اسرائيل وتركيا: تواصل معقد، وعلاقة مسمومة

21.05.2018 10:35 AM

ترجمة خاصة-وطن: نشرت صحيفة "ذي جيروزالم بوست" مقالا حول العلاقات التركية-الإسرائيلية، حيث تمر بواحدة من أسوأ مراحلها تاريخيا، وخصوصا بعد تبادل الاتهامات والتعليقات الدبلوماسية الفظة، وطرد الدبلوماسيين من البلدين، على خلفية تصاعد موجة الاحتجاجات الفلسطينية على حدود قطاع غزة. فيما يأتي ترجمة المقالة:

الرئاسة التركية لنتنياهو: اغسل عارك

"عليك ان تغسل عارك"، بهذه العبارة علق إبراهيم قالين، الناطق باسم الرئاسة التركية، ومستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، موجها حديثه الى رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، على العنف الإسرائيلي المفرط تجاه المتظاهرين الفلسطينيين على حدود قطاع، والتي أودت بحياة (63) شخصا.

وأدان قالين قتل الفلسطينيين في غزة، وقارنها بـ "الغناء والاحتفال" الذي ترافق مع نقل الولايات المتحدة سفارتها من تل ابيب الى القدس. وقال ان "العالم يشارك في هذا العار من خلال صمته على الجرائم".

وبعد ساعات، أبلغت تركيا السفير الإسرائيلي في أنقرة بانها تنوي طرده. ونكست تركيا أعلامها احياء لذكرى الشهداء في غزة. وحاول حزبان سياسيان إلغاء الاتفاقيات مع إسرائيل، وفرض عقوبات اقتصادية تركية عليها.

بداية العلاقات

في العام 1949 اعترفت تركيا بإسرائيل، وكانت بالتالي أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل في ذلك العام. ومنذ ذلك الحين، تتمتع الدولتان بعلاقات دافئة نسبيا. وتقاسمت تركيا وإسرائيل العديد من المصالح في المنطقة، كحليفين للغرب، وتشابهتا كدولتين علمانيتين، منطقة تهيمن عليها القومية العربية وتطرف ديني متزايد.
شهدت فترة التسعينات وأوائل القرن العشرين ذروة العلاقة. حيث ازدادت العلاقات العسكرية والاقتصادية بين الطرفين. وفي العام 2007، قام وفد ضخم من رجال الأعمال الأتراك بزيارة الى إسرائيل. وردا على ذلك، هاجم محتجون اكرادا السفارة الإسرائيلية في برلين، متهمين إسرائيل بلعب دور في القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، وتسليمه الى تركيا.

تركيا تتوسط بين سوريا واسرائيل

وفي بدايات حكم أردوغان، وصعود حزب العدالةوالتنمية، في العام 2002، ظلت العلاقات بيم البلدين دافئة. حيث قام أردوغان بزيارة إسرائيل، وأدان معاداة السامية، ومن ثم سعى الى لعب دور في عقد اتفاقية سلام بين اسرائيل وسورية. كما سعت تركيا إلى المساعدة في مبادرات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ولهذا قام كل من شمعون بيرس ومحمود عباس بزيارات الى تركيا لهذا الغرض.

وفي العام 2009، قال أردوغان لصحيفة "واشنطن بوست"، ان "على إسرائيل أن تشارك في عملية سياسية، وحماس ليست ذراعا لإيران. وقد دخلت حماس الانتخابات كحزب سياسي في شهر كانون الثاني من العام 2006، وقد منحهم العالم فرصة أن يصبحوا لاعبين سياسيين، وعلينا ان ننتظر وان يجدوا الوقت والفرصة. وكانت تركيا تسعى الى التوسط في صفقة سورية إسرائيلية، ولكنني شعرت بالاشمئزاز عندما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، أنقرة ثم عاد إلى إسرائيل وشن حملة "الرصاص المصبوب" ضد قطاع غزة".

بداية التوترات: مؤتمر دافوس وسفينة مرمرة

وفي شهر كانون الثاني من العام 2009، خرج أردوغان من قاعة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، بسويسرا، غاضبا بعد تصريحات الرئيس الاسرائيلي آنذاك، شمعون بيرس. وقد دمر عدوان عملية "الرصاص المصبوب" الثقة بين إسرائيل وقيادات حزب العدالة والتنمية، ولم تنتعش العلاقات، او تعود الى طبيعتها أبدا.

وفي شهر أيار من العام 2010، سعى "أسطول الحرية"، بقيادة سفينة الركاب التركية "مافي مرمرة"، الى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، علما ان الاسطول كان بقيادة وتنظيم أعضاء في المؤسسة التركية لحقوق الإنسان والحريات والمساعدات الإنسانية (أي اتش اتش).

وأدت غارة شنتها قوات الكوماندوز التابعة لبحرية جيش الاحتلال الى مقتل (10) مواطنين أتراك على سطح سفينة مرمرة. وفي اعقاب ذلك، سحبت تركيا سفيرها، واتهمت إسرائيل بارتكاب "مذبحة دموية" على متن السفينة، وعن سبق إصرار. وقامت تركيا بإلغاء تدريبات عسكرية مشتركة كانت مقررة في ذلك العام.

العام 2016: إعادة صياغة العلاقات

وفي العام 2016، قام رئيس وزراء الاحتلال، نتنياهو، ورئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، بإعادة صياغة العلاقات بين البلدين. وفي إطار هذه الصياغة، وافقت إسرائيل على دفع مبلغ (20) مليون دولار كتعويضات الى المواطنين الاتراك الذين قتلتهم على متن مرمرة، مع الإشارة الى ان تطوير العلاقات الاقتصادية كانت الدافع الرئيس خلف الاتفاق.

وفي العام 2016، عام الاتفاق، بدأت مناقشات إسرائيل وتركيا حول تصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى تركيا. وفي العام 2017، تطور الامر حيثدخل وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينس، في محادثات مع نظيره التركي حول صفقة لمد خط أنابيب لتزويد الغاز الإسرائيلي الى تركيا. كما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" أن إسرائيل كانت تشتري النفط من ميناء "جيهان" التركي، وان جزء من هذا النفط يأتي من المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال العراق.

الاستفتاء الكردي وإسرائيل: تركيا تشتعل غضبا

ولا يعتبر الغضب التركي بسبب تظاهرات الفلسطينيين في قطاع غزة الغضب الخير. فقد سبق ذلك حنقا تكيا كبيرا تزامن مع الاستفتاء الكردي في العراق، في شهر أيلول من العام 2017. حيث اعترض السياسيون الأتراك بشدة على رفع الأعلام الإسرائيلية من قبل الأكراد في شمال العراق. وفي شهر كانون الأول 2017، استضافت تركيا اجتماعا لمنظمة المؤتمر الإسلامي لإدانة اعلان الرئيس الأمريكي، ترمب، القدس عاصمة لإسرائيل.

أردوغان: "إسرائيل دولة إرهابية"

مع اندلاع الاحتجاجات في قطاع غزة، بتاريخ 30 اذار 2018، والتي قتل فيها أكثر من (10) فلسطينيين، بادر الرئيس التركي الى اصدار رد فعل غاضب، واصفا الرد الإسرائيلي بأنه "مجزرة". وعلى الفور، رد نتنياهو بنقد شديد للتصرفات التركية على الأراضي السورية (حيث كانت تركيا تقاتل وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها انقرة مجموعة إرهابية). وقال نتنياهو: "إن على من يحتل شمال قبرص، ويغزو المناطق الكردية، ويذبح المواطنين في عفرين، ان يمتنع عن القاء المحاضرات علينا".

ولم يكن من المفاجئ أن يجدد أردوغان قوله إن “حماس ليست منظمة إرهابية، وأنها حركة مقاومة تدافع عن الوطن الفلسطيني ضد قوة محتلة". وقد لاقى اردوغان دعما مناسبا حيث دعا "حزب الشعب الديمقراطي" و"حزب الشعب الجمهوري" إلى إلغاء اتفاق العام 2016 مع إسرائيل. كما ضغط "حزب الشعب الجمهوري" إلى سحب السفير التركي من تل ابيب بشكل دائم.

وعارض حزب العدالة والتنمية إلغاء الاتفاقية، لكن رئيس الوزراء، بن علي يلدريم، قال إن على الدول الإسلامية مراجعة مجمل علاقاتها مع إسرائيل.

الاخوان المسلمون

وبخصوص جماعة الاخوان المسلمين، فقد وضع الدعم التركي للجماعة تركيا على خلاف مع الدول الأخرى، حيث ان تركيا كانت داعمة للإخوان المسلمين في منافستهم على الانتخابات في مصر، وهو جزء من صراع أوسع نطاقا، حيث احتضنت تركيا وقطر جماعة الإخوان المسلمين. غير ان دولا أخرى في المنطقة، مثل السعودية والإمارات ومصر، تعارض جماعة الإخوان المسلمين، وتنتقد حماس انتقادا لاذعا.

غير ان مشكلات تركيا مع إسرائيل تعتبر اضعاف ذلك: فالأتراك غاضبون دينيا من اجل القدس، وهم متعاطفون مع الفلسطينيين بشكل عام، وداعمون للرئيس الفلسطيني عباس سياسياً، وداعمون لحركة حماس، كما انهم يقدمون المساعدات الإسانية لغزة. وبالنظر الى مدى الغضب الإقليمي لأنقرة، تبدو الرياض وأبو ظبي والقاهرة أقرب إلى إسرائيل سياسيا. وهو أمر مثير للسخرية، لأن تركيا، التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية وتجارية مع إسرائيل، تبدو غاضبة من الدول التي ليس لها علاقات تجاريو مع إسرائيل مثل الرياض وأبو ظبي.

لا وجود لأبيض وأسود في العلاقة الإسرائيلية-التركية

ولكن، من المؤكد انه لا يوجد شيء أبيض وأسود في العلاقة الإسرائيلية-التركية. فدولة قطر تدعم غزة ماليا عبر إسرائيل، وترى قطر في إسرائيل مفتاحا لاستمرار قدرة القطريين على العمل في القطاع.

ويربط حزب العدالة والتنمية قراره بخصوص عدم إلغاء اتفاقية العام 2016 برغبة أنقرة، المقربة من الدوحة، في الاستمرار في لعب دور في مساعدة الفلسطينيين في القطاع، بدلا من قطاع العلاقات مع إسرائيل، وخسارة التواصل مع الفلسطينيين عبرها.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: ذي جيروزالم بوست

تصميم وتطوير