مهاترات رمضانية

20.05.2018 09:54 AM

كتبت: نادية حرحش: كالهاوي الذي يشاهد مباريات كأس العالم، في المباريات الاولى يتحمس ويتابع ويتعرف على فرق وأسماء تتحول الى ايقونات في عالم الكرة، ثم يعود لممارسة حياته بمتابعة الاهم من المباريات حتى الربع النهائي او النص النهائي، يعتمد هذا على شهرة فريق الدولة المتأهلة.

وهكذا حياتنا في رمضان. موسم تخالطت به الاحداث المهمة، اراب ايدول والفويس في توقيت واحد.

رمضان وطقوسه من صيام وما تشتهيه العين والنفس من أطعمة وحلوى وما طاب من مسلسلات وسهرات رمضانية . وغزة بمسيراتها نحو العودة لفك الحصار ورفض نقل السفارة الامريكية الى القدس، والعالم المحيط والبعيد الذي يؤازر الشعب الفلسطيني في قضاياه، حصار غزة وقتل اهلها، وتهويد القدس ونقل السفارة الامريكية لها وما يتبعها من دول.

لأننا في رمضان، ستبقى المسلسلات متصدرة للمشهد بقيادة رامز السخيف (على حسب اجماع كل المشاهدين المجتمعين بانتظار حلقته)، تتلوها رصد لحركة عشرات المسلسلات، لانه لا يمكن متابعة الجميع ولا يمكن رصد مكان المسلسل بسهولة ، فتقلبات المحطات الفضائية سريعة في مؤشراتها، وكأن زلزال سيضرب المحطة من زحام المسلسلات. يضاف اليها احداث غطت على احداث غزة ، فنجد ان الرأي العام تفرغ لمتابعة زفاف الامير هاري من الممثلة ميغان، وكأن الحياة تمشي في توازي مع الطبيعة المتزلة حولنا.

سوريا، اليمن، العراق، غزة.... سنعود للشجب في موعد اخر.... فيديو يتم تناقله لفعل الاحتلال الحقير لفتى يدلي بالشهادة بينما بسطار الشرطي يضرب على صدره وبعنف يحاول خنقه... احاول التأكد من الفيديو... يتزاحم صندوق رسائلي على مشاركته .... لأتأكد فيما بعد ان الفيديو بالسويد. افكر قليلا واقول في نفسي، اذا ما كانت السويد تتعامل هكذا مع الاطفال "المسلمين" ، فما تقوم به اسرائيل طبيعي في نظر ذلك العالم الذي نستجدي ان ينظر الينا.

هيفا وهبي وتصدر وجهها ومؤخرتها مسلسلها المأخوذ عن فيلم اجنبي ما ، لا أعرف ان كان عقلي المريض هو ما يرى هذه الامور، او لربما انه تأثير شهر الصيام ، ولكن مسلسلات هيفاء وهبي مثل برامج رامز ، لدى هيفاء وجه ومؤخرة يتخللها ممثلون وموضوع وما يتبعه من احتياجات المسلسل ، ورامز عبارة عن دعايات يتخللها برنامجه. 

ولأن الموسم لا يزال ببدايته فمن الصعب الحكم على كم الابتذال في الاداء والحبكات المأخوذة في معظمها من قصة وفيلم ما . غادة عبد الرازق لا يجب المرور عنها مرور الكرام ، فهي تنافس هيفاء وهبي في التركيز على ما اعطاها اياه الله ( اقصد اطباء التجميل وخبراء المكياج) ، ولكن يبقى لغادة عبد الرازق حرفية حقيقية في الاداء واختيارها للمشاكل الاجتماعية التي تغفر لها نرجسيتها في شكلها المستحدث.

ولأننا في وجوه المسلسلات، لا بد من المرور بنادين نجيم، التي تبدأ مسلسلاتها دائما بفاتنة قوية الشخصية تعلمنا الاخلاق والقيم بشكلها الجميل الى حد الرسم، تسبح في كل مرة تنظر الى وجهها، سبحان الخالق، ولكن الله انعم عليها بمرافق تجميلي لتبقى بأبهى الصور.. حتى الجمال اصبح مبتذلا ومزعجا للعين.

تنتهي جولة المسلسلات وتبدأ جولة الفعاليات الدينية والوطنية والتراثية في القدس، لنسميها ما نشاء من تسمية.

لنضيع مع الوضع القائم ونترك القدس في حالها .

القدس تيتمت بعد نقل السفارة ويعيش اهلها صدمة الغافل، لا يفهمون ولا يعرفون هول المصاب لتراكم المصائب. فصراع ابن المدينة على اثبات وجوده في هذه المدينة مقابل محاولات تطفيشه وتهجيره والتنكيل به لحد الاعتقال او القتل.

ولكن.... غزة تنزف يوميا من اجلها ومن اجل القدس بلا هوادة. بكل مصاعب القدس ما يجري بغزة لا يمكن حتى مقارنته. في غزة بشر يتعرضون للقتل والاعاقة الجسدية وعلى مرمى القنص والمدافع والطلقات الحية، في غزة يصومون كذلك ، ويعيشون حياة بالرغم من انف الوجود الذي يحاول سحقهم. بغزة مهرجانات وفعاليات وحياة تستمر ، ولكن عنوان المواجهة لا يزال واحد ، شعب محاصر من كل الاتجاهات ان لم تقتله قذائف العدو ورصاصاته سيقتله الجوع وانقطاع الكهرباء والرواتب والمرافق آجلا بل عاجلا.. شعب تتصدر عناوين مسيراته القدس وحصارها.

في حيفا والشمال حراك محسوب مدروس اكثر من اللازم ، فالاحتلال نزع القناع عن وجهه وظهر على حقيقته ، قمع وضرب واعتقالات للمتظاهرين. ولكن تبقى المحاولات والحراك مهما وفاعلا ويشكل صدعا في هدوء الاحتلال وكيانه الذي لا يتوقف برهة عن قراره بتصفية هذا الشعب عرقيا وجسديا عندما يتطلب الامر.

يطالبنني بناتي بمشاركتهن بالذهاب الى البلدة القديمة وصلاة التراويح وحضور امسيات . اجلس في قوقعتي مراقبة لما يجري ، ولا اريد الذهاب. اقول باصرار.

مواجهة بيزنطية مع صغيرتي ، جعلتني اتأكد اكثر من عقم الوضع الذي نعيشه .

اصر كأم بأن النزول الى البلدة القديمة كصبايا في هذه الاوقات ليس هو  المناسب . فانا ابنة المدينة اللامتغيرة. ليالي رمضان التقليدية بالقدس تغلب على كل وضع على ما يبدو . ومن ضمن هذه الصورة ، هو "الصرمحة" في الزقاق والزحام.

ولكن بناتي يصررن ان القدس بحاجة لان نكون بها .

نقاش عقيم لم ينته الا برجوعي الى قوقعتي وشعوري بالانسلاخ عن الواقع 

تردد ابنتي كلمات بدت مرعبة في تلك اللحظات : " انت من علمتينا اننا يجب ان نكون من اجل الحفاظ على المدينة، انت من كنت ستقفي امام الجندي عندما يتعرض لشاب."

احاول جاهدة اقناعها ، ان الاعتقال من اجل الوقوف امام جندي لتحديه لن يغير في حياتك الا الاسوأ. الاعتقال ليس ببطولة في مواجهة تعرفين من الاصل انها استفزازية لا نضالية. ليس هكذا نواجه ، وليس هكذا نعترض ، وليس هكذا نحرر الوطن.

كنت اردد الكلمات في فضاء اصبحت فيه منسلخة عن الواقع .

لا استطيع ان ارى التواجد في القدس عملا نضاليا ، عندما تكون العناوين مهرجانات رمضانية ، وكأن هوية المكان في احتفاله فقط. كيف لنا ان نصلي ونبتهل ونهلل لرمضان بينما الغزيون خلف الاسلاك الشائكة يحاربون من اجل حياة حرة عنوانها القدس. حرة في مفاهيمها البسيطة من حقوق اساسية.

هل نضالنا بالقدس والتجاوب مع استفزازات الجنود والحرس لاعتقال يبدأ باهانة وينتهي بمصيبة ودفع ثمن لا يرتبط بسبب الاعتقال؟ ينشروهم بالشوارع من اجل الاستفزاز . ولكن ما هو التحدي الذي نقوم به : نتحداهم بوجودنا مقابل وجودهم؟

هناك تحد اكبر اليوم، بدأته غزة علّنا نستجمع بعضنا ، ولكن لا حياة لمن تنادي. كنت سأمشي في زقاق القدس واقف للصلاة واجلس بكل تحدي على درجات باب العامود، واعمل المستحيل من اجل الدخول الى البلدة القديمة من اي باب متاح وغير متاح ، وافرض على بناتي مشاركتي لو كان الحراك بالقدس مرتبط بأوصال الحدث. نحن في حالة حداد على شعب وعلى مدينة ، كيف نقول اننا نستحق الفرح. افرحوا في بيوتكم لا بالشوارع في وقت يستشهد يوميا ابناء في غزة . في وقت تتزاحم المستشفيات في غزة من اجل تلقي الاصابات .

بين القدس وغزة وحيفا المصاب واحد..

ولكننا تمزقنا وصار كل جزء فينا يقفز في فضائه ونسينا اننا ننتمي الى جسد واحد لا تجزئته تشوهنا .... كما تشوهنا الان .

رمضان كريم

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير