ثورة غزة: على الاحتلال التوقف عن القتل.. وعلى الفلسطينيين تبني "اللاعنف" دون مواربة

19.05.2018 03:15 PM

ترجمة خاصة- وطن: تبدو غزة وكأنها عبارة عن "كم بشري " يتجاهله الجميع، وفق الكاتب. ولا تريد أي من إسرائيل او مصر او حتى السلطة الفلسطينية تحمل المسؤولية عن غزة. وفي بعض الحالات، تخرج السموم، وتبدأ الحروب، ومن ثم يضطر الجميع الى التحرك  والاستعداد لردود الأفعال.

وقد جاءت مثل هذه اللحظة بتاريخ 14 أيار 2018، حيث تجمع عشرات الآلاف من الفلسطينيين بالقرب من السياج الحدودي في غزة، هاتفين ومهددين "بالعودة" إلى الأراضي التي فقدها اباؤهم وأجدادهم عند قيام إسرائيل في العام 1948.

وقام جيش الاحتلال بقتل (63) متظاهرا فلسطينيا، ليصبح ذلك اليوم أكثر الأيام دموية في غزة منذ حرب العام 2014. وفي اللحظات الدموية تلك، كان رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، سعيدا بافتتاح السفارة الأمريكية في القدس، واصفا ذلك الحدث بانه "يوم عظيم على طريق السلام".

لقد قامت العديد من الدول بشجب جرائم إسرائيل في غزة. كما قام عدد قليل من الدول باستدعاء الدبلوماسيين الاسرائيليين. كما اتهمت بعض الدول إسرائيل صراحة بانها تمارس جرائم حرب بحق الفلسطينيين في غزة.

والقى البعض الاخر من الدول باللائمة على الرئيس الأمريكي، ترمب، في التسبب في المصادمات، بسبب قراره بنقل السفارة الامريكية من تل أبيب إلى القدس. غير ان من الصواب تحميل إسرائيل الجزء الأكبر من المسؤولية تعما جرى، كونها الجانب القوي في معادلة الاحداث في غزة.

ولكن، بالشك ان الأحزاب الفلسطينية، على الرغم من ضعفها، تعتبر هي المسؤولة أيضا. فبعد (7) عقود من قيام دولة الاحتلال، لا بد للأحزاب الفلسطينية ان تدرك ان هناك طريقة أفضل للعمل مع إسرائيل، بدلا من الصراع المفتوح وسفك الدماء.

ما هي كمية الدماء اللازمة لانتهاء الصراع؟

يحق لكل دولة الدفاع عن حدودها. وللحكم على الأمور بالأرقام، يجب القول ان جيش الاحتلال استخدم القوة المفرطة. غير ان أي استنتاج قاطع يتطلب تقييما من طرف مستقل.

فوفق الكاتب، استخدم الإسرائيليون في بعض الأحيان وسائل غير قاتلة، مثل الغاز المسيل الذي تم رشه على المتظاهرين من الطائرات بدون طيار. ولكن، لجأ قناصة الاحتلال بعد ذلك إلى استعمال الرصاص. فما الذي ما الذي تغير؟ وما الذي دفعهم الى ذلك؟
ويضيف الكاتب، نقلا عن جيش الاحتلال، انه يبدو ان عددا غير معروف من نشطاء حماس حاولوا اختراق السياج الفاصل بينما كانوا مختلطين مع المتظاهرين.

فما هو التهديد الذي كانوا يشكلونه؟ ولماذا تم استهدافهم؟

وعلى ذات القدر من الأهمية، يجب النظر الى المسألة من خلال الإطار السياسي الاوسع. فالسياج بين غزة ودولة الاحتلال ليس حدودا عادية. حيث ان غزة ما هي الا سجن كبير، وليست دولة، إذا فالسياج ليس حدودا بين دولتين. وتبلغ مساحة قطاع غزة (365) كم مربع، ويعيش فيها (2) مليون نسمة، وتعتبر بهذا واحدة من أكثر في العالم ازدحاما بالسكان، والاقل حظا على وجه الأرض.

حيث تعاني من نقص مستمر في الأدوية والطاقة، وغير ذلك من ضرورات الحياة، فمياه الصنبور في المنازل غير صالحة للشرب، كما يتم ضخ مياه الصرف الصحي في البحر دون ان تتم معالجتها. كما تعاني غزة من معدلات بطالة عالية، حيث يوجد فيها واحدا من أعلى معدلات البطالة في العالم، بنسبة (44%). كما لا يغيب عن اذهان الناس مشهد تعرض غزة لثلاثة حروب من إسرائيل منذ العام 2008. كما لا يغيب عن مخيلة الناس هو ان حربا جديدة تبدو على وشك الثوران.

وتشهد المأساة الغزية عددا من الايدي المذنبة التي تتلاعب بها. فإسرائيل تصر على أن القطاع ليس مشكلتها ولا يقع تحت مسؤوليتها. وصحيح ان اسرائيل سحبت جيشها من غزة في العام 2005ن الا انها ما تزال تسيطر على قطاع غزة من البر والبحر والجو. وفي سياق سيطرتها، لا يستطيع أي فلسطيني، حتى ولو كان مزارعا، الاقتراب الى ما دون (300) متر من السياج، والا سيعرض نفسه لإطلاق النار. كما تفرض إسرائيل قيودا كبيرة على السلع التي تدخل الى القطاع. ولا يستطيع سوى عدد ضئيل من الفلسطينيين الخروج من القطاع، ولا يتم ذلك على الاغلب الا من أجل العلاج الطبي. وفي هذا السياق، حذر مسؤولون في جيش الاحتلال، منذ مدة طويلة، من ترك الاقتصاد في غزة لينهار.

كم تساهم مصر أيضا في البؤس الذي تعاني منه غزة. فقد كان معبر رفح المتنفس الوحيد من غزة الى سيناء، والصمام الوحيد المفتوح البضائع والأشخاص. ولم يفتح هذا المعبر سوى (17) يوما فقط في خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام. كما قامت السلطة الفلسطينية بحجز رواتب موظفي الخدمة المدنية العاملين في السلطة الفلسطينية في غزة، عدا عن الغاء شحنات من المواد الضرورية، مثل حليب الأطفال. كما قامت بخفض المدفوعات المالية التي تسددها الى إسرائيل مقابل تزويد الكهرباء الى غزة.

وتتحمل حركة حماس الكثير من اللوم أيضا. فقد دمرت جميع فرص واتفاقيات السلام، من خلال حملة التفجيرات التي شنتها خلال سنوات التسعينات من القرن الماضي. وخلال العام 2000، وبعد خروج الإسرائيليين من قطاع غزة، فازت حماس في الانتخابات الفلسطينية العامة التي أجريت عام 2006.

وبعد مواجهة عسكرية قصيرة مع حركة فتح، نجحت حماس في اقصاء حركة فتح عن قطاع غزة في العام 2007. وقد أخطأت "غزة" منذ ذلك الحين. فقد شهدت فسادا، وقمعا، وتوظيفا لعدم الكفاءة. كما قامت بتخزين أسلحتها في مواقع مدنية، بما في ذلك المساجد والمدارس، مما يجعلها أهدافا حساسة، وفق الكاتب.

ويضيف الكاتب، كما تقوم حماس بتحويل الاسمنت، المخصص لإعادة الإعمار، من اجل بناء أنفاق هجومية تحت الأرض من اجل شن هجمات على إسرائيل انطلاقا منها.

ومن غير الممكن ان تنجح إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية في حبس الفلسطينيين في قطاع غزة، على أمل أن يتم إسقاط حكم حركة حماس، لان النظرية تقول انه "فقط عندما يعيش الغزيون بحرية أكبر وراحة أوسع، قد يلجؤون حينها الى التفكير الخلاص من حكامهم".

ويضيف، "يمكن عمل الكثير لتخفيف محنة سكان غزة دون تعريض أمن إسرائيل للخطر. ولكن، لا يوجد حل دائم ممكن الا بحل قضية فلسطين أيضا، من خلال حل الدولتين. غير ان نتنياهو لطالما قاوم فكرة قيام دولة فلسطينية، واستمر في بناء المستوطنات بشكل متسارع".

ويتابع، يبدو انه من الصعب الان إقناع الإسرائيليين بالتغيير في توجهاتهم، والجنوح بدلا من ذلك نحو الحلول والسلام، وخصوصا بتزامن ذلك مع احتفالات إسرائيل بعيد ميلادها ال (70)، وحصول الإسرائيليين على اعتراف امريكي غير مسبوق بالقدس عاصمة لهم، حيث يبدو واضحا ان الاقتصاد الإسرائيلي ينمو، من خلال لجوء نتنياهو الى "إدارة" الصراع، بدلاً من محاولة إنهائه وحله".

كما نجح نتنياهو في الإبقاء على العنف الفلسطيني تحت السيطرة، بينما لم يعط أي شيء الى الفلسطينيين. ونجح في بناء تحالفات غير مسبوقة مع الدول العربية التي تسعى إلى تحالفات ضد إيران المتصاعدة، مما ولد علاقات عربية-إسرائيلية لم تكن في الحسبان في يوم من الأيام.

لا شك بان إسرائيل مخطئة في قرارها التوقف عن السعي إلى التوصل إلى اتفاق. كما أخطأ ترمب في الحكم المسبق على وضع القدس. لكن الفلسطينيين سهلوا مهمة إسرائيل في الادعاء بانه لا يوجد "شريك فلسطيني للسلام". فبين "فتح" المتعثرة التي لا تستطيع تحقيق السلام، وبين "حماس" التي ترفض ذلك من الأساس، تبرز حاجة الفلسطينيين الماسة الى قادة جدد. ولهذا، يجب على فتح أن تجدد نفسها من خلال الانتخابات. ويجب على حماس أن تدرك أن صواريخها تلحق الضرر بأحلام الفلسطينيين بإقامة دولة، أكثر مما تلحق الأذى بإسرائيل.

الطريقة الوحيدة لوقف القتال

ويضيف، رغم أحاديثهم المتكررة عن اللاعنف، الا ان قادة حماس لم يتخلوا عن فكرة "الكفاح المسلح" لتدمير إسرائيل. فهم يرفضون التخلي عن أسلحتهم، أو قبول حل الدولتين بشكل كامل. فهم يتحدثون بشكل غامض عن "هدنة" طويلة الأمد. ومع الاحتجاجات التي أطلقوها منذ أسابيع، تفاخر قادة حماس بإطلاق ما اسموه "نمر بري"، في إشارة الى الاف المتظاهرين على السلك الفاصل، وجدوا أن إسرائيل يمكن أن تكون أكثر شراسة منهم.

وإذا تخلت "حماس" عن أسلحتها، فإنها ستفتح الطريق أمام التقارب مع "فتح". وإذا قبلت مبدأ حق إسرائيل في الوجود، فإنها ستفضح عدم استعداد إسرائيل لقيام دولة فلسطينية. وإذا ظل الفلسطينيون على المسيرات السلمية، بدون أسلحة او متفجرات، فإنهم سيكسبون الأرضية الأخلاقية في هذه المواجهة.

وباختصار، إذا أراد الفلسطينيون أن تتوقف إسرائيل عن خنقهم، فعليهم أولا إقناع الإسرائيليين بان تركهم يعتبر أكثر امنا لإسرائيل.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي ايكونوميست"

تصميم وتطوير