا كله لأقول أن الحرب على سورية لا  تخص السوريين وحدهم، بل هي تعني جميع الذين يدركون أن التضامن العروبي هو ضرورة وحاجة للخروج من مستنقع التخلف والعصبية ومن تأثير فتاوى رجال دين السلاطين والأمراء، مثلها مثل القضية الفلسطينية بما هي قضية هيمنة استعمارية غايتها كسر عرى التضامن والإتحاد باسم العروبة من أجل استبداله بدويلات متنافرة تدور جميعها حول دولة محورية هي إسرائيل ! المسألة هي بين إتحاد تحت المظلة الإسرائيلية وبين اتحاد عروبي بين دول ذات سيادة ! ولكن هل فات القطار ؟ لا خيار  إلا النضال ضد الإٍستعمار حتى إفشال الدولة الإستعمارية في فلسطين . النضال ضد الإستعمار  هو نضال ضد المستعمرين والمتعاونين معهم، بمعنى أنه ليس  صراعا دينياً أو عرقياً . ليس مستحيلاً أن يعيش الناس معاً إذا استثنينا  المستعمرين والعنصريين .

مجمل القول في هذا اليوم الفلسطيني العظيم، إن القضية الفلسطينية ليست قضية سكان قطاع غزة فحسب وإنما قضية جميع شعوب المنطقة، بل أذهب إلى القول إنها قضية شعوب العالم . إذ إن ما جرى اليوم هو فاجعة إنسانية تسبب بها رجلان هما في أغلب الظن ليسا متوازنين عقلياً وأخلاقياً . لا شك في انهما يشبعان الكراهية العنصرية التي يضمرانها ضد أناس في قطاع غزة، ضعفاء جوعى محاصرين، ذلك أمام  مرأى العالم . ولكن هل ما يزال هذا العالم إنسانياً، هل ما يزال الكلام عن ضمير  إنساني يعني شيئاً ؟؟ أسئلة نطرحها اليوم لأننا لا نملك إجابات عليها ولكن صراحة، الشكوك تخامرنا . 

أزيَد من خمسين شهيداً وأكثر من ألفي جريح هي محصلة إحتفالية الرئيس الأميركي في القدس في ذكرى النكبة ! طبعاً غاب عن الإحتفالية شريكاه في الحرب على سورية.

ولكن  القضية التي يقدم أصحابها هذه الأعداد من الشهداء ومن الجرحى أمام العالم هي قضية لن تضيع . لقد تلقى اليوم العالم أجمع صفعة قوية من فلسطينيي قطاع غزة الذين يُحاول الإسرائيليون خنقهم بينما يتظاهر الرأي العام العالمي بالعمى والصمم . لم يبق أمام الفلسطينيين إلا المقاومة حتى لو كانت معركتهم غير متكافئة، إنهم يكادون اليوم أن يكونوا في وضع يشبه وضع اليهود البولونيين الذين كان النازيون يحاصرونهم في غيتو فرصوفيا وكان الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا يعلمون بما يجري في الغيتو ولكنهم كانوا ضمنياً متوافقين مع النازيين على إبادة اليهود . ما يجري في فلسطين هو نتيحة هذا التواطؤ مع النازيين في ابادة يهود أوروبا !.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير