رمضانيات 10 : أخبرهم يا صلاح... وطن يرقص على وتر

27.05.2018 10:43 AM

كتبت: نادية حرحش

اليوم العاشر لرمضان، انتهى بنكسة قومية بإصابة اللاعب المصري محمد صلاح في النصف ساعة الأولى من المباراة النهائية لكأس أوروبا للابطال. لم تكن ضربة عادية، ضربة أصابت قلوب كل من شاهدها، باستثناء المدير الفني لفريق ريال مدريد زين الدين زيدان.

الكثير من الدروس التي يمكن أن نتعلمها من تلك المباراة، وبما أننا بالشهر الفضيل، فانه وبلا شك صيامنا على ما يبدو غير مقبول ولا يؤخذ الدعاء فيه. ولكن يبدو أن السعودية فعلا أقرب إلى الله ، فذلك السعودي الذي أطلق دعاء على محمد صلاح انتقاما من السيسي بإصابة محمد صلاح وعدم مشاركته باللعبة ، علينا ان نتتبع ما يقوم به هذا الرجل ، فإما انه مستجاب الدعوة لأنه مبارك ولا ترد دعواته، او انه كان يجلس في مكان ما لا ترد فيه الدعوة من موقعها، تكون ابواب السماء مفتوحة وتؤخذ الطلبات مباشرة الى الله.

وكل دعاوينا على راموس لم تكسر رجله ولم تخرجه من المباراه. ولكننا نُصّر على المؤامرة الصهيونية المتمثلة بتاتو على ذراعه.

أخلاق رونالدو كانت ملفتة، وقد يكون تطور آليات وتقنيات التكنولوجيا قد جعلتنا بالفعل نرى حتى أحاسيس اللاعبين وردود أفعالهم الداخلية. كانت ابتسامة زين الدين إبتسامة إنتصار لم يستطع إخفاءها (علي ان اكتفي هنا، فقد يتحول الموضوع الى انتقام جزائري مصري) ، وكانت ضربة راموس محكمة لم يستطع الحكم رميه الى خارج الملعب ببطاقة حمراء.

ما جرى مع محمد صلاح كان مؤلما ولا يوجد وصف لكم الوجع الذي وصلنا بينما كنا نشاهد الحدث، دموعه ومحاولته للتحمل، كانت محزنة.

في مكانين من كل هذا، كان صلاح يحمل مسؤولية أرضاء الجماهير العربية والمصرية تحديدا، التي تتأمل به تحريرا ما. انجازا ربما يقدمه عربي. استطاع صلاح أن يقلب كيان المشجعين الملكيين في لعبة تبدو في تأثيرها أهم ما يمكن أن يحصل لنا في هذه الحياة.

كانت هذه المرة الأولى التي أشاهد فيها مباراة بجو عائلي مليء بالأطفال والكبار منذ سنوات كثيرة."رمضان يجمعنا" فكرت في نفسي، أو على ما يبدو صلاح يجمعنا، ولكن لم تفارقني للحظة أن ما كان يحدث هو حالة تيه للحقيقة، فرمضان يجمعنا على مباراة كرة قدم ، وصلاح يجمعنا بفريق إنجليزي!

المهم ... انتهت المباراة لصالح ريال مدريد، وسجلت انتصارا جديدا للجزائري زين الدين زيدان.

بكل جدية افكر، ان مدير الفريق يجب ان يحكم العالم، وفي هذه الحالة، انه زيدان، دهاءه وتكتيكاته الحرفية والذكية لدرجة الاجرام.

وعلى سيرة صلاح، كانت الأمسية قد بدأت بالفنان الفلسطيني وحلقات من وطن على وتر. في كل مرة أكرر فيها اسم البرنامج أرى الوطن يسير على وتر رفيع معلق في الهواء وتحته طبقات جهنم التي وصفها دانتي في كوميديته الالهية.

إبن أختي من متابعي عماد، وفي كل مرة أنظر إليه أرى من خلاله جيل كامل من مستقبل هذا الوطن الماشي على وتر. صورة بها حقيقة نحاول تغييرها ، ولكنها تبقى حقيقتنا مهما حاولنا مقاومة شكلها.

ابن أختي يذهب الى مدرسة الليسيه الفرنسية في القدس ولكنه يشبه أشبال كل مدن الضفة. ذكوري ، يصارع لدخوله عالم الرجال. وما يقدمه وطن على وتر هو مرآة للمجتمع .

على ما يبدو أن ابن اختي كبر في الأشهر الأخيرة ولم ألاحظ التغيير الذي يطرأ على طفولته ، فكان النقاش معه واعيا وناضجا ومتخصصا بعماد فراجين .

"المسكين عماد فضحوه بعد حلقة رحلتي كفنان" . لم تغب عني التعليقات المسيئة لعماد بسبب تلك الحلقة ، بين تنكره لشعبه وقلة الخير وتشويهه لجيل كامل من الفلسطينيين.

كنت أراقب أبناء اخواتي بينما يشاهدون الحلقات ، تفاعلهم مع المشاهد ، وتعليقاتهم فيما بينهم والتي بدت وكأنها تخص جيل لا يمت لنا بصلة ، ضحكات تدمج بين البراءة ومحاولات النضوج. ضحك بين كل افراد العائلة التي تشاهد من القلب ، كل حركة ، كلمة ، هناك ما هو كوميدي ساخر حقيقي بهذا الرجل.

في بدايات وطن على وتر، عزفت عن مشاهدته او متابعته ، لأني لم أصدق أن هناك موهبة ممكن ان ترعى من تلفزيون فلسطين .

وفي العودة الى الوراء الان ، يبدو انه بلا شك ان تلفزيون فلسطين كان في محاولات تطويرية حقيقية. نجح فريق وطن على وتر من خلال الكوميديا الساخرة التي يقدموها بوضع الاصبع على مكان الجرح في الحياة الاجتماعية الفلسطينية بكافة تشعباتها.

كنت متحفظة لاستخدام الكلمات غير اللائقة، او بالاحرى التي لا تشبهني او تشبه البيئة التي اعيش فيها. ولا انسى لقاء جمعني مع الفريق حينها عندما اعترضت على استخدامهم لهذه الكلمات ، وتأثيرهم على مجتمع كامل ."نحن لا نستخدم هذه المصطلحات" قلت مؤكدة.

نظرت الي الفنانة منال، وكنت قد اثرت جوا من عدم الراحة لأسألتي النقدية ، وترفع عماد عن حتى النظر باتجاهي ، وقالت: "ما نتداوله من مصطلحات هو ما يقوله المجتمع . هذه هي الكلمات المستخدمة."

منال ، شابة جميلة متحررة تتكلم بكل مهنية ولباقة . وكذلك الفريق المكون لثلاثي استثنائي بجدارة. كان النقاش فيما بعد ، نقاشا جديا شعرت وكأنني في جلسة علم اجتماع ، وكنت أنا الجاهلة الوحيدة فيها .

منذ ذلك الوقت وانا اتابع حلقات وطن على وتر في مواسمه المتتالية، بنظرة كاشفة لحقيقة كلنا نريدها مغايرة لمجتمعنا . نريد ان نصبح مجتمعا مدنيا راقيا ، ونحن بالحقيقة نرقى بأننا بأصلنا القروي والفلاحي والمدني والبدوي بصفاته ولكناته ولهجاته وعاداته المتناغمة وغير المتناغمة ، والتي تظهر بالنهاية على شكل وطن على وتر.

وطن على وتر ، يعكس تماما الحقيقة.. الحقيقة المؤلمة كثيرا ، وهي نفسها تلك الحقيقة التي تضحكنا.

لا أشك ولا للحظة ، لو أن فريق وطن على وتر بثلاثيه الموهوب والمهني والمخلص والمؤمن برسالته كان في وطن يحتضن المواهب ويستثمر بها ، لكان هذا الفريق عالميا. والحقيقة أنهم استطاعوا الخروج من محليتهم إلى الدول العربية ، والحفاظ على صبغتهم الخاصة. فهم مجموعة تحمل وطنها على وتر.

ما يقدمه فريق وطن على وتر ، وما يمثله عماد فراجين، بإعجاب أحيانا وبانتقاد احيانا ، هو تجربة مهمة واستثنائية والأقرب لأن تكون نادرة في ظل وطن يعيش على وتر.

ان يتمكن هذا الفريق ولأكثر من عقد حتى الآن بتقديم برامج بمواسم متتالية، بميزانيات أقرب لأن تكون ذاتية ومعدومة، في ظل حملات سلطوية من كافة الاتجاهات تحاول الإجهاض عليهم، في كل مرة بتقديم رسالة حقيقية في محاولة للتقدم خطوة إلى بناء وطن على وتر.

هذا ما نحتاج أن نبنيه، إنسان فلسطيني يؤمن بموهبته، بهدفه ، بقضيته، ويعمل باحتراف وامتهان للبقاء والتقدم. إنسان لا يخاف أن يقطع رزقه بسبب كلمة او رأي.. حتى لو اضطر أن يكون منبره في ساحة أخرى.. فرسالته لوطنه لا تتغير، لانه يدرك ان وطنا على وترلا يستقر بلمسة سحرية ولا معجزة سماوية... بأبنائه فقط.

ويبقى الأمل محدودا في "أخبرهم يا صلاح" ، حلقة  لوطن على وتر تقول الكثير عن حقيقتنا ... ويتساءل البعض لماذا يؤثر عماد على المشاهدين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير